يجد رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد نفسه أمام شرطين للبقاء في منصبه، فبعد الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على ما سمي بوثيقة قرطاج الثانية، سيطلب منه تنفيذ ما ورد فيها من اقتراحات وتوصيات رغم أنه لم يشارك في وضعها أو صياغتها. فإن قبل بكل ما تضمنته، حتى ولو تضارب ذلك مع الاختيارات التي تعتمدها حكومته، عندها سيكون قد استجاب للشرط الأول، وعليه أن يهيئ نفسه للتفاوض من جديد مع مؤسسات التمويل، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي. كما يجب أن يدخل تعديلا حكوميا جزئيا أو واسعا حتى يرضي طلبات الأطراف الموقعة على الوثيقة، وهي أطراف حزبية ونقابية.
بعد أن يستجيب لذلك، على الشاهد أن يلتزم علنا بكونه لا ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة التي ستجري خلال السنة القادمة 2019. وهذا الشرط غير قانوني ولا دستوري، وإنما هو شرط سياسي بامتياز. وتقف وراء هذا الشرط أطراف عديدة لا تريد أن يستثمر الشاهد موقعه الحالي لمنافستها على منصب الرئاسة.
كان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أول من طلب من الشاهد الاهتمام فقط بإدارة شؤون الحكومة، وألا يشغل نفسه بالرئاسيات
كان رئيس
حركة النهضة راشد الغنوشي أول من طلب من الشاهد الاهتمام فقط بإدارة شؤون الحكومة، وألا يشغل نفسه بالرئاسيات إذا أراد أن يبقى رئيسا للحكومة، أو على الأقل لكي يضمن دعم
النهضة له. كان لذلك التصريح وقع سيئ في الأوساط السياسية، ولم تتقبله بعض الأطراف حتى داخل حركة النهضة، لكن بعد فترة من الزمن، انخرطت جهات أخرى في وضع هذا الشرط مقابل الإبقاء على دعمها للشاهد في رئاسة الحكومة. ومن أهمها
قيادة حزب نداء تونس، أيضا الأمين العام لاتحاد الشغل، وإن كان لكل من هذه الأطراف اعتباراته ودوافعه.
برر الغنوشي موقفه بالقول لحركته بأنه فعل ذلك لمصلحة البلاد، أيضا لكي يحمي الشاهد من خصومه الذين يعملون على الإطاحة به. وكان واضحا أن الشيخ لم يشاور جماعته، وإنما بادر بذلك بشكل فردي. ولا يُعرف إن تحدث في هذا الأمر مع حليفه الباجي قايد السبسي قبل الإعلان عنه أم لا، لكن المؤكد أن للغنوشي ترتيبات خاصة به قد يفصح عنها خلال الأشهر القادمة. ومما يؤكد ذلك، تصريحه الأخير الذي أعلن فيه أن حركة النهضة (في حال عدم إقدام الباجي على الترشح مرة ثانية) سيكون لها مرشحها في الانتخابات الرئاسية القادمة، دون ذكر اسم هذا المرشح.
الحرص الذي أبداه الشاهد لكي يكون مستقلا في منصبه الجديد، وأن يعمل لحسابه الخاص، مع رفض الخضوع لرغبات حافظ قايد السبسي المدير التنفيذي للحزب، قد عمق الفجوة بين الرجلين
أما بالنسبة لنداء تونس، فمحطة 2019 تعتبر شغلها الشاغل. وبالرغم من أن يوسف الشاهد يعتبر من أعضائها القياديين، وقد اختاره مؤسس الحزب لرئاسة الحكومة، إلا أن الحرص الذي أبداه لكي يكون مستقلا في منصبه الجديد، وأن يعمل لحسابه الخاص، مع رفض الخضوع لرغبات حافظ قايد السبسي المدير التنفيذي للحزب، قد عمق الفجوة بين الرجلين، وجعل قيادة الحزب تفكر جديا في التخلص منه؛ لأن بقاءه على رأس الحكومة من شأنه أن يضعف من حظوظ "النداء" في حال أن رفض الباجي تجديد عهدته الرئاسية.
أما
بالنسبة لاتحاد الشغل، فإن خلافه مع الشاهد يتمحور حول سياسته الاقتصادية والاجتماعية. وهي مسألة غير قابلة للحل أو التسوية، رغم المناورات والوساطات من أجل التهدئة. فقيادة الاتحاد تعتقد بأن حكومة الطبوبي ليست سوى أداة بيد صندوق النقد الدولي لتنفيذ سياساته، وخاصة فيما يتعلق ببيع المؤسسات العمومية، وتحجيم الخدمات الاجتماعية وتسليم مفاتيح الاقتصاد للقطاع الخاص. ولهذا تعمل قيادة الاتحاد على أن تضع الشاهد بين خيارين: إما تعديل سياساته أو سحب الثقة منه.
تحول الشاهد إلى معضلة يريد الجميع أن يتخلصوا منه، أو على الأقل أن يقيدوه بشروط مؤلمة بالنسبة له. والسبب الرئيسي الذي يقف وراء ذلك هو الدور الذي يمكن أن يلعبه في محطة 2019
هكذا تحول الشاهد إلى معضلة يريد الجميع أن يتخلصوا منه، أو على الأقل أن يقيدوه بشروط مؤلمة بالنسبة له. والسبب الرئيسي الذي يقف وراء ذلك هو الدور الذي يمكن أن يلعبه في محطة 2019. إذ بالرغم من أن التونسيين غير راضين على الأداء الحكومي، إلا أن حظوظ الشاهد تبدو مرتفعة، وهو ما تعكسه استطلاعات الرأي لتحديد نسبة الثقة في السياسيين. وما يخشاه خصومه أنه في حال تمكنت الحكومة من رفع نسبة النمو إلى حدود 3 في المئة، مما سيؤشر على بداية رفع نسق النمو، فإن ذلك يصب لصالح الشاهد ويجعل منه "المنقذ" المنتظر للاقتصاد المتعثر.
هكذا يتبين مرة أخرى أن خلفية الصراعات الدائرة في تونس، ومنذ قيام الثورة، مرتبطة بشكل أساسي بمن سيظفر بالجلوس في قصر قرطاج. فرئاسة الدولة لا تزال تتمتع بجاذبية قوية، وذلك بالرغم من تحجيم صلاحيات الرئيس.