هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للمعلق جدعون رخمان، يناقش مآلات الربيع العربي عقب زيارة له إلى تونس، قائلا إنها المثال العربي الوحيد الذي لم يتعرض للسحق، كما حدث في بقية دول الربيع العربي.
ويقول رخمان في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "مهد الثورات العربية تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، وعلى الداعمين الدوليين ألا يتركوا هذا البلد"، مشيرا إلى أن الدول المانحة ممزقة بين تقديم المال والخوف من أن يؤدي هذا إلى تأخير الإجراءات المؤلمة، وقطع الدعم والبيروقراطية، إلا أنه لا يشكك في نية الدول الأوروبية بتقوية البلد.
ويشير الكاتب إلى زيارة المسؤول التنفيذي للمجلس البريطاني، وهي الثالثة منذ عدة سنوات، حيث يدير المجلس نشاطات شبابية، ويعمل على التدريب على النقاش، وتعليم اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى تدريب الناشطين الاجتماعيين، لافتا إلى برامج مماثلة تقوم بها دول الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا.
ويقول رخمان إن "الحفاظ على الاستثناء التونسي على قيد الحياة يمكن أن يقدم صورة عن إمكانية تجذر الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط، ويجب مساعدة تونس للنجاة من الشتاء العربي".
ويلفت الكاتب إلى الأنتخابات الرئاسية "المزيفة" التي تجري في مصر، التي وصفها بمشهد مثير للكآبة، وتظهر كيف تلاشت المطالب التي أطلق الربيع العربي العنان لها عام 2011، مشيرا إلى أن حكم عبد الفتاح السيسي أصبح أكثر قمعا من حكم مبارك الذي أطاحت به الثورة المصرية.
ويفيد رخمان بأنه "إلى جانب مصر انزلقت الجارة ليبيا للفوضى، بحيث جعلت الكثير من المواطنين يحنون إلى أيام ما قبل الثورة، وحكم الديكتاتور معمر القذافي، وما هو أكثر مأساوية هو ما يجري في سوريا، التي تعيش حربا أهلية بشعة، قتل وجرح وشرد فيها الملايين".
ويعتقد الكاتب أن "الانهيار العنيف للربيع العربي لم يؤثر على قضية الليبرالية في الشرق الأوسط فقط، لكن كان تأثيره حول العالم كله، ففي الولايات المتحدة ترفض إدارة ترامب نشر الديمقراطية؛ باعتبارها فكرة ساذجة، ويتفق الكثير من الأوروبيين معها، وإن بهدوء، حيث عاد القادة الأقوياء إلى الحكم من موسكو إلى مانيلا".
ويقول رخمان إن الكآبة المتجمعة حول الديمقراطية جعلته يقضي الأسبوع الماضي في تونس، التي انطلق منها الربيع العربي، وهي البلد الوحيد الذي لم يتم فيه سحق الأماني الديمقراطية بعد.
ويبين الكاتب أنه "على خلاف العنف والاضطهاد في المنطقة، فإنه يحكم تونس ائتلاف، وستنظم قريبا انتخاب بلدية تتبعها انتخابات برلمانية عام 2019، وعانت البلاد من عمليات إرهابية عام 2015، إلا أن الأمن على ما يبدو تحت السيطرة، وبدأ السياح بالعودة، ويأمل المتفائلون بأن تكون تونس في يوم ما نموذجا لشمال أفريقيا والشرق الأوسط، أما المتشائمون فيخشون أن تتجه العملية السياسية للاتجاه الآخر، أي وقوع تونس ضحية للعجز الاجتماعي والسياسي، الذي دمر بقية المنطقة".
ويجد رخمان أنه "بالنظر إلى الخلف، فإنه من الواضح أن تونس لديها المميزات السياسية مقارنة مع جيرانها، فهي لا تعاني من الخلافات القبلية والدينية التي طفت على السطح بسرعة في كل من سوريا وليبيا، وكانت تونس أول دول عربية تقر دستورا في القرن التاسع عشر، صحيح أن مؤسساتها الرسمية فاسدة، إلا أن البيروقراطية ظلت تدير الدولة بعد الثورة".
وينوه الكاتب إلى أن "تونس تتميز بنظام تعليمي قوي، وأدت المرأة دورا مهما في الحياة العامة ومنذ وقت طويل، وعدد سكانها 11 مليون نسمة، مقارنة مع مصر، 95 مليون نسمة، وعلى خلاف مصر، فإن جيشها ليس قويا، ولديه تقاليد بالتدخل في الشؤون السياسية".
ويرى رخمان أن "تونس محظوظة أيضا بحركة إسلامية معتدلة, وتشارك حركة النهضة في الائتلاف الحكومي، واخبرني زعيمها راشد الغنوشي الأسبوع الماضي في تونس أنه يرفض حتى مصطلح (الإسلام السياسي)، ويفضل الغنوشي، الذي قضى 20 عاما في لندن، مصطلح (الديمقراطي المسلم)، ودعم حق المرأة المسلمة في قضايا، مثل الإرث والزواج من غير المسلمين".
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم هذه الأفكار، إلا أن العديد من العلمانيين التونسيين لا يزالون يشكون في النهضة، ويرون أن مظهر الاعتدال عند الغنوشي ما هو إلا قناع للراديكالية، ويشيرون إلى مصر وتركيا، حيث حاول الإسلاميون فرض النظام الإسلامي".
ويذهب رخمان إلى أن "هذه المخاوف تؤكد وضعية تونس في داخل الاضطراب في المنطقة، خاصة ليبيا التي يتخذها الإرهابيون قاعدة للدخول إلى تونس، كما فعلوا عام 2015، وهناك مخاوف من جر تونس نحو حروب الوكالة، إلا أن المشكلة الرئيسية أمام تونس تظل اقتصادية".
ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن نسبة البطالة تصل إلى 50%، خاصة في المدن الصغيرة، و"هذا يعني ضرورة الحفاظ على المثال الاستثنائي لتونس".