في يوم 24 آذار/ مارس 2017، اغتالت دولة الاحتلال (عبر عملاء لها في
غزة) الشهيد القائد مازن فقهاء أحد قادة كتائب القسام، وبعد أقل من شهرين تم كشف كل تفاصيل العملية، واعتقال منفذيها وتقديمهم للقانون وتم إعدامهم، في ما بات يعرف بعمية "فك الشيفرة 45". وفي يوم 13 آذار/ مارس 2018، وفي غزة أيضاً، وقعت محاولة اغتيال لرئيس حكومة الوفاق الفلسطينية، وبعد مرور أقل من شهر تم الكشف عن تفاصيل العملية.
المتأمل في توقيت التنفيذ وتوقيت الكشف عن لغز العمليات يتضح أنه وقت قصير جداً، وهذا يدفعنا للتساؤل كيف تم اكتشاف خيوط تلك العمليات رغم أن أجهزة أمن غزة تعاني نقصاً شديداً في الإمكانيات المادية واللوجستية، وليس لديها ما لدى دول أخرى من أجهزة ووسائل؟
الإجابة تقتضي الإقرار بأن توفر الإمكانيات المادية واللوجستية لا يعتبر سبباً رئيساً لإحراز أي نجاح في أي عملية، بل إن توفر عامل الرغبة والإرادة بجانب الإمكانيات كفيل بإحراز النجاح، وهذا الذي تتمتع به أجهزة أمن غزة.
لقد أخذت المؤسسة
الأمنية على عاتقها حفظ الجبهة الداخلية وتوفير أكبر قدر ممكن من الأمن للمواطنين، ولهذا نظمت الكثير من الحملات التوعوية واللقاءات والمؤتمرات وورش العمل والمحاضرات، من أجل إنتاج رجل أمن قادر على تحقيق قول الله عزوجل "وأمنهم من خوف". وبهذا استطاعت المؤسسة الأمنية بغزة ضبط حالة الأمن، وقد نجحت بذلك نجاحا شهد به لها العدو قبل الصديق والخصم قبل المناصر. فلو سألت أي مواطن غزاوي عن تقييمه للتجربة الأمنية بغزة سيقول لك إن من أبرز إيجابيات أجهزة الأمن أنها قضت على الفلتان الأمني وحققت أعلى نسبة ضبط أمني، رغم أنه قد يختلف مع حماس في تفاصيل أخرى.
لقد ظن العدو أن زعزعة أمن غزة هو أمرٌ سهلٌ ويسير، لكنهم لم يحالفهم النجاح في ظنونهم، فيومياً يكشف رجل الأمن في غزة عن معدنه الوطني الأصيل الذي لا تعيقه معيقات عن أداء واجبه الوطني في السلم وفي الحرب، حتى في أقسى الظروف، رغم أنه لا يحظى بالامتيازات التي يتلقاها أي رجل أمن في العالم، لكنه حينما يناديه الواجب الوطني يكون أول من يلبي .
لنا أن نتذكر أن أول قصف صهيوني على غزة في حرب الفرقان كان لمقرات الأجهزة الأمنية، وأن أكثر من 500 من أبناء الأجهزة الأمنية والشرطية ارتقوا شهداء خلال تلك الحرب. ويمكن القول إن عدد شهداء الأجهزة الأمنية في ثلاثة حروب صهيونية قد اقترب من ألف شهيد، وهذا يؤكد أن الاحتلال يستهدف المؤسسة التي ترعى الأمن كي يحدث إرباكاً أمنياً.
ثم إن مهام رجال الأمن تنوعت ما بين دروس لطلبة المدارس وحملة توعية للمواطنين من الاتصالات العشوائية التي يتلقونها على هواتفهم وتحرضهم على المقاومة، أو بحجة أنها مؤسسة تريد تقديم مساعدات لهم لكنها بحاجة لبعض المعلومات، أيضا ترشد المواطنين الذاهبين للعلاج في المستشفيات الصهيونية، حيث تخضعهم قوات الاحتلال للابتزاز (مساعدة مقابل مساعدة). كما تُعقد دورات إرشادية وعلاجية لمدمني المخدرات في السجون من خلال التنسيق مع المؤسسات المعنية بالأمر، مثل مصحات العلاج النفسي ووزارة الأوقاف. وقد شرفني لله بأن أكون ذات يوم ضمن فريق لإعطاء محاضرات في السجون وفي المدارس حول قضايا أمنية مختلفة وكيفية مواجهتها.
وأخيرا وليس آخرا، ارتقاء الرائد زياد الحواجري والملازم حماد أبو سويرح الذين استشهدا خلال اشتباكات وقعت مع مطلوبين على خلفية مسؤوليتهم عن تفجير موكب رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله الأسبوع الماضي، وهذا يؤكد أن أجهزة أمن غزة هم حراس للشعب من الاحتلال وأعوانه.