هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أكد اقتصاديون وسياسيون أن تصديق رئيس الانقلاب بمصر، عبد
الفتاح السيسي، على قانون "التعاقدات الحكومية" بديلا لقانون المزايدات
والمناقصات يرسخ سياسية الاحتكار لصالح شركات ومؤسسات بعينها، ويفتح باب العمولات
والسمسرة نتيجة إبرام الصفقات بالأمر المباشر، ودون التقيد بالإجراءات التي كانت
متبعة في السابق.
وحدد القانون 7 حالات تمنح الهيئات الحكومية حق التعاقد المباشر، وتتمثل في: الحالات الطارئة التي لا تحتمل اتباع إجراءات المناقصة أو الممارسة بجميع
أنواعها، وفي حالة عدم وجود سوى مصدر واحد لديه القدرة الفنية أو القدرة على تلبية
متطلبات التعاقد.
ومن ضمنها ألا يكون هناك إلا مصدر واحد فقط لديه الحق الحصري
أو الاحتكاري لموضوع التعاقد، ولا يوجد بديل آخر مناسب. أما الحالة الرابعة، فكانت بهدف
التكامل مع ما هو موجود ولا يوجد لها سوى مصدر واحد، وكذلك في الموضوعات التي لا
تكون مشمولة في عقد قائم، وتقتضي الضرورة الفنية تنفيذه بمعرفة المتعاقد القائم بالتنفيذ.
أما الحالة السادسة، فكانت متعلقة بالتوحيد القياسي مع ما
هو قائم. بينما كانت الحالة السابعة والأخطر الخاصة بتعزيز السياسات الاجتماعية أو
الاقتصادية التي تتبناها الدولة.
من جانبه، كشف مسؤول سابق بحكومة الدكتور هشام قنديل لـ"عربي21"
أن هذا القانون سبق طرح فكرته خلال رئاسة الدكتور محمد مرسي، ولكن لم يحظ بقبول،
وتم الالتفاف حوله بتفعيل قرارات للحكومات السابقة متعلقة بمنح وزارة الإنتاج
الحربي سلطة الشراء لصالح باقي الوزارات بالأمر المباشر كشرط لصرف الاعتمادات
المالية من ملحق الموازنة السنوية للحكومة.
وطبقا للمسؤول، الذي تحفظ على ذكر اسمه، فإن الوزارات
التي كانت تعاني من ضعف بالموازنة، مثل الشباب والتعليم والصحة والإدارة المحلية، كانت تضطر لقبول قيام وزارة الإنتاج الحربي بشراء ما تحتاجه بالأمر المباشر، وبأسعار أكثر من السوق المحلي والأجنبي؛ لأنه لم يكن أمامهم طريق لعلاج نقص
موازنتهم إلا من خلال هذا الأسلوب.
ويعلق الخبير الاقتصادي أيمن النجار على القانون الجديد
بأنه يأتي ضمن التزامات الحكومة المصرية بمراجعات صندوق النقد الدولي، الذي ألزم
الحكومة بالعمل بهذا القانون قبل نهاية آذار/ مارس 2019، وهو الموعد المقرر للمراجعة
الخاصة بالدفعة الأخيرة من القرض الذي حصلت عليه مصر في 2016.
ويؤكد النجار لـ"عربي21" أن القانون ظاهره
الإصلاح، لكن باطنه الفساد؛ لأنه وسع من حالات الإسناد بالأمر المباشر دون ضوابط
حاكمة، وجعلها مفتوحة طبقا للتقديرات الحكومية، وهو ما يوسع من الرشاوي وسياسة الأدراج
المفتوحة.
ويضيف النجار لـ"عربي21" أن هذا القانون أنهى
الرقابة السابقة واللاحقة على العقود، حيث كانت تمثل الأولى مجلس الدولة الذي منحه
الدستور حق مراجعة العقود والمزايدات الحكومية قبل إبرامها، وتمثل الثانية الجهاز
المركزي للمحاسبات الذي كان يكشف الخلل والتلاعب والفساد بالمناقصات والمزايدات، وكان
يقوم بإحالتها للنيابة العامة للتحقيق فيها.
ويوضح النجار أنه بالرغم من هذه الرقابة السابقة
واللاحقة كان يوجد فساد في عمليات البيع والشراء، وبالتالي فإنه مع إلغاء هذه
الرقابة، فإن الفساد سوف يتوسع، ولكن بشكل مقنن.
من جانبه، يؤكد عضو البرلمان المصري السابق، أمير بسام، لـ"عربي21"، أن القانون يأتي ضمن سلسلة متصلة من القوانين التي وسعت من
نشاط المؤسسة العسكرية، وإلغاء أي رقابة عليها، سواء فيما يتعلق بالإنفاق العسكري
أو الإنفاق المدني.
ويضيف بسام أن ميزانية المؤسسة العسكرية كانت لها حصانة
لما قبل دستور 2012، الذي وضع ضابطا لهذه الميزانية من خلال مراجعة مجلس الأمن
القومي، وهو ما كان مقبولا باعتبار أن معظم إنفاق القوات المسلحة وقتها كان متعلقا
بالأمور العسكرية.
ويوضح بسام أنه بعد انقلاب 2013، فإن الجيش أصبح له دور اقتصادي
كبير، وسيطر على مفاصل الاقتصاد القومي، ومن هنا جاء هذا القانون الذي يمنح حصانة
للمؤسسة العسكرية، ويعطيها الأفضلية في كل شيء، كما أنه يوسع من عمليات الفساد
والرشاوي التي أصبحت من معالم نظام الانقلاب، ويوسع كذلك من الاحتكار العسكري لمعظم
الخدمات والمشروعات، سواء بالشراء المباشر من المؤسسة العسكرية، أو بأن تقوم المؤسسة
بدور الوسيط.
ويشير البرلماني السابق إلى أن الاستثناء السابع في
القانون والخاص بتعزيز السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تتبناها الدولة يمثل أمرا
غريبا ومريبا، نظرا لصياغته المطاطة، وسيتم ربطه في الغالب بمتطلبات الأمن القومي التي
أصبحت مدخلا للفساد والاستبداد.
ويوضح بسام أن القانون كان يتم تطبيقه بالفعل قبل إقراره،
بدليل تكليف السيسي لهيئة التسليح بالقوات المسلحة بإدارة ملف "التابليت
التعليمي" نيابة عن وزارة التربية والتعليم، وبالفعل قامت الهيئة بتحديد
النوعية والسعر والشركة المنفذة، وفي النهاية بدأ العام الدراسي، ولم يظهر للتابليت
أي أثر.
مشيرا كذلك إلى تكليف السيسي للحكومة بإسناد كل أوامر الشراء
بالأمر المباشر لوزارة الإنتاج الحربي، التي أصبحت وسيطا في شراء متطلبات الملاعب، ومتعلقات
التموين، والمستلزمات الصحية والزراعية، والخدمات التعليمية، وغيرها من احتياجات
الوزارات.