لا تزال ارتدادت الهجمات الدامية التي تعرضت
لها محافظة
السويداء، فجر الأربعاء الماضي، من
تنظيم الدولة، تتوالى تباعا، إذ
تشير الأنباء القادمة من هناك إلى حالة من التأزم والتوتر غير المسبوقين في علاقات
الدروز بالنظام الذي يتهم كطرف مساعد
ومسهل للقوات المهاجمة.
وليس أدل على ذلك، من طرد أهالي السويداء لممثلي النظام ورفضهم
مشاركتهم في مراسم العزاء لنحو 250 قتيلا، بعد تحميل الأخير المسؤولية
واتهامه بالتخاذل.
وفي خطوة غير مألوفة، أظهر شريط مصور تم تناقله
على وسائل التواصل الاجتماعي، نقمة الأهالي واعتراضهم على اعتبار ضابط من
النظام أن ما جرى من صد لهجمات
التنظيم هو "انتصار لسوريا"،
وقالوا إنه "نصر للجبل، لأننا نحن من دافعنا، وليس النظام"، ما يوحي بأن
التوتر بلغ أوجه.
ويثير كل ذلك تساؤلات حول مستقبل السويداء التي
نأت بنفسها عن الأزمة السورية منذ بداياتها، وعن علاقتها بالنظام السوري.
وفي هذا الصدد أكدت مصادر من السويداء تحدثت إليها "
عربي21" أن الهجمات ساهمت
بتوحيد الشعور العام في السويداء تجاه التنظيم والنظام السوري في آن.
وفي هذا الصدد رأى الإعلامي مالك أبو خير
بضرورة العودة للمحطات التي مرت بها مدينته "السويداء" منذ بداية
المواجهة المسلحة ما بين النظام والمعارضة في العام 2012، وقال: "لقد اختارت
السويداء عدم المشاركة إلى جانب النظام أو المعارضة، وظهر جليا ذلك من خلال رفض
إرسال الشباب إلى الخدمة في جيش النظام، وهو الأمر الذي لم يعجب نظام
الأسد".
وأضاف، أن ما أثار حفيظة النظام أكثر تجاه
السويداء هو استقبال المدينة النازحين والمطلوبين من المناطق المجاورة مع رفض
تسليمهم للنظام، وعلق بالقول: "عندما نقول النظام فهذا يعني أننا نتحدث عن
إيران أيضا، على اعتبار أن النظام اليوم لم يعد موجودا، وإنما هو غطاء لإيران
وأذرعها في
سوريا".
وأوضح أبو خير أن دخول روسيا على خط الجنوب
السوري بقوة، أدى إلى فتح قنوات التواصل معهم من قبل "مشايخ الكرامة"،
مؤكدا أن "الأمور كانت متجهة للحل مع الروس، بحكم وجود ضباط من السويداء
تخرجوا من الكليات العسكرية الروسية".
غير أن ذلك لم يرق للنظام ولإيران، حسبما ذكر
أبو خير، وأضاف: "قامت إيران بعد مفاوضات مباشرة مع التنظيم في مخيم اليرموك،
بنقل عناصره إلى البادية السورية المتصلة بالسويداء، ومن ثم قام الأمن السوري بإيعاز
إيراني بسحب السلاح من قرى السويداء المحاذية للبادية، لتسهيل الهجوم".
وبحسب الإعلامي فإن المخطط الإيراني كان يقوم
على سقوط هذه القرى وجعلها منطلقا لهجوم كبير على السويداء، حتى يضطر الأهالي إلى
طلب مؤازرة النظام، غير أن ما أحبط ذلك، المقاومة الشعبية والأهلية التي أبداها
سكان هذه القرى بعد ساعات من الهجوم.
وأحدث كل ذلك ردة فعل شعبية عارمة، كما يرى أبو
خير، مضيفا أن "ما جرى وحد الشعور العام، بين معارض ومؤيد ورمادي، ضد النظام".
وعن دوافع النظام وإيران من وراء ذلك، قال: "بحكم أن الجنوب السوري على أعتاب مرحلة تسوية، فإن النظام وإيران يخشيان من
أن تحصل السويداء في إطار التسوية السياسية الدولية على شروط خاصة أسوة بمناطق في
الشمال والشرق السوري"، واستدرك بالقول: "هي لعبة دولية، ولا يمكننا الجزم بأطرافها، غير أن طرفا واحدا ثابتا لدينا وهو إيران".
المزاج الشعبي تغير
وبسؤاله عن قراءته لمستقبل السويداء ما بعد
الهجمات الدامية، أجاب أبو خير: "المدينة ما قبل الهجمات ليست كما هي عليه
الآن، وقبل الهجمات كان هناك توجه لإرسال أبناء السويداء إلى الخدمة في جيش
النظام، بموجب مقترح كان يتم بحثه مع الروس، لكن الآن الوضع اختلف".
وأردف:
"الآن لم يعد أبناء السويداء في وارد التفكير حتى بفكرة الذهاب إلى الخدمة
العسكرية، وكذلك بدأ الأهالي بحيازة السلاح، والمزاج الشعبي الآن يتغير تدريجيا".
وكان مشايخ "رجال الكرامة" أعلنوا
النفير العام في السويداء متهمين
النظام السوري بالتخاذل عن واجبه بالدفاع عن
المدنيين، لكن البعض ذهب إلى انتقاد ذلك، معتبرا أن اتهام النظام بالتخاذل فقط، رد
غير متناسب مع حجم المذبحة التي راح ضحيتها ما يزيد على 250 قتيلا.
وفي رده على ذلك، اعتبر أبو خير أن موقف
السويداء من النظام واضح، مشددا على أن موقف السويداء برمته لا يمكن أن يقاس بموقف
جهة واحدة، دون النظر إلى أهميتها.
وضمن رؤيته لردة فعل "رجال الكرامة"،
اعتبر مصدر من داخل السويداء، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "مشايخ الكرامة لا
يستطيعون إعلان الحرب على النظام والتنظيم معا"، وقال لـ"
عربي21"
إن "الطفل بالسويداء اليوم يعلم تماما من قام بتدبير هذا الهجوم ومن نفذه،
فما بالك بالمشايخ؟".
وأوضح أن "حساسية المرحلة تفرض نفسها،
وليس لأحد مصلحة اليوم في جلب مزيد من الأعداء للسويداء".