هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار المقال الذي نشرته نيويورك تايمز قبل يومين فقط تحت عنوان "أنا جزء من المقاومة داخل إدارة ترمب"، والذي نُسِبَ إلى مسؤول كبير في إدارة الرئيس ترمب، صخباً كبيراً داخل الولايات المتّحدة بشكل أساسي وخارجها أيضاً. في هذا المقال أعلن المسؤول المفترض عن وجود جبهة مقاومة سريّة في إدارة الرئيس هدفها التصدي لشطحات رئيس ذي نزعة قيادية تافهة ومتهورة وغير فعالة.
وأضاف أيضاً أنّ هذه الجبهة لا تريد للإدارة أن تنجح ولكنّها تعمل بطريقة غير تقليدية من الداخل بدلاً من المقاومة الاعتيادية.
تزامن المقال مع الإعلان عن قرب نشر كتاب "الخوف" للاستقصائي الشهير بوب وودورد. وأشارت بعض مقاطع الكتاب التي تمّ الكشف عنها الى انّ عدداً من وزراء الرئيس وكبار موظّفي الرئيس لا يأبهون أحيانا بتعليماته، ويعمدون إلى ذلك للحد من سلوكه المدمر والخطير.
اتهام بالخيانة
شنّ ترمب حملة كبيرةً على هذه المقولات وشكك في أن يكون مسؤول كبير قد فعل ذلك متّهماً الصحيفة ضمناً بالاعتماد على مصادر زائفة. لكنّه سرعان ما اعتمد ترمب على استراتيجية أخرى، اذ قال بأنّ كاتب المقال شخص جبان، وتساءل عمّا إذا كان مثل هذا العمل يعدّ تخريباً أو عرقلة أو ربما خيانةً، مطالباً الصحيفة بكشف اسمه إن كان موجوداً على اعتبار أنّ عمله يمثّل تهديداً للأمن القومي الأمريكي.
ونظراً لإتهامات الرئيس للكاتب بالخيانة، تداعى عدد من وزراء ترمب والمسؤولين رفيعي المستوى إلى إصدار بيانات استنكار تنفي أن يكون أي منهم وراء هذا المقال.
إنّ ما يحصل الآن في الولايات المتّحدة صادم في حقيقة الأمر بكل المعايير، ويبدو أنّ وصول ترمب إلى الحكم في يناير عام 2017 هو البداية فقط.
لا يوجد أدنى شك في أن ترمب شخص لا يمتلك أدنى المقومات الأخلاقية فضلاً عن المؤهلات التي تجعل منه رئيسا لأقوى دولة في العالم، لكن ما يجري الآن يطرح العديد من التساؤلات أو المعضلات إن صح التعبير.
ألم يتّبع نفس الوسائل التي يتّبعها غيره في الوصول إلى السلطة؟
تآكل المؤسسات
ربما يناقش البعض هنا دور روسيا في التدخّل بالانتخابات الأمريكية لإيصال ترمب، لكن أليس هذا الأمر بحدّ ذاته مؤشّرا على تآكل المؤسسات الأمريكية؟ عندما تنجح دولة "عدو" في اختراق نظام سياسي ما وإيصال الشخص الذي تريده إلى سدّة الحكم، ماذا من الممكن أن نسمي هذا الأمر؟!
في المقابل، هل هناك فعلاً مقاومة داخلية؟ وإذا كانت موجودة فهل عملها يعدّ عملاً مشروعاً من الناحية القانونية؟ هل يحق لأشخاص غير منتخبين ومعينين من قبل رئيس أن يتحدّوا قراراته ويشكّلوا خلايا نائمة أو يعملوا حكومة ظل؟ ثم يأتي السؤال حول قيمة العمل الخفي؛ ما الفائدة منه إذا كان سيظل خفيّاً؟ أليس اللجوء إلى الإعلام هو اعتراف بأهمّية العمل العلني؟
لا تتوقف المعضلات عن حدود الرئيس والخلايا النائمة في إدارته، إذ إن هناك تساؤلات حول كيفية تأثير هذه الأحداث في النظام السياسي الأمريكي وسير المؤسسات الأمريكية؟ وماذا إذا كان الرئيس بعكس ترمب، رئيسا جيداً لكنّه ليس كذلك في أعين البعض. ألا يبرر مثل ذلك إنشاء خلايا نائمة ضدّه مستقبلا؟!
ثمة نقاش آخر على مستوى آخر أيضاً ولكنه يتعلق بنفس الموضوع. البعض يتخوّف من عزل ترمب كي لا يصبح ذلك سنّة في النظام السياسي الأمريكي أو كي لا يؤدي إلى تعطيل مؤسسات، البعض الآخر لا يريد مقاومة علنية كي يملك قدرة تأثير على القرار من الداخل. لكن الغالب إلى الآن أنّ كل هذه المحاولات تهدف إلى تقويض قدرة الرئيس على التقدّم للانتخابات في الدورة المقبلة. بمعنى آخر، يبدو أنّ الضغط يتزايد عليه للحد من تأثيراته السلبية وليس لإخراجه من الحكم.
على العموم، لا يزال ترامب في عامه الثاني، ولا يزال هناك متّسع من الوقت لنرى كيف من الممكن للأمور أن تتجه في ما يتعلق بمصيره.