هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نعم، لقد عققناك يا مصر كثيرا -وما زلنا للأسف- ونحن أبناؤك الذين
ليس لهم أم سواك.
ظننت بعد الثورة أنني لن أتكلم أبدا إلا عن كوني مصرية لم تحمل همّا
سوى هم هذا الوطن الكريم، وكنت وما زلت أفتخر بأن قضيتي الأولى هي مصر، وهذا -لمن
يفهمون- لا ينفي كوني مسيحية، أو حتى كون غيري مسلما، بل لا يتعارض مع أي انتماء
حزبي أو أيديولوجي لأي شخص أو جماعة ما داموا يعلنون وتكشف ممارساتهم عن إخلاصهم
لهذا الوطن وعن سلمية النضال من أجل حلم دولة المواطنة التي لا تعرف الفرز
والتقسيم على أي أساس كان....
لم
أتفاجأ حينما أسمع من وقت لآخر أن فلانا خرج من هذا الفريق ليرتمي في أحضان الفريق
الآخر عائدا نادما لتغير قناعات أو بحسب ظرف ما... وهي ظاهرة شخصية وعادية في أي
مراحل الثورات وحدثت وتحدث في العالم العربي على مدار عقود، ولا أهتم حتى أن أناقش
مبررات هذا أو ذاك لفعل ذلك؛ لأني أؤمن بما علمه لي القانون بأن كل إنسان كما أنه
حر في اختياراته، هو كذلك حر في أن يتراجع عنها كيفما شاء. وفي النهاية ميزان
العدل وقيم المبادئ الإنسانية من سيحكم عليه خاسرا كان أم فائزا.
لكن ما يُدمي القلب ويحزنه حينما يعلن المعادي لشخص ما أو جماعة أو
الذي يتبين له بعد فترة طالت أم قصرت اختلافهم مع مبادئه وأهدافه، أن يتبرع بقضيته
الأسمى وبحلمه الأكبر الذي طالما أظهر الدفاع عنه ليرتمي في أحضان الظالم ، وينسى
أو يتناسى أننا كبشر لا ولن نتفق في كل شيء، وهذا حق له ولغيره أن يختلف مع من
يشاء ويعارضه؛ لكن أن يتخذ من هذا الخلاف متكأ ليتحول لمِعول هدم في يد المنقلبين
على ثورة يناير والمضيعين لحقوق الشعب المصري ، فهذا ما لا أجد له مسمى في قاموس
أصحاب القضايا والمدافعين عن الحق والحرية والعدل؛ خاصة حينما يتعلق ذلك بوطنهم
الذي هو الآن في أمس الحاجة لكل صوت حر شريف.
إن
مَن يظنون لمرض في أنفسهم أو قصور في تفكيرهم أو حتى حقد في قلوبهم، أن مصر الآن
في صراع ديني مع جماعة ما تتفق أو تختلف معها، أو صراع فكري أو سياسي؛ هم واهمون
عميان أو يتعامون عن إدراك حقيقة الأوضاع في مصر. إن الصراع الحقيقي قد كشفه لنا
الأطهار من شباب ثورة يناير، ومن دفعوا أرواحهم ثمنا لنعي هذه الحقيقة؛ حقيقةَ
أنَّ قضيتنا قضية وطن عظيم نُهبت ثرواته وما زالت تُنهب، وفُرط في نيله وغازه،
وبيعت جزره، وتضاعفت ديونه، وأُفقِر أبناءه حتى علا صراخهم من العوز والضيق، ولم
يقف الثمن المدفوع عند هذا الحد بل أحاط الظلم والقهر برقاب كل من يحاول أو يفكر
حتى في انتقاد هذا الوضع البائس.
هما
يا سادة فريقان لا ثالث لهما، فريق الحق والحرية والمحبة الحقيقية لهذا الوطن
(ثوار يناير)، ولو تعددت انتماءات أبناء هذا الفريق أو حتى اختلفوا فيما بينهم في
مواضع وقضايا.
وفريق آخر مُنقلِب، لم تر مصر في وجوده وممارساته للحرية صورة، ولم
ينكشف على يديه للحق والعدل معنى.
فأي
الفريقين أحق بقلبك يا مصر!
إن
مصر الحبيبة وطننا الغالي يئن أيها السادة من ضعف أبنائه المخلصين له واختلافهم
فيما بينهم، وانهزام البعض منهم وبيعه لقضيته بثمن بخس، أكثر من أنينه من الخائنين
المنقلبين.
لقد ظل هذا الوطن شامخا صابرا مع كل ما مر به من آلام وسرقات وظلم،
وصبر أبناؤه عجزا وضعفا في بعض الأحيان، أو قهرا واضطهادا في أحيان أخرى، لكن ومنذ
ثورة يناير أوصلت لنا مصر الحقيقية رسالة: أنها ما زالت حية وحرة، وأن أبناءها
المخلصين يستحقون الحرية، ويملكون من التضحية والشرف ما يجعلهم يدافعون عن هذه
الحرية، ويملكون من الشجاعة ما أسقطوا به طاغية الثلاثين عاما، وسيسقطون كل طاغية
بعده مهما بدا للجبناء عكس ذلك، أو أيا كان من يعاونه في الداخل والخارج. فكل
هؤلاء ظهروا لنا على حقيقتهم كتمثال من ورق انهدم بلحظة حينما هبت عليه رياح
الحرية بصرخات الأحرار.
يقينا ستنتصر ثورة يناير لا أشك في ذلك، كما لا أشك في إشراق
الشمس الآتي مهما طال الليل، أو زادت غيوم السماء، ستنتصر بطُهْرِ شبابها وإخلاصهم
ومحبَّتهم لوطنهم، وبقلبَ ووجدان المصري الأصيل الذي ضحَّى واستشهد مُقدِّما روحَه
رخيصة فداء لحريتنا، وتحمل كذلك أخطاءنا في ثورتنا، التي كنا جميعا سببا في عدم
استكمالها، وتمكُّن العسكر من رقابنا وكلِّ رقبة مصرية حرة.
لنعترفْ
مخطئين كلُّنا وعازمين على العودة وطلب المغفرة من تلك الأم التي عققناها؛ إن
أخطأنا فقلوبُنا كمصريين جميعا تصفح وتسامح، وقلب مصر يسعنا جميعا، كما وسعتنا
أرضُها، وأطعمتنا طينةُ أرضها، وروى عطشَنا نيلُها ولنتعاهد مخلصين على العمل بقلب
واحد، وأمل وهدف واحد، وشعار واحد، الحريةِ والعيشِ لهذا الشعب، والكرامةِ لأبنائه.
وليس
ببعيدة عنَّا مصر يناير، بل إنها قريبة وآتيه.
ولأهلنا
من الصابرين رسالة أمل أجدها في كلمات أحمد مطر
وماذا
غير نور الفجر بعد الظلمات؟
هيئوا
كشف أمانيكم من الآن
فان الفجر آت
أظننتم،
ساعة السطو على الميراث، أن الحق مات؟!
لم
يمت بل هو آت!