هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
توقع محللون وباحثون أن تفشل محاولات السلطات المصرية في القضاء على السخرية السياسية من النظام، التي اختزلت في شخص زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي، دون جميع مؤسسات الدولة ورجالها، كما جرت العادة في العصور السابقة، بسبب إمساكه بزمام الأمور كلها، وتصدره المشهد سياسيا وأمنيا واقتصاديا.
وقللوا في تصريحات لـ"عربي21" من أهمية اختفاء السخرية السياسية من الصحف والقنوات كما كان شائعا حتى عهد الرئيس محمد مرسي، الذي ازدهرت في عصره الحريات، وفُتحت أبواب السخرية منه على مصراعيها، خاصة من خلال منصة برنامج "البرنامج" الساخر لباسم يوسف، الذي أوقفته سلطات الانقلاب بعد أول حلقه له بعد تطرقه للمشير السيسي آنذاك بشيء من السخرية بعرض شوكولاته تحمل صورته.
السخرية ..أداة المصريين ضد السيسي
الكاتب الصحفي، أبو المعاطي السندوبي، علق بالقول: "تاريخيا، السخرية من الحكام بمصر كانت الأداة الشعبية المتاحة أمام المواطنين للتعبير عن آرائهم السياسية في ظل سيطرة نظام الحكم على كل وسائل الإعلام؛ وبالتالي قوتها الحقيقية ترجع إلى أن ليس لها تكثيف تنظيمي؛ فليس لها صحيفة أو محطة تلفزيونية، هي مجرد كلمات وحكايات يتم تداولها، فأي نظام سياسي كان يقف عاجزا أمام السخرية السياسة منه؛ لأنه لا يمتلك أدوات منعها".
وعن سبب اختزال السخرية في شخص السيسي دون الحكومة والبرلمان وبعض رجالات الدولة كما جرت العادة في كل عصر، أوضح لـ"عربي21" أن "السيسي اختزل كل مصر في نفسه؛ لأنه لا يوجد حزب سياسي للنظام، ويرفض أن يكون له مستشارون، وحكومة قوية، وبرلمان شعبي حقيقي، فمن الطبيعي أن تكون كل السخرية موجهة لذاته بعد استحواذه على كل السلطات في يده، سواء التنفيذية أو التشريعية أو القضائية، فليس أمام المواطنين سوى بلحة".
وأرجع توقف الصحف عن توجيه أي نقد أو رسوم ساخرة للحكومة والبرلمان "إلى قيام السيسي بخطوة غير مسبوقة منذ عقود بإغلاق أي مساحة (للتنفيس) وليس لمجرد التعبير"، مشيرا إلى أن "منصات التواصل تمثل بديلا جيدا للسخرية في مساحات أوسع وسقف أعلى، وتعبيرها صادق لأن ليس عليها رقيب أو مسؤول، وتعبر عن الحالة الشعبية، وتعدّ المؤشر الوحيد الصادق في مصر عن المعارضة للنظام السياسي في مصر".
الفضاء الإلكتروني وجيل الثورة
الباحث السياسي، غاندي عنتر، رأى أن السيسي تعلم الدرس "وأدرك أن أحد أسباب الثورة على مبارك والانقلاب على مرسي هي وسائل الإعلام التي كانت تتمتع بهامش حرية أيام مبارك، وحرية كاملة أيام مرسي؛ فمن هنا أراد غلق هذه المساحة بالكامل، إما عن طريق صناعة وسائل إعلام تابعة له بالكامل، التي تسيطر عليها المخابرات الآن، أو وضع السيف على رقاب الإعلاميين الذين يخرجون عن السياق المرسوم".
وأضاف لـ"عربي21": "لذلك لن تجد أي وسيلة إعلام تنتقده أو تسخر منه، الأمر الذي يحاول أن يفعله مع منصات التواصل الاجتماعي التي تصعب عليه حتى الآن التحكم فيها؛ لذلك فكر في فيسبوك مصري؛ حتى يكون بالكامل تحت سيطرته".
واستبعد أن يتكمن السيسي من منع السخرية قائلا: "فكرة تكميم الأفواه بالكامل لن تفلح في ظل الإعلام البديل، سواء الإلكتروني أو القنوات المناهضة في الخارج"، مشيرا إلى أن "جيل الثورة جاء من منصات التواصل وليس من الصحف والقنوات؛ فالمتنفس الوحيد للمصريين الآن هو الفضاء الإلكتروني، وهناك حالة من التفاعل الواضح مع القضايا المصرية الهامة على منصات التواصل الاجتماعي".
السخرية لا تموت
من جهته، قال الصحفي والناشط السياسي، ياسر الحشاش ، لـ"عربي21": إن "هناك حقيقة مهمة يجب ألّا نغفلها جميعا، ألا وهي أن السخرية السياسية في مصر عبر عقود طويلة من تعاقب الأنظمة الديكتاتورية في مصر لم تنطلق من قبيل النكات أو التندر كما يعتقد البعض.. وإنما تعكس حالة من الكبت الممتزج بالسخط على الأوضاع بشتى جوانبها، والتي تمس أوجاع جل فئات الشعب من وضع اقتصادي ومعيشي وأمني وصحي وحقوقي".
واستدرك بالقول: "والأعجب من اختفاء السخرية السياسية -التي كانت حاضرة على مدار عقود مضت- من الصحف والقنوات المصرية؛ لأن الواقع على الأرض الآن هو أن الصحافة والإعلام تمت السيطرة عليهما تماما، اللهم إلا بعض الصحف والأقلام المتروكة عمدا، وهي نوعان، الأول يؤدي دوره المهني بشرف، ومتروك مؤقتا؛ لتجميل صورة حرية الصحافة في مصر. أما الثاني، فتابع لهم ومأجور؛ ليؤدي دورا محددا في مسرحية هزلية مفضوحة."
وأعرب الحشاش عن اعتقاده بأن "منصات التواصل الاجتماعي مثلت بالفعل بديلا مهما في التهكم والسخرية على النظام؛ لأنها وسيلة سهلة ومتاحة، وأصبحت في متناول كل فئات الشعب وشرائحه. على الرغم من ذلك، لم تسلم هذه الوسيلة من محاولة وضع تشريعات تقيد حرية التعبير بهذه الوسيلة، بل وتفرض عقوبات على المنتقدين"، مشيرا إلى أن" السخرية تعد مؤشرا مهما على غضب الشعب من النظام، وعدم رضاه عن جميع الأوضاع بشتى مساراتها.