الغراب قلّد الحمامة فنسي مشيته، ولم يتعلم مشية الحمامة.
المباراة مشرفة على الانتهاء، والحارس مذهول، وزائغ النظرات، ويضع يديه في جيبيه. تقول معاهد دراسات حركات الجسد، إنها حركات مذنب. وتقول معاهد دراسة الخط البياني للتصريحات
السعودية وتغريدات كهنتها؛ شيئاً قريباً من ذلك.
لنتذكر مباريات السعودية في كأس العالم، فقد أخفقت في الانتصار في معركتي الحداثة والقدامة، وقد آتاهم الله من الكنوز ما تنوء به العصبة أولي القوة، وحباهم الله بشرف رعاية المسجد الحرام والمسجد النبوي، ففضّلوا حماية البيت الأبيض، الذي يبدو أنهم سيطردون منه. لقد أكلت الأرضة معاهدة كوينسي، التي وقعت سنة 1945 بين أمريكا والسعودية. والسينما، والسيارة، ونانسي عجرم لا تكفي لنيل شهادة الحداثة.
خرج الفريق السعودي من سباق المفاضلة بين فرق كرة القدم في العتبة الأخيرة، لولا أن تبرعت مصر لها بفوز يتيم، كما تبرعت لها من قبل بجزيرتين، ومعهما مثلث برمودا هدية، ذلك المثلث الذي تختفي فيه السفن والطائرات من غير تفسير، فالعلماء والدعاة والناشطون يختفون خارج القنصلية. أخرج الناشطون صوراً وفيديوهات طريفة للاعبي الفريق السعودي، منها صورة لكرش حارس المرمى السعودي، وأخرى للاعبين يستجمان تحت مظلة في الملعب، وكان أولى بالفريق تقديم عروضه في سيرك. يقول المثل المصري: ياما جاب الغراب لأمه.
لنتذكر أن السعودية كانت تتصرف دائماً وكأنها دولة مبشرة بالجنة، فهي ترعى أرض الحرمين، مثل سوريا التي تحمي حدود إسرائيل، وبين الدولتين شبه، كأنهما وجهان لعملة واحدة. دولة علمانية في الداخل، وإسلامية في الخارج، والثانية إسلامية في الداخل، وعلمانية في الخارج.
أمسينا نعرف
كل تفاصيل الجريمة. لقد سُرّبت كلها، ولم يبق سوى أن تتبناها الحكومة التركية رسمياً. نحن ننتظر صفارة الحكم، ويخشى كثيرون أن
تبيع تركيا النتيجة للسعودية، لكن تأويل الأحاديث والتصريحات التركية يقول: إن التسريب كان وسيلة ذكية لتوزيع دم الشهيد بين القبائل العالمية، وأن
تركيا إذا باعتها ستخسر كرامتها السياسية، وإن باعت فستبيع ما يمكن أن يباع منه، وهو الشق السياسي من القضية.
الجريمة تختلط فيها الحداثة بالقدامة، الانتقام بمحاولة تنفيذ جريمة كاملة.
التراث العربي يحفل بالقصص الجنائية الذكية، التي صنّفها كتاب الأذكياء بعضاً منها. وكان عضد الدولة معروفاً بحس جنائي واستقصائي ممتاز، وكشف كثيراً من الجرائم. من القصص العربية البوليسية، قصة الأعراب الثلاثة، وقصة المسألة الدينارية الكبرى، سميت بذلك لتمييزها عن الدينارية الصغرى، وتسمى بالركابية و"بالشاكية"، وفيها أن امرأة مضت إلى علي رضي الله عنه تشتكي شريحاً، فوجدته راكباً، فأمسكت بركابه وقالت: إن أخي ترك ستمائة دينار، فأعطاني شريح ديناراً واحداً، فقال علي: لعل أخاك ترك زوجة، وأماً، وابنتين، واثني عشر أخاً، وأنت؟ قالت: نعم، فقال علي: ذلك حقك، ولم يظلمك شريح شيئاً. وتلقب أيضاً "بالداودية"؛ لأن داود الطائي سئل عن مثلها، فقسمها هكذا، وأنها مضت إلى أبي حنيفة، في واقعة مشابهة فقالت: إن أخي مات، وترك ستمائة دينار، فما أعطيت إلا ديناراً واحداً، فقال: من قسم التركة؟ قالت: تلميذك داود الطائي، قال: هو لا يظلم، هل ترك أخوك جدة؟ قالت: نعم، قال: هل ترك بنتين؟ قالت: نعم، قال: هل ترك زوجة؟ قالت: نعم، قال: هل معك اثنا عشر أخاً؟ قالت نعم، قال: إذن حقك دينار. وقد نالت إيفانكا 100 مليون دولار من غير نسب ولا تعب، ونال ترامب 400 مليار دولار، من غير نسب ولا تعب، ويطالب بالمزيد.
المباراة منتهية، لكن الحكم مدّد للسعودية، إكراماً للحرمين، أو طمعاً بنفطها. وعليها أن تصد ضربة جزاء، وحسب تركيا إذا أحبت أن تكرم السعودية، وأن تحجب الصور والأفلام، والجريمة تكبر مثل جريمة قتل الصربي الشاب غافر يلو برنسيب؛ ولي عهد النمسا، أمير المجر وبوهيميا الأرشيدوق فرانز فرديناند، وهو يتجول في مدينة سراييفو بسيارة مكشوفة مع زوجته التي تصغره بأربعة أعوام، ففجّر الحرب العالمية الأولى، التي تورطت فيها الخلافة العثمانية، ولذلك تتمهل تركيا في إعلان النتائج.
ها هو ذا
أحد كهنة الثقافية الليبرالية يهدد حليفتها أمريكا، بأن السعودية ستتشيع، على الأقل سياسياً، وتصير من محور المقاومة والممانعة. وهذا يعني أن الغراب سيزحف. قبل أيام كتبتُ منشورا على صفحتي، أذكر فيها بأنّ الحجاج ظلَّ يصرخ كل ليلة بعد قتل سعيد بن جبير: ما لي ولسعيد بن جبير! ونسيت أن أكتب أنه لم يمكث بعدها أسبوعين حتى هلك. وأن ناصحين نصحوا
ابن سلمان بأن يتأسى بالصين، التي لا تخضع للإنذارات. وفرق كبير بين الصين والسعودية، وبين التنّين والضب، وكان يمكن للسعودية أن تكون أقوى من الصين من غير قنابل نووية، لو شاءت.
إخراج الضب من الجحر يحتاج إلى رافعة، مثل التي أخرجت الغواصة كورسك الغارقة في بحر بارنس. وكانت الدولة العظمى، روسيا، عاجزة عن إخراجها، فطلبت العون من هولندا.
الغراب أول من علم الإنسان فن الدفن.