هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "جورنال دو ديمانش" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن ظاهرة التمييز التي يتعرض لها الفرنسيون من ذوي الأصول العربية خلال الانتدابات في الوظائف.
ففي فرنسا، سترتفع حظوظك في إيجاد عمل إذا كان اسمك "توماس" عوضا عن "يوسف"، وسترتفع حظوظك أكثر إذا كنت تعيش في مدينة بولونيه وليس في غرينيه.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن معهد "مونتانيو" الفرنسي أجرى سنة 2013 تجربة كشفت عن الثقل الذي تشكله سياسة التمييز على أساس الأصول العرقية والممارسات الدينية، في قطاع التشغيل في فرنسا. في هذا الصدد، أرسل المعهد قرابة ستة آلاف وثيقة تتضمن سيرا ذاتية مزيفة عبر كامل فرنسا.
فعلى سبيل المثال، يجب على شخص اسمه "محمد" إرسال عشرين طلب شغل قبل أن يتم استدعاؤه أخيرا لإجراء مقابلة عمل. أما بالنسبة لشخص اسمه "ميشال"، فإن احتمال توجيه الدعوة له لإجراء مقابلة عمل يتطلب فقط إرسال خمسة مطالب على أقصى تقدير.
وذكرت الصحيفة أنه بعد مضي ثلاث سنوات، أجريت دراسة أخرى أكدت النتائج التي توصلت إليها الدراسة الأولى. وأفضت الدراسة إلى أن نسبة قبول مطلب ترشح "مغاربي" لا تتجاوز تسعة بالمئة مقابل 20 بالمئة لدى مطالب الترشح "الفرنسية".
وقد اشترك في القيام بهذه الدراسة كل من إدارة التنشيط البحثي الفرنسي، ومركز الدراسات والإحصائيات، ومنظمة "أي آس آم كوروم" التي تعنى بمكافحة ظاهرة التمييز في فرنسا.
اقرأ أيضا: ماكرون يستقبل مهاجرا من مالي بعد إنقاذه طفلا (شاهد)
ونوهت الصحيفة بأن الذين أنجزوا الدراسة أرسلوا قرابة ثلاثة آلاف مطلب شغل إلى قرابة 40 شركة، تشغل أكثر من ألف موظف في فرنسا. وأكدت الدراسة أن مطالب شباب الأحياء التي تكون فيها الأغلبية من المهاجرين، من أوائل ضحايا سياسة التمييز.
ونقلت الصحيفة تجربة لبنى مع سياسة التمييز، حيث اضطرت هذه الطالبة اللامعة البالغة من العمر 23 سنة، منذ أن كانت طالبة في المرحلة الثالثة، للخروج من الحي الذي تقطن فيه ومواصلة تعليمها في مدرسة راقية للفنون الباريسية. ورغم نتائجها المبهرة، حيث تحصلت على 17 علامة من أصل 20 كمعدل نهائي لتحصل على شهادة في التصميم، أجبرت لبنى على التخلي عن حلمها بعد أن فقدت ملفها.
لكن، سرعان ما اكتشفت لبنى بعد ذلك أنها لم تضع ملفها، بل رفض من قبل إدارة المؤسسة التي تعمل على الانتقال إليها، والسبب أن عنوان الحي الشعبي الذي تقطنه ليس "راقيا" بما فيه الكفاية ليتماشى مع مؤسسة تعليمية راقية. وقد علقت لبنى على هذه الحادثة قائلة: "إما أن تجعلني أقوى، أو تصيبني بالإحباط". ورغم شهادتها الجامعية وفترات التدريب والتجارب العديدة التي خاضتها، إلا أن لبنى لا تزال تبحث عن وظيفة.
ونقلت الصحيفة عن وكيلة شركة توظيف فرنسية، إيتيل بارتليمي، قولها إنه "لا يمكن النهوض بالمجتمع الفرنسي إذا ما تم الاستغناء عن الأحياء، ولا يمكن الاستمرار في التعامل مع أبناء الأحياء الشعبية بهذه الطريقة، وإلا ستحرم فرنسا نفسها من العديد من الكفاءات التي تخرجها هذه الأحياء".
وأفادت الصحيفة بأن رئيس الجمهورية الفرنسية، إيمانويل ماكرون، قد طلب من 120 شركة فرنسية كبرى أن "تأخذ حصتها" من انتداب موظفين من أبناء الأحياء الشعبية في سبيل مكافحة ظاهرة البطالة في البلاد. وحسب إحصائية نشرت سنة 2016، يعاني قرابة ربع سكان 1300 حي شعبي في فرنسا من شبح البطالة، فيما تقل هذه النسبة بأقل من عشرة بالمائة في أحياء أخرى. وعموما، فإن قرابة 35 بالمائة من فئة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة عاطلون عن العمل.
وأوردت الصحيفة أن لبنى لا زالت تذكر جيدا ذلك السؤال الذي طرح عليها خلال مقابلة عمل، حيث استفسرت مسؤولة الموارد البشرية عما إذا كانت من أصول مغربية، وعندما ردت لبنى بالإيجاب ضحكت المسؤولة قائلة: "أنا لا أحب المغاربة". وعلقت لبنى على ذلك قائلة: "في النهاية، قلت في نفسي إنني لن أعمل مع مثل هكذا أشخاص يفكرون بهذه الطريقة".
ودعت الصحيفة الشركات الفرنسية إلى أن تكون أكثر حرفية في تعاملها مع الانتدابات، لأن هؤلاء الشباب يمثلون إطارات الغد. في المقابل، أبدت الشركات الكبرى استعدادها لتحمل جانب من "المسؤولية" في ذلك، قبل أن تمتد إلى الشركات الصغرى والمتوسطة لوضع حد نهائي للصعوبات التي تعرقل عملية انتداب الموظفين، بعيدا عن التمييز.
وفي الختام، تحدثت الصحيفة عن الإستراتيجية الجديدة المتبعة في الانتدابات، التي أقرها قطب التشغيل في فرنسا ليتم تفعيلها بعد ذلك على كامل الشركات. وتنص طريقة الانتداب الجديدة، على تحديد كفاءة المرشح حسب الشروط التي تقتضيها الوظيفة، وإرساء منصة خاصة بالانتدابات لا ترتكز فحسب على المؤهلات والتجربة وإنما على طموح المرشح أيضا.