هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار الاحتفال الذي أقامته السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، أمس الثلاثاء، بمناسبة ما أسمته "استقلال الدولة الإسرائيلية الـ 70" (ذكرى النكبة)، ردود فعل واسعة، خاصة أن هذه الاحتفالية تحدث للمرة الأولى منذ أكثر من 10 سنوات، بحضور دبلوماسيين ورجال أعمال وممثلون للحكومة المصرية.. فكيف كانت مواقف النخب المصرية من هذه الاحتفالية؟
أكد مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير معصوم مرزوق، أنه كانت هناك ردود فعل احتجاجية رافضة لاحتفالية إسرائيل، إلا أنها ليست على المستوى المأمول أو المطلوب تجاه الحدث الذي يحدث لأول مرة في مصر، لافتا إلى أن هناك بيانات قليلة صدرت، بالإضافة إلى وجود فعاليات محدودة، مؤكدا أن حزب الناس الديمقراطي الذي يعكف على تأسيسه أصدر، صباح الثلاثاء، بيان رفض واستنكار.
وأرجع "مرزوق" – في تصريح لـ"عربي21"- عدم وجود ردود فعل مناسبة للحدث إلى وجود "نظام قمع ودولة بوليسية تحكم مصر حاليا، ما يجعل الأصوات الحرة مكتومة ومحبوسة في صدور الكثيرين"، مؤكدا أن "مصر تحت الحصار الشديد في الوقت الراهن".
ورأى أن هذه الاحتفالية بمثابة "إهانة ووقاحة غير مسبوقة لنا جميعا، ولابد للشعب أن يرد هذه الإهانة"، مشيرا إلى أنها "تخالف الأعراف الدبلوماسية التي تحتم على البعثات الدبلوماسية احترام مشاعر وتقاليد وأعراف الدولة التي تتواجد بها، وهو ما لم يحدث".
وقال:" ما حدث عار سيلحق بكل من ساهم فيه، وبكل من شهد الأمر ولم يعترض وبكل من صمت على هذه الإهانة لشهداء الأمة العربية الذين ماتوا بالآلاف من أجل القضية الفلسطينية، وكأن الاحتلال الإسرائيلي يخرج لسان الطويل للعالم العربي الذي أصبح متفرغا لخلافات وصراعاته الداخلية".
وذكر أن "الشعوب تحملت كل الأنظمة البائدة على أساس أنها تصرخ من حين لآخر أن القدس عربية، لكن حينما يصل الأمر لهذه الفجاجة والوقاحة وفي قلب أكبر عاصمة عربية فعلى كل الأنظمة العربية أن تدرك أن هذه هي بداية النهاية لوجودها فوق عروشها".
اقرأ أيضا: إسرائيل تحتفل بـ"استقلالها" بميدان التحرير وغضب مصري (صور)
وشدّد "مرزوق" على أن "السلام الحقيقي لن يتحقق إلا بعد نزع النظام العنصري من أرض فلسطين مثلما تم نزع نظام الأبارتهيد العنصري في جنوب أفريقيا، ولن يتحقق ذلك إلا بعد تحرير العواصم العربية من الذل والخنوع وحكم الاستبداد".
واختتم بقوله:" ما حدث هو تمهيد لما يخططون له في المستقبل، وهذه أولى لعنات صفقة القرن، والقادم أسوأ إذا التزمنا بالصمت والخوف. ورغم أننا في زمن الخزي والعار إلا أن الأحرار في كل مكان سوف يغسلون هذا العار قريبا، لأن الأمر والطغيان زاد عن حده كثيرا جدا".
من جهته، أكد مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير عبدالله الأشعل، أن "صمت النخب المصرية لا يمكن تبريره بالإجراءات الأمنية، لأن النظام لا يمكن أن يصادر حرية الأفراد في التعبير عن رأيهم في هذا الحادث"، داعيا كل من يشعر بالرغبة في التعبير عن موقفه من النخب أو المواطنين إلى أن يبادر بالإعلان عن موقفه.
واستطرد قائلا في تصريح لـ"عربي21":" أعتقد أنه لم تعد هناك نخب حية وفاعلة في مصر الآن، وإنما هناك مثقفون فرادى، ومصر غنية بهؤلاء، وإن كانت أصواتهم متفرقة إلا أنها تعبر عن الحقيقة وتجد صداها لدى السلطة والمواطنين".
وأضاف:" هذا الترتيب الذي تفعله السفارة الإسرائيلية ينطوي على عدة رسائل مفادها أن من كانوا يعترضون عليها قد تم سجنهم وتشتيت شملهم، وهم الثوار، والاحتفال في ميدان التحرير يفترض أن إسرائيل قد اطمأنت أن ثورة يناير قد انتهت وأنها تأكدت من ذلك بعد مضى نحو 8 سنوات على الثورة".
ولفت "الأشعل" إلى أن "الاحتفال الإسرائيلي في مكان الثورة يتناقض مع موقف النظام المصري في الدستور الحالي، الذي اعترف بثورة يناير وأن 30 يونيو موجة ثانية من يناير، فإذا انتهت يناير لم يعد ليونيو أي شرعية وفق هذه النظرية".
اقرأ أيضا: احتفالية إسرائيل باستقلالها في "ريتز القاهرة" تثير جدلا
من جهته، أوضح الكاتب الصحفي جمال الجمل، لـ"عربي21"، أن "هناك بيانات وردود فعل تجاه هذه الاحتفالية، لكنها ردود ضميرية أكثر منها حركية، ونظرية أكثر منها عملية"، مضيفا:" لابد من توعية الشارع ورفع درجة المقاومة لكسر إحساس البلادة الذي أصاب الجميع".
وتابع:" الواقع العربي مرتبك جدا، ويعاني من تأثير صدمة عنيفة بعد الربيع العربي، وتأثيرات مخطط الفوضى الخلاقة لتفتيت المنطقة، وفي رأيي أن هذا أول تطبيق أمريكي صهيوني ناجح لنظرية (الصدمة والترويع) التي سعوا لتجريبها في حرب العراق، لكن اليوم يتم تطبيقها في إصدار محسن، حقق الكثير من النتائج التي أصابت الشارع العربي بالإحباط والتشوش، وأخضعت الأنظمة العربية بشكل سافر".
بدوره، قال رئيس المكتب السياسي بالمجلس الثوري المصري، عمرو عادل، إن تعبير النخب المصرية أصبح تعبيرا قد يبدو مهينا في مصر، وقد أجابت غالبية تلك النخب عن هذا السؤال يوم 30 حزيران/ يونيو و3 تموز/ يوليو 2013 عندما أيدت ومهدت لانقلاب عسكري صهيوني".
وأضاف:" العجيب أن أكبر داعمي الانقلاب العسكري الصهيوني هم ممن يصفهم البعض بالشخصيات القومية والعروبية، ومن الواضح أنها كانت مخادعة وتتمتع بالقدرة على القفز على الحبال لتحقيق مصالح ما، فدعمهم حتى الآن للانقلاب الصهيوني بعد كل ما ظهر من حقائق يشير أنهم كانوا يخادعون؛ والآن هم متسقون مع أنفسهم ومع توجهاتهم الحقيقية".
وحول تقييمه لردود الفعل بشأن هذا الاحتفال، أضاف "عادل": "لا شيء، فقط تأكيد أكثر أن مصر لا يوجد بها نخبة، وأن غالب النخب القديمة تحتاج لقرار إزالة شعبي حاسم وجارف ونهائي من نخب مصر الحقيقية التي لا يعرفها أحد وغارقة في هم مصر الكبير".
وانتقد الباحث بالمعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، خالد فؤاد، غياب موقف النخب المصرية من احتفالية إسرائيل، مؤكدا أن "القوى الحية الموجودة في المجتمع الآن تتعرض لضغوط أمنية وانتهاكات شديدة، وأصبحت إما في السجون أو خارج الوطن".
واستنكر تحديدا موقف الناصريين والقوميين، الذين قال إن "مواقفهم وأدبياتهم كانت لا تخلو من هجوم حاد رفضا لأي تقارب مع إسرائيل، بينما الآن لا نسمع لهم صوتا سوى تأييد كامل للنظام"، مضيفا:" لا توجد نخب حية في مصر الآن للأسف".
وأكد أن "النخبة التي تقبل بانقلاب عسكري على الديمقراطية لم يعد بالإمكان اعتبارها نخبة حقيقية تمثل هموم وآمال الشعب، ومن الطبيعي أن تصمت تجاه قضايا الأمة المصيرية والمفصلية".
ولفت "فؤاد" إلى أن ساسة مصر المؤيدين لسلطة الانقلاب "لا يمكنهم التغريد خارج سرب النظام سواء كان ذلك عن قناعة وتأييد كامل أو نتيجة لخوف ودرء لمضايقات أو تنكيل، وبالتالي فلا ينبغي التعويل عليهم في مواقف وطنية بعينها".
وأشار "فؤاد"، وهو متخصص في العلاقات الدولية، إلى أنه "كانت هناك نُخب حية في جميع الأنظمة السابقة سواء في عهد عبدالناصر أو السادات أو حتى حسني مبارك، ورغم أن هذه النخب تعرضت لاعتقالات وانتهاكات إلا أنها جسدت ضمير الأمة المصرية، وكان صوتها عاليا بالرغم من وجود قبضة أمنية كبيرة خلال تلك الفترات".
وشن رئيس حزب البديل الحضاري – تحت التأسيس- أحمد عبدالجواد، هجوما حادا على موقف النخب المصرية من احتفالية إسرائيل، متسائلا:" أين هذه النخب؟ وأين مواقفها وبياناتها؟ وأين صراخها وعويلها؟ هل تم تدجينها إلى هذه الدرجة الفجة التي تخطت كل المحرمات وانتهكت كل المقدسات".
وعن موقف الناصريين والقوميين، قال إن "هؤلاء لا يمتون للناصرية أو القومية بأي صلة، لأنه ليس لهم أي صراع إلا مع جماعة الإخوان والتيار الإسلامي أما قضايا الوطن فلا تعنيهم في أي شيء، وهنيئا للنظام بأمثال هؤلاء، فهم الذين استعانوا به ولجأوا إليه للقضاء على ثورة يناير".
واستطرد قائلا:" لا توجد نخب حية في مصر الآن للأسف، فقد تم القضاء عليها قضاءً تاما، ومشكلة من يسمون بالناصريين والقوميين أن لديهم إصرارا على الاستمرار في معركة تصفية الحسابات مع التاريخ، والدخول في صراعات عقيمة لا وجود لها وهي شبيهة بصراعات طواحين الهواء".
ورفض بشدة تبرير البعض صمت النخب نظرا إلى القبضة الأمنية للنظام الحاكم، قائلا:" هناك قضايا وطنية لا يمكن أن يصمت أحد تجاهها، وإن لم نعلن مواقفنا تجاه قضايا الأمة المصيرية والمفصلية فمتى نعلن ذلك؟".
وتساءل "عبدالجواد": "هل الرسالة المقصودة بهذا الصمت المريب والعجيب أن الإخوان هم فقط المعبرون عن ضمير المصريين؟ وهل هم وحدهم الوطنيون الذين يقفون ضد إسرائيل؟ وهل لو كانوا موجودين بمصر لما تجرأ الكيان الإسرائيلي على الاحتفال بذكرى اغتصابه فلسطين في قلب القاهرة؟".
وقال إن "عقد الاحتفال في فندق بميدان التحرير معناه القضاء على الثورة وإعلان شهادة وفاة جامعة الدول العربية التي لم يعد لها أي وجود هي الأخرى"، معتبرا هذا الاحتفال بمثابة "تحد من السيسي ونظامه للشعب وتدشين التحالف السيساوي الصهيوني رسميا، وتجاهل تضحيات الشعب المصري استنادا لتوقعه عدم وقوع أي احتجاجات بسبب سياسته القمعية".