هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للصحافي جوشوا كارول، يتناول فيه محاكمة ستة جنود تمت إدانتهم بخطف وتعذيب وقتل ثلاثة قرويين في مخيم للنازحين في ولاية كاتشين، حيث قام القضاة بالحكم على كل من الجنود بالسجن عشر سنوات مع الأعمال الشاقة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن جيش ميانمار أرهب المدنيين في ولاية كاتشين لعقود، حيث قام عناصره بارتكاب جرائم الاغتصاب الجماعي والمذابح والطرد بالجملة، والتعذيب دون محاسبة، خاصة ضد الكثير من الأقليات الإثنية.
ويفيد كارول بأن حملة الجيش ضد الروهينغا في ولاية راخين، التي تسببت بتشريد 700 ألف شخص من الأقلية المسلمة منذ شهر آب/ أغسطس الماضي، دعمت سمعة الجيش بأنه فوق المساءلة، مشيرا إلى أنه داخل ميانمار، حيث يصور الروهينغا على أنهم غرباء وإرهابيون، فإن الحملة عززت من مكانة الجيش الذي يعد المسيطر الأساسي، بالرغم من إنهاء حكمه رسميا عام 2011.
وتستدرك المجلة بأنه كان هناك عدد قليل من القضايا التي تم الحكم فيها على جنود بارتكاب أعمال وحشية، بما في ذلك مذابح الروهينغا في ولاية راخين، وقتل قرويين من ولاية شان في شرق ميانمار.
ويجد التقرير أنه "لم يتم تحقيق العدالة الحقيقية في القضايا كلها، حيث حوكم الجنود ذوو الرتب المتدنية كأكباش فداء، واعتبرت الأحكام المقررة قصيرة، وبقي مصير المدانين محاطا بالسرية، ومع ذلك فأن يقوم جيش لطالما أنكر ارتكاب جرائم بإجراء المحاكمات أمر لافت للنظر، وبالنسبة لبعض المحللين، فإن هذه المحاكمات ليست سوى تمثيلية لإسكات المنتقدين عندما يتم ضبط الجيش متورطا، في الوقت الذي يراها فيه البعض خطوة، وإن لم تكن كافية، في الكفاح للتوصل إلى المساءلة، وقد تعكس تحولات حقيقية داخل الجيش".
وينقل الكاتب عن واحد ممن حضروا المحاكمة في ولاية كاتشين، الذي رفض ذكر اسمه، قوله: "يشعر الناس بأن هناك شفافية أكبر من قبل.. لكن لا يعتقدون أنه يتم تطبيق عدالة حقيقية، فهم متشككون في ما إذا كان الجنود سيسجنون في الحقيقة، وإن أرسلوا إلى السجن فإنه سوف يطلق سراحهم قبل قضاء محكوميتهم".
وتلفت المجلة إلى أن من أشهر المحاكم لجنود بورميين كانت لجنود قاموا بقتل عشرة من الرجال والأطفال الروهينغا في قرية "إن دين" العام الماضي، حيث حكم على سبعة جنود بـ10 سنوات أعمال شاقة، لكن فقط بعد أن تم كشف القتل من مراسلي "رويترز"، وهما وا لون وكياو سو أو، اللذان يواجهان سجنا لمدة 14 عاما، بموجب قانون الأسرار الرسمية.
ويذهب التقرير إلى أن "الأمر ليس أن جنرالات ميانمار أفاقوا فجأة، وبدأوا يعتنون بحقوق الإنسان، لكنهم أدركوا أن من مصلحتهم التشديد في أبشع التجاوزات، التي جعلت من الجيش مؤسسة مارقة، فما من شك في أن المؤسسة العسكرية تبحث عن شرعية أكبر، ففي 2011، بدأ الجنرالات بالتنازل جزئيا عن السلطة لإدارة منتخبة؛ وذلك للتوصل إلى (ديمقراطية مزدهرة ومنضبطة)، وكان هذا يعني السماح لشيء من الإصلاحات السياسية؛ وذلك لأهداف عدة، ليس أقلها رفع العقوبات الغربية، في الوقت الذي يبقى فيه الجيش مسيطرا على معظم اقتصاد البلد ومفاصل الحياة السياسية".
ويقول كارول إن "الجيش يريد أن يصور نفسه على أنه مؤسسة حديثة ومحترمة، ويؤدي دورا مهما في عملية التحول، ومع تخفيف الخناق على الإعلام، والمزيد من حرية التعبير، أصبح الجنرالات أكثر حساسية لنظرة الناس إليهم محليا ودوليا".
وتورد المجلة نقلا عن الملحق العسكري الأسترالي السابق في ميانمار وتايلندا جون بلاكسلاند، قوله: "يريدون أن يعتبروا متجاوبين ومناسبين ومتحضرين".
ويستدرك التقرير بأن البحث عن الشرعية لم يمنع الجيش من ارتكاب الفظائع في ولاية راكين في آب/ أغسطس الماضي، ورد على الاستنكارات العالمية بالإنكار التام، مشيرا إلى أن شرعية الجيش في ميانمار لا تتعلق فقط بما تظنه أمريكا أو أوروبا، فالصين وروسيا وغيرهما من الحلفاء وعدت بدعم ميانمار خلال الأزمة، في وقت كانت فيه عمليات "التطهير" تحظى بتأييد محلي، حيث ينظر الشعب للتقارير التي تتحدث عن أعمال وحشية على أنه مبالغ بها أو كاذبة، وبعد الهجمات التي وقعت ضد مواقع حدودية عسكرية من متطرفي الروهينغا صور الجنرالات أنفسهم بأنهم يدافعون عن سيادة البلد ضد إرهابيين أجانب.
ويبين الكاتب أن "الجيش لم يتوقع ردة فعل قوية من الخارج، فقبل هجمات آب/ أغسطس بأقل من عام، قام الجيش بعمليات أرض محروقة في راخين، وإن كانت على مستوى أقل لم تتأثر به سمعة الجيش كثيرا، وكان حوالي 65 ألفا من الروهينغا فروا إلى بنغلاديش، بعد أن قام الجيش بالحرق والاغتصاب والقتل، ابتداء من تشرين الأول/ أكتوبر 2016، وتم استقبال قائد الجيش مين أونغ هلينغ على السجاد الأحمر في إيطاليا في الشهر التالي، قبل أن يعود لجولة في أوروبا في 2017".
وتقول المجلة إن الجيش قد يكون توقع أن تكون ردة الفعل أكبر من ردة الفعل لما فعله عام 2016، لكنه قدر أن ذلك لن يكون مهما، ومع أن أعمال العام الماضي حظيت بانتقاد أكبر، مستدركة بأن الجيش لم يعان من تداعيات كبيرة، فقد ألغت أمريكا المساعدات للوحدات التي شاركت في الجرائم، وفرضت عقوبات على جنرال واحد هو مونغ مونغ سوي، الذي أشرف على الجرائم، أما دول الاتحاد الأوروبي وكندا ففرضت عقوبات على سبعة مسؤولين في الجيش والشرطة، ليس من بينهم مين أونغ هلينغ، وهو ما أثار غضب الناشطين الحقوقيين.
وينقل التقرير عن بلاكسلاند، قوله: "شعوري هو أنهم فعلوا ذلك ظنا منهم بأن بإمكانهم الإفلات من العقاب، كما أفلتوا من العقاب في كثير من الأعمال الوحشية التي ارتكبوها ضد الأقليات".
ويرى كارول أن إدانة الجنود تساعد الجيش على رفض الدعوات للمحاسبة من الخارج، فعندما قال ممثلو مجلس الأمن للجنرالات في أيار/ مايو بأنهم يريدون التحقيق في العنف الذي وقع في ولاية راخين، أجابهم مين أونغ هلينغ بأن الجيش حقق في أحداث العنف السابقة، وعاقب المجرمين، وقال: "نحن قمنا بما يكفي من التحقيق".
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن المستشار القانوني للجنة الدولية للحقوقيين في ميانمار شون بين، يرى بأن قيام الجيش بمحاكمة بعض الجنود في ميانمار لن يمنع من قيام محاكم دولية؛ لأن ما قام به الجيش هو محاكمة هؤلاء الجنود على جريمة القتل بحسب القوانين المحلية، لكن لا تزال هناك جرائم ضد الإنسانية التي يجب المحاكمة عليها.