هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قطع الطريق أمام العملية العسكرية المحتملة في محافظة إدلب السورية كان من أهم المواضيع المطروحة على الساحة السورية مؤخرا، وهو ما دفع إلى اجتماع تركيا وروسيا في نقطة توافق مجددا، عبر اتفاق سوتشي.
وبما أن تفاصيل الاتفاق غير معلنة حتى الآن، إلا أنه يمكن الإدلاء ببعض الاستنتاجات من خلال التركيز على المؤتمر الصحفي المشترك للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، إلى جانب التصريحات الصادرة فيما بعد عن المسؤولين رفيعي المستوى من كلا البلدين.
تشير الخطوط العريضة للاتفاق بين تركيا وروسيا إلى اقتراح إنشاء منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مناطق النظام والمعارضة في إدلب، يتولى فيها كلا البلدين مهمة مراقبة وإحلال الأمن.
ومن المخطط أن تكون تلك المنطقة بعمق 15-20 كم داخل الأراضي السورية، على أن يتم التخلص من الأسلحة الثقيلة، وإخراج كافة عناصر التنظيمات "الإرهابية" وفق وصف وكالة الأناضول منها، بما فيها هيئة تحرير الشام.
كما تم الإعلان عن أن الجانبين التركي والروسي سيجريان دوريات مراقبة مشتركة؛ بهدف إحلال الأمن في المنطقة.
ورغم كون هذه النقاط أساسية جرى التوافق بشأنها بين البلدين، إلا أنه يمكننا استنتاج بقية البنود غير المعلنة من خلال تصريحات الجانبين، فعلى سبيل المثال، أوضحت أنقرة أن قوى المعارضة ستظل في المنطقة، بينما سيتم تطهيرها من عناصر التنظيمات المتطرفة فقط.
في حين صرح الجانب الروسي بأنه سيتم افتتاح الطريق الدولي الواصل بين حلب واللاذقية، وحلب وحماه، بنهاية العام الجاري، وبالنظر لهذه التصريحات، تتبادر إلى الأذهان بعض الأسئلة.
السؤال الأول: حول مدى عرض وعمق المنطقة المذكورة، إذ تشير الخرائط الموجودة لدى المصادر إلى أن المنطقة منزوعة السلاح ستكون ضيقة في إدلب، يفصل بينها وبين مناطق النظام السوري نقاط المراقبة العسكرية التركية والروسية.
لكن تصريحات الجانب الروسي تشير إلى أن مجموعات المعارضة المسلحة لن تتواجد كمراقب على طريقي "إم4"، و"إم5"، وأنهما سيُفتتحان بشكل يتيح للنظام السوري استخدامهما.
فإن كان هذا الأمر صحيحا، فإنه من المتوقع أن يتم طرح موضوع إنشاء خط يمتد على مساحات سكنية واسعة في منطقة جسر الشغور في الغرب، ومورك وريف حلب الغربي في الجنوب، وضمها إلى المنطقة منزوعة السلاح على مراحل.
وسيتم التأكد من هذه النقطة لدى دخول بنود الاتفاق حيز التنفيذ، ولكن يجب عدم التغاضي عن احتمال أن المنطقة منزوعة السلاح ستمتد على منطقة أوسع مما هو منتظر في المرحلة الأولى.
السؤال الثاني: ماذا سيحصل للفصائل المسلحة في المنطقة منزوعة السلاح؟
تصريحات الجانب التركي أوضحت أن فصائل المعارضة المعتدلة لن تبرح مكانها، لكن بالنظر إلى خارطة الوضع في إدلب، فإنه نتيجة لتواجد الكثير من الفصائل المعارضة المعتدلة في المنطقة منزوعة السلاح، فيمكن القول بأنه سيتوجب عليها إما ترك هذه المنطقة والانتقال إلى المناطق الداخلية، أو ستضطر للتخلي عن سلاحها الثقيل.
أما السؤال الثالث فهو: ما مستقبل هيئة تحرير الشام؟
كل من تركيا وروسيا تصنفان الهيئة ضمن التنظيمات الإرهابية، ولذلك فإنهما سيحاربانها، لكن تواجد الهيئة ليس محدودا بالمنطقة منزوعة السلاح، وبالنظر إلى الخط الفاصل المتوقع، فإن الكثير من مناطق سيطرة الهيئة تقع خارج حدود المنطقة منزوعة السلاح.
في هذه الحالة، يجب مراقبة أنماط تحركات هيئة تحرير الشام، فكما هو معروف، فإن الهيئة تتضمن توجهات مختلفة، لكن عددا كبيرا من عناصرها، سواء كانوا من السوريين أو الأجانب، يرفضون تسليم السلاح، أو التراجع، أو التفكك.
وفي حال رفض الهيئة للتفكك بنهاية المهلة الروسية حتى الـ15 من أكتوبر/ تشرين أول المقبل، يبدو من المرجح أن مهمة إحلال الأمن في المنطقة ستقع على عاتق تركيا وشريكها على الساحة، الجيش السوري الحر، ما قد يدفع تركيا لعملية جديدة بسوريا، شبيهة بالعمليات التي أجرتها سابقا، وهي درع الفرات، وغصن الزيتون.
إن أجوبة هذه الأسئلة ستتضح خلال الأيام المقبلة لدى البدء بتنفيذ بنود اتفاقية سوتشي، لكن مهما أفضت هذه الاتفاقية إلى مرحلة مهمة من الارتياح، فإن ظهور ديناميات اشتباك جديدة في المنطقة بناء على المستجدات الأخيرة لن يكون محيرا إطلاقا.
- الفائزون في الاتفاق
يوجد لاعبان أساسيان فازا في هذا الاتفاق، وهما تركيا وروسيا.
يمكن ترتيب المكتسبات الأساسية لروسيا على الشكل التالي: ضمان أمن كافة قواعدها في سوريا، وتخفيض هجمات قوات المعارضة بواسطة الطائرات دون طيار وباقي الأسلحة إلى الحد الأدنى.
ثانيا: إتاحة الفرصة لنظام بشار الأسد ولو بشكل غير مباشر في التضييق على مناطق سيطرة المعارضة في إدلب، دون تكبد أي خسائر، ولو أن الاتفاق لن يزيد من مساحة سيطرة قوات النظام السوري، إلا أنه سيقلص من مناطق المعارضة، الأمر الذي سيجبر المعارضة على الرضوخ للتفاوض مع النظام وروسيا على المدى المتوسط.
ثالثا: إبعادها القوات الإيرانية عن إدلب، وعلاوة عن كل ذلك، فإنها تمكنت من الفوز بهذه المكتسبات دون الدخول في حرب طويلة ومتعبة.
أما بالنسبة لمكتسبات الجانب التركي فهي كالتالي: أولا، الوقوف في وجه موجة نزوح كبيرة باتجاه أراضيها، ومناطق عمليات درع الفرات وغصن الزيتون.
ثانيا: تقويتها لوجودها العسكري في سوريا، والوقوف في وجه التهديدات القادمة من إدلب باتجاه عفرين.
ثالثا: تمتع تركيا بمنطقة نفوذ واسعة بدءًا من غرب الفرات وحتى إدلب، وذلك لغاية إيجاد حل دائم للأزمة السورية.
رابعا: زيادة ثقة أهالي إدلب بتركيا بعد اتفاق سوتشي، حيث نجحت في تجنيب المنطقة دمارا كبيرا.
خامسا: حققت تركيا كل هذه المكتسبات دون أن تخاطب نظام الأسد، ونجحت في إبعاد إيران عن إدلب، ولكن إلى جانب هذه المكتسبات، يمكن القول إن تركيا ستتحمل مسؤولية كبيرة خلال محاربة هيئة تحرير الشام، ما قد ينتج عنه مشاكل أمنية جديدة.
- الخاسرون في الاتفاق
إن الخاسر الأكبر في الاتفاق هو هيئة تحرير الشام، حيث تمر بمرحلة حرجة للغاية، إذ تقف على مفترق طريقين؛ إما أن تتخلى عن السلاح وتحل نفسها، أو الدخول في مواجهة عملية عسكرية ضخمة والاندثار بنتيجتها.
وبالرغم من عدم صدور أي قرار أكيد عن الهيئة، إلا أن الاحتمال الأكبر بأن مجموعة صغيرة منها ستحل نفسها، في حين ستلجأ النسبة الأكبر من عناصرها للحرب والمواجهة، الأمر الذي سيجلب معه احتمال نشوب صراعات جديدة في المنطقة.
وتعدّ إيران الخاسر الثاني في الاتفاق، إذ رفضته نتيجة لتضارب مصالحها مع كل من تركيا وروسيا، حيث شهدت خسائر مشابهة خلال عملية غصن الزيتون.
وتُصنف الولايات المتحدة و"ب ي د" ضمن الخاسرين في الاتفاق، حيث وقفت تركيا وروسيا في وجه أزمة كبرى كانت محتملة في إدلب، ففي حال كانت تحققت العملية العسكرية على إدلب، لكانت الولايات المتحدة قد نجحت بسهولة في إنشاء منطقة خاصة لـ "ب ي د".