هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا أعدته مراسلتها بيثان ماكرنان، تتحدث فيه عن الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وكندا، التي اندلعت في الخامس من الشهر الحالي، إثر نشر السفارة الكندية في الرياض تغريدة تطالب فيها بالإفراج فورا عن ناشطين سعوديين تم اعتقالهم.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الطلاب السعوديين الذين يدرسون في كندا، والمرضى الذين يعالجون هناك، يواجهون كابوسا لوجيستيا، وذلك في ضوء القرار الذي ينهي العلاقات كلها، ويأمرهم بالرجوع على متن الطائرة بتذكرة عودة إلى المملكة في غضون شهر.
وتقول ماكرنان إن المجتمع الدبلوماسي في الرياض فوجئ عندما أعلنت السعودية في مساء يوم حار، ودون مقدمات، عن طرد السفير الكندي؛ بسبب تغريدة نشرتها أوتاوا، تنتقد فيها سجل حقوق الإنسان في المملكة، وتبع ذلك تجميد للعلاقات التجارية والاستثمار وبيع الأرصدة الكندية، ومقاطعة القمح الكندي، وإلغاء رحلات الخطوط الجوية السعودية إلى تورنتو.
وتعلق الصحيفة قائلة إن الرد السعودي الغاضب على ما بدا وأنه انتقاد عادي بشأن اعتقال ناشطتين في مجال حقوق الإنسان وسط حملات اعتقالات مستمرة، أدى إلى دهشة المراقبين، وقاد إلى شجار دبلوماسي غير مسبوق، بعدما أكدت كندا موقفها الثابت تجاه حقوق الإنسان.
ويجد التقرير أن الإجراءات السعودية لن تترك الأثر المالي الكبير على البلد، فبحسب موقع "بلومبيرغ" فإنه في عام 2017 صدرت كندا بضائع قيمتها 1.37 مليار دولار كندي إلى السعودية، فيما صدرت الأخيرة بضائع، معظمها من النفط، بقيمة 2.63 مليار دولار كندي، واستوردت بضائع بقيمة 2.63 مليار دولار كندي، حيث لا تمثل هذه إلا نسبة 0.4% من حجم التجارة الكندية.
وتستدرك الكاتبة بأن الذين تضرروا أكثر هم السعوديون أنفسهم، مرضى وطلاب وأطباء متدربون، الذين دخل مستقبلهم في دائرة المجهول، فيقول مواطن سعودي يقيم في مونتريال: "إنها صدمة، والجميع في حالة من الجنون، ولا يدرون ما عليهم فعله"، ويضيف: "تخيل أنك تدرس هنا منذ أربعة أو خمسة أو ثمانية أعوام، ويقول لك أحدهم فجأة: (لا يمكنك البقاء، عد إلى بيتك) فهو يدمر حياتك".
وتذكر الصحيفة أنه طلب من ألف طالب طب سعودي يتدربون في المستشفيات التعليمية الكندية العودة إلى المملكة، بحلول 31 آب/ أغسطس، فيما هناك تحضيرات لنقل المرضى السعوديين الذين يعالجون في كندا إلى الولايات المتحدة.
وينقل التقرير عن نائب مدير كلية الطب في جامعة تورنتو سالفتور سبادوفورا، قوله: "الكثير من المتدربين (في كندا) هم من الأطباء البارزين، يدرسون للحصول على الزمالة، وليحصلوا على تخصصات دقيقة"، ويضيف: "تعلمين أنهم سيعودون ويقومون بأشياء عظيمة لبلدهم، وهذه خسارة كبيرة".
وتفيد ماكرنان بأنه بالإضافة إلى طلاب الطب، فإن هناك 8300 طالب سعودي يدرسون في الجامعات الكندية، وطلب منهم العودة في غضون شهر، ويفكر بعضهم في التقدم بطلبات لجوء، بدلا من خسارة سنوات من الدراسة والحصول على الشهادة الجامعية، إلا أن المحامين في قوانين الهجرة يحذرون من طول أمد العملية، وبأن الحصول على وضعية اللاجئ يعني التخلي عن تأشيرة الدراسة، على الأقل في المدى القصير.
وتنوه الصحيفة إلى أن الأزمة تترك أثرها على السعوديين الذين يعيشون في المملكة، مشيرة إلى الناشط عمر عبد العزيز الزهراني، الذي تقدم بطلب لجوء عام 2014، عندما كان يدرس في كندا، وينشط في إعلام التواصل الاجتماعي، وتحدث مع عدد من المنظمات الإخبارية منذ الأزمة الدبلوماسية.
ويورد التقرير نقلا عن الزهراني، قوله إن عائلته وأصدقاءه في الرياض وجدة تلقوا تهديدات بالسجن في حال استمراره في الحديث عن الأزمة، وأضاف أن شقيقه أحمد تحدث إليه الأسبوع الماضي وهو يبكي، حيث أخبره بأن رجالا جاءوا إلى البيت وأبلغوه بأنه سيسجن في حال استمر عمر في الحديث عن الأزمة.
وتقول الكاتبة إن السلطات السعودية لم ترد للتعليق على كلام الزهراني، الذي علق قائلا: "لقد تلقيت تهديدات من فترة لأخرى، لكن استخدام عائلتي وأصدقائي؟ هذا جديد"، وأضاف: "كنت خلال حكم الملك عبدالله منتقدا للنظام، وعارضت الكثير من سياساته، وأنا مستمر في هذا في ظل الملك الجديد سلمان.. في الوقت الحالي لا أعلم ماذا يجري ولا أعلم إن كان إخوتي وأصدقائي في أمان".
وتشير الصحيفة إلى أن السعودية تخوض عملية تغييرات اجتماعية واقتصادية في ظل الملك سلمان، مثل الحد من سلطة الشرطة الدينية، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، إلا أن هذه الإصلاحات طغت عليها عمليات القمع والملاحقة للمنافسين المحتملين لولي العهد من الأمراء ورجال الأعمال، بالإضافة إلى الناشطين السعوديين.
ويورد التقرير نقلا عن النقاد قولهم إن الاعتقالات والأزمة مع كندا تتنافران مع صورة الأمير محمد بن سلمان بصفته إصلاحيا، فالأمير يتميز بقراراته المتهورة، مستدركا بأن المعلقين يقولون إن الخلاف مع كندا هو محاولة من السعودية لإرسال رسالة للدول الأخرى التي ستفكر في انتقاد سياسات المملكة الداخلية.
وتبين ماكرنان أنه لم تحصل أي محاولات دولية لتخفيف الأزمة، حيث رفضت الولايات المتحدة، حليفة كندا، التدخل، ولم يصدر عن وزارة الخارجية البريطانية إلا بيان فاتر دعا إلى "ضبط" النفس، مشيرة إلى أنه بحسب موقع "بازفيد" فإن الاتحاد الأوروبي تخلى عن فكرة إصدار بيان لدعم الموقف الكندي، و"بعد أسبوع من الأزمة يبدو أن شكلها النهائي قد استقر، لكنها لم تنته على ما يبدو للسعوديين في كندا".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى قول الباحث غير المقيم في المجلس الأطسي هشام إيه هيللير، إن السعودية ربما كانت راغبة في إحداث سابقة مع الدول الغربية، فهي تريد القول إنه "لو أرادت (الدول الغربية) أن تظل العلاقات طبيعية مع المملكة، فعليها أن تلتزم الصمت تجاه الانتهاكات المحلية".