هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا تحليليا لمراسلها في القدس ديفيد هالبفينغر، يقول فيه احتجاج "جمعة الكاوتشوك" انتهى بمقتل تسعة فلسطينيين آخرين على طول السياج مع غزة، على الرغم من ستار دخان من المطاط الحارق وجولة ثانية من الانتقادات الدولية حول استخدام إسرائيل للقوة القاتلة.
ويقول الكاتب إن الفلسطنيين يتحدثون بعد جمعة الكاوتشوك عن "جمعة الورود" و"جمعة الأكفان" و"جمعة الأحذية"، التي سيرميها المحتجون على الجنود الإسرائيليين على الجانب الآخر من السياج؛ بسبب الحصار الطويل على القطاع وسكانه البالغ عددهم مليوني نسمة.
ويضيف هالبفينغر في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن "الفلسطينيين لا يشعرون بالإحباط، رغم أن الحشد في الجمعة الأخيرة لم يكن بمستوى الجمعة الأولى، بل على العكس فإنهم يشعرون بالحماس والنشاط بشأن مواصلة المسيرات السلمية الطابع، حتى في ظل مواصلة الرد الإسرائيلي المفرط، وتزايد عدد الضحايا الذي وضع قضيتهم مرة أخرى على الأجندة الدولية".
وتنقل الصحيفة عن مدير مركز "بال ثينك" للدراسات الاستراتيجية في غزة عمر شعبان، قوله إن "القادة العرب، خاصة في الخليج، اعتقدوا أنهم يستطيعون تجاهل القضية الفلسطينية.. وظنوا أنها قضية مستقرة، وذكرتهم (المسيرات)، أمريكا وإسرائيل والأوروبيين-كلهم- أن المشكلة لا تزال قائمة، وقد تبدو الأمور مستقرة، لكنها ليست كذلك، بل إنها في حالة غليان".
ويعلق الكاتب قائلا إن حركة حماس، التي تسيطر على القطاع، طالما تبنت المقاومة أو الحل العسكري في المواجهة مع إسرائيل، ولهذا فإن مبادرة حذرة في المقاومة السلمية تعد بالنسبة للغزيين خطوة مهمة، ويشعرون أنهم يقومون بشيء يحدث، خاصة أن الإسرائيليين، ولأسباب عدة، قلقون من هذا التحول، لا سيما أن العالم انتبه للطريقة غير المتناسبة التي يتعاملون فيها مع الأحداث لمنع اختراق الحاجز".
ويشير هالبفينغر إلى أن مدير الحملة الأمريكية للحقوق الفلسطينية يوسف مناير، شبّه محاولات اختراق السياج القريب من غزة، بمسيرات حركة الحقوق المدنية لاختراق جسر إدموند بيتوس في مدينة سيلما في ولاية ألاباما قبل 50 عاما، ويرى أن هذه التظاهرات تعد مهمة وتحولا استراتيجيا في تفكير الفلسطينيين، "فهي ليست معركة يأتي إليها المحتجون بالبنادق، بل هم قادمون بأجسادهم، ويواجهون سياسات الاضطهاد القمعية ذاتها، ودفع المحتجون بأجسادهم لجعل الناس يتساءلون حول مبرر هذه السياسات".
ويقول مناير: "بصراحة أعتقد أنها كعب أخيل إسرائيلي.. ومن المهم في هذه اللحظة أن يكون المجتمع الدولي داعما لهذه الاحتجاجات، فلطالما قال: (انبذوا التشدد والعنف)، ولو سمح المجتمع الدولي باستمرار القمع العنيف لهذه الاحتجاجات دون إداتة حقيقية، فإن هذا سيرسل رسالة للعالم بأنه لا يريد مقاومة من الفلسطينيين مهما كانت، سلمية أو لا سلمية، ولا شيء بينهما".
ويلفت الكاتب إلى أن الغزيين يواجهون مشكلات يومية من اقتصاد منهار، وطاقة كهربائية لا تتجاوز الساعات، ومستشفيات لم تعد قادرة على الاستجابة للحالات المتزايدة، وتواجه غزة نقصا مزمنا في الدواء، أما الماء فلا يمكن شربه، ويتم ضخ مياه المجاري إلى البحر، وأدى الحصار الذي تفرضه مصر وإسرائيل على القطاع منذ 11 عاما إلى دفع الوضع إلى حالة الكارثة، لافتا إلى أن ذلك دفع إلى انطلاق مسيرات العودة الكبرى، التي بدأت في 30 آذار/ مارس، كجزء من إثارة الانتباه للنكبة الحالية والنكبة التي عاناها الفلسطينيون عام 1948، وستستمر حتى 15 أيار/ مايو، وهو تاريخ إعلان قيام إسرائيل.
وتذكر الصحيفة أن حوالي 300 ألف شخص شاركوا في المسيرة الأولى، وقتل فيها 20 شخصا بعد إطلاق الجيش الإسرائيلي النار، فيما كشفت أشرطة الفيديو عن مقتل البعض وظهورهم للسياج، مشيرة إلى أن العدد في الجمعة الأخيرة كان أقل، إلا أن 10 قتلوا بسبب إطلاق النار.
وينوه هالبفينغر إلى أنه في محاولة من إسرائيل لتوضيح استخدام القوة، فإنها تتحدث عن محاولات اختراق السياج، وقال راديو مكان الإسرائيلي إنه سجلت 8 محاولات اختراق.
ويعلق الكاتب قائلا: "لكن في الوقت الذي قام المتظاهرون برمي الحجارة أو العجلات المشتعلة باتجاه السياج، إلا أن العدد الأكبر منهم لم يفعلوا غير الوقوف والهتاف والغناء".
وتورد الصحيفة نقلا عن أحمد أبوارتيمة، وهو أحد الناشطين الذين شاركوا في المسيرة، قوله إن الغرض من المسيرة كان إسماع صوت الشعب الفلسطيني، وأضاف: "كان الحصار قوة قاتلة استهدفتنا، وقررنا تحويل هذا الألم إلى روح إيجابية"، لافتة إلى أن الكثير من المتظاهرين حاولوا الاقتراب فقط من المنطقة العازلة، التي تبعد مئات الأمتار عن السياج.
وينقل هالبفينغر عن الجنرال الإسرائيلي المتقاعد غيورا إيلاند، قوله إن السياج ليس قويا ومعززا كما يعتقد البعض، وزعم أن اختراق المئات له سيخلق وضعا لا يمكن لإسرائيل السيطرة عليه، ولهذا فهي تفضل تحديد المشكلة عليه وليس داخله، ما يعني ترك الجنود وبنادقهم المصوبة تجاه أناس عزل.
ويقول مناير للصحيفة: "ما يدافع عنه الإسرائيليون ليس حياة الناس، بل سياجا"، حيث يتم التصويب على الناس من على بعد مئات الأمتار.
وتعلق الصحيفة قائلة إن "الفلسطينيين أظهروا وحدة بعد الجمعة الأخيرة، فرغم سيطرة حركة حماس على التظاهرات، إلا أن المشاركين فيها يمثلون الأطياف السياسية كلها، وحملوا علما واحدا وهو العلم الوطني".
وبحسب الكاتب، فإن ناثان ثرول، الذي يراقب الوضع في غزة والمحلل في مجموعة الأزمات الدولية، لاحظ "زخما" في الأسبوع الثاني، وقال: "هناك أعداد ضخمة تمشي في مبادراتها الخاصة"، مشيرا إلى أن المشاركين لا يشعرون بأنهم في تظاهرة، بل في "احتفال"، كما لاحظ ثرول أن المشاركين حرقوا صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؛ كرسالة لحلفاء فلسطين العرب وأمريكا بأن هناك ثمنا سيدفع لأي محاولة محو للقضية الفلسطينية.
ويختم هالبفينغر مقاله بالإشارة إلى قول ثرول إن هذا يأتي في وقت تم فيه تهميش الفلسطينيين من الأجندة العالمية والإقليمية، لافتا إلى سماح السعودية للطيران الهندي باستخدام أجوائها في الرحلات إلى إسرائيل، وحضور مسؤولين عرب إلى جانب إسرائيليين اجتماعا في البيت الأبيض دون تمثيل فلسطيني.