هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعلن النظام السوري سيطرته الكاملة على "حي القدم" جنوب دمشق، وذلك بعد خروج المئات من أبناء الحي وعائلاتهم إلى الشمال السوري، بموجب اتفاق فرضه على ما تبقى من المعارضة داخل الحي.
وينص الاتفاق على خروج من لا يريد المصالحة من مقاتلي المعارضة إلى الشمال السوري، مقابل تسليم السلاح لمن يريد البقاء والالتحاق بقوات النظام السوري فيما بعد.
وتدور تساؤلات حول هذا الأمر، من قبيل: "إذا كان الحي المذكور خاضعا لحصار مطبق من النظام منذ عام 2012، فلماذا أجّل النظام عملية التهجير هذه كل هذه المدة، ولماذا تزامنت مع الحرب الشرسة وغير المسبوقة التي يشنها النظام على الغوطة الشرقية؟".
رسائل داخلية وخارجية
وجوابا على هذا التساؤلات، أفاد المحلل العسكري والاستراتيجي العميد أحمد رحال، بأن النظام -مدفوعا بقرار روسي- اختار هذا التوقيت كي يبعث برسائل إلى الموالين على الصعيد الداخلي وإلى الدول المعنية بالملف السوري خارجيا، مفادها أنه المنتصر في هذه الحرب، وتحديدا في دمشق ومحيطها.
وأضاف لـ"عربي21"، أنه من المعلوم أن الأسد لا يملك أن يتخذ أي قرار دون موافقة موسكو، ويبدو أن مصلحة روسيا والنظام من بقاء هذا الجيب خارج السيطرة قد انتهت.
وأوضح رحال أن "النظام عمد في عام 2015 إلى إدخال عناصر من النصرة وتنظيم الدولة إلى الحي من خلال إفساح الطريق لهم إلى داخل الحي من مناطق سيطرته لتقوم هذه الأخيرة بإنهاء تواجد الجيش الحر وبعض المقاتلين الفلسطينيين الذين كانوا إلى جانب الجيش الحر، حتى يستفيد من هذه البؤرة للضغط على أهالي دمشق".
وقال: "إن مصلحة النظام كانت تقتضي وجود هذه المجموعات في حي دمشقي، لأن سقوط القذائف على مدينة جرمانا يكفل وقوف الدروز معه، وعلى باب شرقي وباب مصلى لضمان التفاف المسحيين، وعلى حي ركن الدين للأكراد".
وتابع رحال بأن "المخابرات السورية كان تلعب هذه اللعبة، وتحمل المسؤولية لـ"الإرهابيين" داخل الحي"، واستدرك بالقول: "لكن يبدو الآن أن هناك قرارا روسيا بإنهاء المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في دمشق ومحيطها".
وأشار إلى أن ثمة مخاوف لدى روسيا من تحركات غربية ضد النظام السوري على خلفية الإبادة التي يتعرض لها السكان في الغوطة، ولذلك تسعى موسكو إلى مواجهة الغرب بالقوة، وبفرض الأمر الواقع من خلال إعلان دمشق مدينة خالية من تواجد المعارضة.
ولفت رحال إلى أن بقاء حي القدم خارج سيطرة النظام ومخيم اليرموك الذي يسيطر عليه تنظيم الدولة، تسبب بحرج دولي للنظام وروسيا.
وبين أنه "في الوقت الذي تتذرع فيه روسيا بوجود ما يقارب الـ200 مقاتل من تحرير الشام لتبرير حملتها على الغوطة، فإن هناك أحياء كاملة تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية، مثل مخيم اليرموك"، موضحا بقوله: "يبدو أن هذا أحد أسباب حسم ملف حي القدم".
صراع أجنحة
وفي السياق ذاته، أشار مصدر نقلا عن عضو في اللجنة المحلية من داخل الحي التي كانت تفاوض النظام إلى وجود خلافات داخل أجنحة النظام أجّلت تهجير أبناء الحي إلى الآن.
وأوضح المصدر الخاص لـ"عربي21"، أن بعض ضباط المخابرات كانوا يطالبون أعضاء وفد الحي بعدم الموافقة على مغادرة حي القدم، بينما كان آخرون يطالبونهم بالإجلاء الفوري، وذلك أثناء الاجتماعات التي كانت تعقد من حين لآخر.
وفسّر المصدر ذلك، بتخوف بعض الضباط من سيطرة إيران على الحي الاستراتيجي القريب من حي السيدة زينب، وقال: "يبدو أن الضباط الذين كانوا ضد إجلاء سكان الحي هم من الموالين لروسيا، بعكس الآخرين الذين يتبعون لطهران مباشرة".
ووافق العميد أحمد رحال حديث المصدر، مشيرا إلى انقسام حاد داخل بنية النظام السوري، على أساس الولاء لإيران أو لروسيا.
وأضاف أنه "من الطبيعي أن لا تؤيد روسيا توسيع طهران لسطوتها على دمشق، لأنها تريد جني المكاسب فيما بعد وحدها، وكذلك إيران".
وخلص رحال إلى أن كل ذلك يعني أن "الرهان على النظام السوري المتفكك والمنقسم لخلق الاستقرار في سوريا رهان خاسر".
ضاحية جنوبية ثانية
من جانبه، خالف المعارض السوري فهد المصري ما ذهب إليه كل من المصدر ورحال، في حديثهما عن أن انقساما داخل أجنحة النظام وراء تأجيل تهجير عدد من سكان حي القدم.
وقال: "هناك غرفة عمليات عسكرية واحدة، وضباطها من لون واحد، وهي تصدر الأوامر العسكرية والسياسية حتى الآن".
وبعد أن نوّه إلى أهمية حي القدم الدمشقي المتاخم لحي السيدة زينب، قال لـ"عربي21": "إن السيطرة على هذا الحي تعني أن إيران بدأت بوضع الحجر الأساس لضاحية جنوبية ثانية، لكن هذه المرة في دمشق".
وعن أسباب تأجيل النظام لحسم ملف حي القدم إلى الآن، لم يذهب المصري بعيدا عن الأسباب التي ذكرها رحال، عازيا ذلك إلى رغبة النظام في استثمار ما يراه انتصارا إلى جانب تقدمه في حي الغوطة.
وقال: "لكن على الأرض ليس هناك من تحرير بالمطلق، لأن كل ما جرى في حي القدم ومخيم اليرموك ومنطقة الحجر الأسود لعبة من ألاعيب النظام، فما يسمى بعناصر التنظيم داخل هذه المناطق هم ليسوا إلا عناصر من مخابرات النظام، وجميع أهالي المنطقة يعرفون هذه الحقيقة"، على حد قوله.