يحذر الكاتب جوليان بورغر في تقرير له في صحيفة "أوبزيرفر" من مخاطر استخدام السلاح الكيماوي، الذي تقول أمريكا وبريطانيا وفرنسا، إنها تحركت لفرض شروط حظره يوم السبت.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الهجوم في بلدة سالزبري البريطانية ضد الجاسوس الروسي وابنته، زاد بعدا خطيرا من أن استخدام السلاح الكيماوي أصبح عاديا وأكثر من أيام الحرب العالمية الأولى.
ويقول بورغر إن "التحدي الذي يواجه الغرب اليوم هو طبيعة الرد، خاصة أن الهجوم الأمريكي العام الماضي فشل في ردع النظام عن استخدام السلاح الكيماوي مرة ثانية، كما حدث في دوما الأسبوع الماضي".
وتلفت الصحيفة إلى أن هناك دعوات لتوسيع مجال الهجمات، ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاستخدام أي غارات وسيلة للضغط على الروس والنظام لفتح ممرات إنسانية، مستدركة بأن أي حملة كبيرة تحمل مخاطر التصعيد، حيث قاتل وزير الدفاع جيمس ماتيس، لجعل الهجمات محدودة في ثلاث منشآت مرتبطة بالسلاح الكيماوي.
ويفيد التقرير بأن الروس قرروا عدم تفعيل نظامهم الصاروخي لاعتراض الهجمات، حيث لم تقترب من القواعد العسكرية في طرطوس واللاذقية.
ويقول الكاتب: "يبدو أن الهجمات نجحت في الوقت الحالي، لكن إلى متى؟ هذا هو السؤال، فلا أحد يعلم مدى النفوذ الروسي على الحليف السوري، وكان السلاح الكيماوي هو وسيلة فاعلة في يده لسحق المعارضة، واستسلمت دوما بعد أيام من الهجوم الكيماوي، وفي الوقت الحالي زاد التنافس على المناطق التي خرج منها تنظيم الدولة، وأدى إلى دخول لاعبين جدد".
وتجد الصحيفة أنه "لو خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في الشهر المقبل، كما يريد بولتون، فإن
إيران ستشعر بالخطر، وقد تستأنف تخصيب اليورانيوم، بشكل سيعيد المواجهة إلى ما كانت عليه، وهي أمريكا وإسرائيل والسعودية ضد إيران، وستكون
سوريا أحد مسارح المواجهة".
وينوه التقرير إلى تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، التي قال فيها إن "الحرب الباردة عادت وبانتقام"، مشيرا إلى أن الفرق أنه ليست هناك حرب باردة الآن، فالقوات الأمريكية لا تبعد إلا مسافة قصيرة عن الروس والإيرانيين في سوريا، وقال غوتيريش إن "الآليات التي وجدت لحماية ومنع التصعيد لم تعد موجودة".
ويشير بورغر إلى التوتر الذي طبع المواجهة في عام 1983، عندما كادت المناورة "أبل آرتشر"، التي نظمها حلف الناتو، لأن تؤدي إلى مواجهة نووية مع الاتحاد السوفييتي السابق.
وتذهب الصحيفة إلى أنه مع أن حالة الرهاب لم تصل إلى تلك الذروة، إلا أن ملامح من الأزمة الحالية هي أكثر خطرا، فهناك تواصل قليل بين موسكو والقوى الأخرى، فيما يزداد تدخل القوى الغربية في الدول الأخرى، مشيرة إلى أن عملية تحقيق المصالح القومية في منطقة باتت مزدحمة أصبحت مدعاة للخطر، ولا يمكن تجنب الصدام فيها.
وبحسب التقرير، فإن العمليات الجوية الدقيقة كانت محاولة لتجنب صدام كهذا، إلا أن الجنرال جيمس ماتيس وبقية القادة كانوا تحت ضغط من البيت الأبيض لاستخدام هذه الضربات لتوجيه صفعة لإيران، لافتا إلى أن هذه الرغبات لن تختفي، خاصة مع وصول جون بولتون للبيت الأبيض، الذي يعد من الصقور في الموضوع الإيراني، وسيعكس موقفه بصفته مستشارا للأمن القومي ما كان يسمعه الرئيس من
إسرائيل والسعودية والإمارات العربية المتحدة في الموضوع الإيراني.
ويقول الكاتب إن الظلال الخطيرة لهذه الأجندات كلها تعيد مشهد العالم عشية الحرب العالمية الأولى، مع أن الوضع أخطر مع حيازة القوى العظمى السلاح الكيماوي الذي يقف ليس بعيدا عن بعضه.
وتتحدث الصحيفة عن البعد الجغرافي في الحرب، حيث أصبحت خطوط القتال في سوريا أكثر تعقيدا، ففي الغرب يسيطر النظام وحماته الإيرانيون والروس، ولا تزال المعارضة في إدلب، التي أصبحت في خطر بعد تعزيز النظام سيطرته على مدينة دمشق، وفي الشمال الغربي هناك الأتراك، الذين يقومون بحملة مع حلفائهم السوريين ضد الأكراد الذين تدعمهم الولايات المتحدة، فيما تواجه الأخيرة معضلة في الحفاظ على تحالفها مع الأكراد والعرب لتنظيف ما تبقى من جيوب لتنظيم الدولة في الشرق.
ويبين التقرير أن هذه المعضلة قادت إلى انقسام داخل الإدارة الأمريكية، حيث حاول وزير الخارجية المعزول ريكس تيلرسون تحقيق صفقة سرية مع الأتراك في شباط/ فبراير، عندما طلب من المترجمين والمساعدين في رسم السياسات الخروج من الغرفة، واقتضت الصفقة التخلي عن منبج، لكن عندما علمت القيادة المركزية أعربت عن حنقها، واعتبرت ذلك تهديدا لجهود ملاحقة تنظيم الدولة.
ويفيد بورغر بأن التوتر القائم مع تركيا يترك آثارا على قدرة القيادة المركزية على استخدام القاعدة الجوية في جنوب تركيا لشن هجمات ضد تنظيم الدولة، و"على ما يبدو لم تؤد القاعدة (إنجرليك) دورا في هجمات صباح السبت".
وتذكر الصحيفة أن هناك خطرا نابعا من نهاية تنظيم الدولة، الذي لم يعد يملك سوى جيوب قرب الحدود العراقية، فمع تراجع خطر التنظيم بات الصراع على آبار النفط والمناطق التي كانت تحت سيطرته، حيث أسقطت القوات الأمريكية، التي تقاتل إلى جانب الأكراد، طائرة إيرانية، واشتبكت مع متعهدين روس في منطقة دير الزور، منوهة إلى أن جنوب غرب سوريا تحول لساحة حرب جديدة، حيث راقبت إسرائيل بقلق إيران وقوات الحرس الثوري، وهي تقوم بتدعيم وجودها في سوريا، فأوجدت رابطة بين طهران والشواطئ اللبنانية على البحر المتوسط.
ويشير التقرير إلى أنه في الوقت الذي حاولت فيه طهران تحديد عدد القوات الإيرانية في سوريا، إلا أنها عملت على بناء بنى عسكرية وقواعد، لافتا إلى أن إسرائيل شنت غارات جوية لمنع شحنات عسكرية من الوصول لحزب الله، وإبعاد مقاتليه عن مرتفعات الجولان.
وينقل الكاتب عن الزميل الباحث في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى إيهود يعاري، قوله: "أعتقد أن إسرائيل فشلت فشلا استراتيجيا ذريعا في سوريا؛ لأنها كانت مترددة في الانجرار للحرب"، وأضاف: "لم تكن ناشطة، ولم تفعل أي شيء لتشجيع المعارضة أو دعمها".
وتبين الصحيفة أنه بعد فقدان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأمل في تدخل أمريكي ضد الأسد وإيران، فإنه حاول الاستعانة بروسيا لتحد من نشاطات حلفاء الأسد الإيرانيين في سوريا، ومنعهم من التوسع قريبا من الحدود السورية، مشيرة إلى أن
روسيا لم تستخدم طيرانها ضد المقاتلات الإسرائيلية، التي شنت هجوما على قاعدة تيفور في حمص، رغم المطالب الإيرانية، فيما أعلنت طهران أنها ستتنقم من العملية التي قتل فيها سبعة من ضباط الحرس الثوري.
وتختم "أوبزيرفر" تقريرها بالإشارة إلى أن يعاري يرى أنه في "ظل غياب تفاهم شامل بين الولايات المتحدة وروسيا، فإن التصادم الإسرائيلي الإيراني محتوم.. وأصبح الأمر غير واضح، ولم أر وضعا بهذه الخطورة منذ سنين".