كشفت دراسة صادرة عن معهد ستوكهولم لبحوث السلام (SIPRI)، أن
مصر تأتي بالمركز الثالث عالميا بين أكثر دول العالم استيرادا للسلاح خلال العشر سنوات الماضية، وذلك بعد الهند والسعودية ومتقدمة على الإمارات.
وأكدت الدراسة أن مصر رفعت من قيمة واردات الأسلحة بنسبة 215 بالمائة خلال الفترة بين 2008 – 2017، مشيرة إلى أن القاهر تعد أكبر مستور للسلاح الفرنسي على مستوى العالم بأسلحة تنوعت ما بين طائرات مقاتلة وحاملات مروحيات وفرقاطات.
وأشار التقرير إلى أن استيراد إسرائيل للسلاح ارتفع بنسبة 25 بالمئة وجاءت
الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا كأكبر الدول المصدرة للسلاح إلى "إسرائيل".
وقبل أيام، صنف موقع "غلوبال فايرباور" مصر بين القوى العسكرية الأكبر بالشرق الأوسط في المركز الثاني بعد تركيا والعاشر عالميا، تليها إسرائيل بالمركز الثالث بالشرق الأوسط والخامس عشر عالميا.
ومنذ انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح السيسي، على الرئيس محمد مرسي، منتصف 2013، قام قائد الانقلاب، بعمليات إنفاق ضخمة على شراء
السلاح، ليس فقط من أمريكا التي كانت تعمتد مصر عليها في توفير 80 بالمئة من سلاحها، بل من
فرنسا وروسيا وألمانيا، معتمدا في ذلك على دعم دول الخليج، والاقتراض من الخارج، لتضيف تلك الصفقات التي تخطت مبلغ 20 مليار دولار، أعباء جديدة إلى الدين المصري الهائل.
والمثير أن تلك الصفقات تمت في ظل وضع اقتصادي قاس، بعد تراجع قيمة الجنيه وارتفاع التضخم وتراجع الإنتاج وزيادة البطالة وتضاعف نسب الفقر ووضع أكثر من ثلث السكان تحت خط الفقر العالمي وحديث عن انهيار الاقتصاد.
وفي 16 كانون الثاني/ يناير الماضي، قدرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، حجم الدين الخارجي لمصر بنحو 100 مليار دولار نهاية 2017، ووفق وزارة المالية، فإن الدين المحلي والخارجي تجاوز 4 تريليونات جنيه (226 مليار دولار) نهاية العام المالي الماضي، وكان نصيب سنوات السيسي منها 2.3 تريليون جنيه (129.9 مليار دولار).
ورغم رصد الانقلاب في مصر كل تلك الميزانيات الضخمة لشراء السلاح إلا أنه ما زال عاجزا عن القضاء عن "جماعات الإرهاب" وعصابات التهريب في سيناء.
ذلك الوضع الاقتصادي والأمني الصعب ونتائج دراسة معهد ستوكهولم، يفرضون طرح التساؤل حول أهمية صفقات السلاح تلك لدولة لم تخض حربا منذ عقود بينما يعاني اقتصادها من الضعف والترهل وتعتمد ميزانياتها على القروض والمنح ويعاني ثلث شعبها من الفقر المدقع.
الأجيال القادمة
وفي الإجابة على ذلك التساؤل من الناحية الاقتصادية أكد الباحث الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، أن زيادة صرف مصر على الانفاق العسكري بعد 3 تموز/ يوليو 2013، أتى في إطار شراء الانقلاب لشرعيته الإقليمية والدولية"، موضحا أن تلك الصفقات "كانت بمثابة رشوة لكل من أمريكا وفرنسا وروسيا وألمانيا ليس أكثر".
وأشار في حديثه لـ"
عربي21"، إلى أن إنفاق هذه الأموال على التسليح "يأتي في ظل أزمة تمويلية حادة تعاني منها مصر، وهو ما يدل على سوء إدارة الموارد الاقتصادية"، موضحا أن "هذا العبء تحمله المواطن البسيط، كما ستدفع الأجيال القادمة ثمن هذا التصرف السلبي في شكل الالتزام بسداد الديون التي تراكمت على كاهل الدولة المصرية".
وحول تأثير الأموال المنفقة وما تبعها من قروض وديون نتيجة تلك الصفقات على حال التعليم والصحة وغيرهما، قال الخبير المصري: "بطبيعة الحال إن تدبير أموال صفقات السلاح أتى خصما من الإنفاق العام على الصحة والتعليم، سواء في شكل ارتفاع الفوائد على الديون، أو في شكل إعادة تخصيص الموارد لصالح الإنفاق على التسليح وخصما من الإنفاق على باقي مكونات الإنفاق الاجتماعي من تعليم وصحة".
توازن الإنفاق
من جانبه يرى مساعد رئيس تحرير صحيفة "الأهرام"، أسامة الألفي، أن السلاح مطلوب في عالم لا يعترف سوى بالقوة وتحف به صراعات ومصالح من كل صوب وحدب".
وقال الكاتب الصحفي: "لذا أؤيد تسليح مصر، بخاصة أن الظروف الدولية متقلبة، ولا نعلم من أين قد تجيء الضربة، فصديق اليوم قد ينقلب عدوا والعكس، ومصر محاطة بأعداء خارجيين مثل الصهاينة وأطماع دولية متمثلة في محاولة تصدير الفكر الشيعي، وداخليا بإرهاب لم يعد يفرق بين نظام ومواطن".
وأوضح أنه "ليس معنى كلامي أنني أؤيد التسليح على حساب البناء والتنمية فالجمع بين الأمرين لابد منه لأن التنمية لابد أن تحميها قوة"، مستدركا بقوله: "ويبقى التسلح مطلوبا شرط أن يكون هدفه حماية الوطن، لا خدمة النظام".
مجد أم رشوة
وفي مقال له، قال الكاتب المتخصص في الشؤون العسكرية محمد عمر، إن "تلك الصفقات تشهد اختلافا بين داعمي نظام السيسي ومعارضيه، فبينما يرى فريق في تلك الصفقات نجاحا للنظام وإعادة لمجد العسكرية المصرية يستحق الاحتفاء، يرى فريق آخر أنها لا تعدو رشوة من النظام الحالي للقوى الكبرى لشراء المشروعية الدولية، رشوة تأتي بثمن باهظ تدفعه مصر في الحاضر والمستقبل".