هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "نيويورك" تقريرا للكاتب إريك ليفتز، يحاول فيه إيجاد التفسير المنطقي لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القيام بالهجمات الصاروخية على سوريا، التي أعقبت الهجوم الكيماوي على مدينة دوما.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن الرئيس ترامب قرر ضرب سوريا لتأييد ما ورد في تغريداته، مشيرا إلى أن الضربة التي وجهت لسوريا في نهاية الأسبوع الماضي، بمشاركة بريطانية وفرنسية، جاءت من أجل تبديد الشكوك حول ما جاء في تغريدات الرئيس ترامب.
ويعلق ليفتز قائلا إن هذا يبدو نوعا من الكلام الخيالي، إلا أنه يصف بالتأكيد المنطق وراء الهجمات الصاروخية على سوريا، بحسب عدد من العسكريين ومسؤولي الإدارة.
وتشير المجلة إلى أنه في يوم الثلاثاء الماضي، ووسط الحديث عن غارة أمريكية ضد الهجوم الكيماوي في دوما، هدد السفير الروسي في لبنان ألكسندر سازسبيكين، قائلا: "إذا كانت هناك صواريخ أمريكية فسنقوم بإسقاطها، وحتى المصادر التي أطلقت منها"، فيما تطرق فريق برنامج "فوكس أند فريندز" لهذا التهديد، حيث قال أحد المقدمين: "ماذا يجب علينا القول للروس؟ كل قاعدة عسكرية في سوريا ستكون هدفا، وإن كنت هناك فستكون هذه مشكلتك".
ويلفت التقرير إلى أنه بعد دقائق قليلة كتب أحد المتابعين المخلصين للبرنامج، وهو الرئيس ترامب، قائلا في تغريدة: "تعهدت روسيا بضرب أي صاروخ يطلق على سوريا، استعدي يا روسيا، لأنها ستأتي رائعة وجديدة وذكية، ويجب ألا تكوني صديقة لحيوان يقتل شعبه بالغاز ويستمتع به".
ويفيد الكاتب بأن البيت الأبيض لم يكن قد توصل في ذلك الحين إلى قرار بشأن سوريا، ولا حتى استهداف سوريا، عندما تعهد الرئيس بذلك في تغريدته، مشيرا إلى أنه في الأيام التي تبعت ما كتبه ترامب، حث وزير الدفاع جيمس ماتيس الرئيس على عدم التحرك حتى يثبت أن النظام هو الذي يقف وراء الهجوم الكيماوي في دوما، وبعدها يمنح الكونغرس فرصة لتفعيل قانون الحرب.
وتستدرك المجلة بأن الرئيس لم يكن يرد تاخيرا، ووجد أن من الأفضل ضرب سوريا دون استراتيجية أو تفويض قانوني، بدلا من التأثير على مصداقية التهديدات التي نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويورد التقرير ما جاء في صحيفة "نيويورك تايمز"، قائلة: "حث وزير الدفاع جيمس ماتيس الرئيس ترامب على الحصول على تفويض من الكونغرس قبل أن تشن الولايات المتحدة الهجوم ضد سوريا الأسبوع الماضي، لكن تم تجاوزه من ترامب، الذي كان يريد ردا عسكريا سريعا ومثيرا، بحسب ما قال المسؤولون، وكان ترامب يريد الظهور بمظهر من يدعم سلسلة من التغريدات النارية بالفعل، لكنه حذر من أن هجوما قويا يمكن أن يشعل حربا واسعة مع روسيا".
وينقل ليفتز عن مسؤولين، قولهم إن تهديدات ترامب الأسبوع الماضي برد حازم على الهجوم المزعوم بالغاز ضمنت قيام الجيش الأمريكي برد عسكري، مشيرا إلى أن ترامب لم يكن راغبا بضربة قوية تؤدي لاستفزاز روسيا، لكنه كان يريد الظهور بمظهر القوي في الرد.
وتقول المجلة إن ترامب دعا قبل أيام من الهجوم الكيماوي على دوما إلى سحب القوات الأمريكية من سوريا، وفي ذلك الوقت كان الأسد يستخدم الغاز بشكل روتيني، ولم يتغير أي شيء منذ قراره سحب آخر جندي من سوريا، وتصعيده التدخل، لكن ما حصل هو تغير في قرارات "فوكس نيوز".
وبحسب التقرير، فإنه على خلاف الجرائم المعروفة التي ارتكبها النظام، فإن مجزرة دوما لم تكن فيها جثث مشوهة لا يمكن عرضها على قنوات التلفزة الأمريكية، وشاهد ترامب صور دوما، وشعر بالحاجة لتأكيد القوة الأمريكية، وبعدها شاهد التهديدات الروسية، التي تتحدى سلطته، ولهذا غرد، وبعدها ذهبت أمريكا للحرب.
ويبين الكاتب أن "الهجمات كانت محدودة بسبب جهود ماتيس، وهي (ضربات استعراضية)؛ لإرسال رسالة دون التسبب بحرب واسعة، ولو اختار ترامب وزيرا للدفاع أقل ابتعادا عن المخاطر لأدت الغارات إلى حرب شاملة، وكما لاحظت صحيفة (نيويورك تايمز)، فإن (المحافظين الجدد في مؤسسة السياسة الخارجية للجمهوريين بدأوا يتحدثون بقلق عن تنازلات ماتيس لصالح إيران وروسيا وسوريا)".
وتجد المجلة أن "سلوك ترامب في الرئاسة عادة ما يكون مرعبا، ويحاول الابتعاد عن الأساليب المعروفة، ومن الغرابة أن يهب الرئيس لنجدة السوريين، وهو الذي أعرب في حملته الانتخابية عن دعمه للتعذيب، ومنع اللاجئين السوريين من دخول الولايات المتحدة، واستهدف عن قصد عائلات المقاتلين الأعداء، وطلب إعدامهم، وتبرير الغارات على سوريا بناء على التدخل الإنساني، والأمر ذاته ينطبق على إدارة باراك أوباما، حيث سيكون غريبا لو شجب الهجمات الكيماوية على سوريا، في الوقت الذي سمح فيه لقواته في أفغانستان باستخدام الفسفور الأبيض، وساعد السعوديين على ارتكاب جرائم حرب في اليمن".
ويؤكد التقرير أن "من الجنون أن يقوم ترامب بشن تدخل عسكري لا يستند إلى استراتيجية متماسكة للظهور بمظهر الزعيم القوي، تماما كما كان من الجنون أن يصعد ليندون جونسون الحرب في فيتنام للسبب ذاته، وهذا لا ينفي أن الرئيس الحالي منفصم عن الواقع أكثر من سابقيه".
ويقول ليفتز إنه عندما يقوم الرؤساء بالحديث عن سياسة خارجية منافقة، أو يقومون باتخاذ قرارات مشكوك فيها فإنهم يفعلون هذا من أجل دعم أهداف يؤمنون بها، فجورج دبليو بوش مثلا كان يؤمن بقدرة القوة الأمريكية على نشر الديمقراطية ومن خلال القتل الجماعي، منوها إلى أنه بالنسبة لليندون جونسون، فإن فيتنام كانت في جزء منها وسيلة للحفاظ على الرأسمال السياسي لتحقيق الأهداف الليبرالية المحلية.
وتذهب المجلة إلى أنه "فيما يتعلق بترامب، فإن الطموح هو الحفاظ على الصورة التي يريدها لنفسه، فهو لا يستخدم الدعاية من أجل السياسات التي يفضلها فحسب، بل إنه يستخدم السياسات لتحقيق الدعاية التي يفضلها، فرجل العقارات لم يشارك في الانتخابات لأنه كان يريد تغيير العالم، بل تغيير الطريقة التي ينظر فيها العالم إليه".
وينوه التقرير إلى أنه لهذا السبب، فإن ترامب يفضل أخذ معلوماته من برامج التلفزة الصباحية لا التقارير الأمنية التي تقدم له يوميا، مشيرا إلى أن ما يهم ترامب هو الواقع الجيوسياسي وكيف يبدو لـ"فوكس نيوز" أكثر مما تهمه الوقائع ذاتها.
وتختم "نيويورك" تقريرها بالقول إنه "بموجب هذه النظرة تبدو ضربات ترامب الأخيرة منطقية، إن كان الهدف عدم تطبيق قوانين الحرب، بل استبدال صور جثث الأطفال الذين ماتوا خنقا بصور أخرى انتصارية لرئيس يفرض القوة الأمريكية، ويكتب (المهمة أنجزت)".