منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية السلمية في
سوريا منصف آذار/ مارس
2011، وتحولها إلى حركة عسكرية مسلحة، دخل تنظيم "
القاعدة" في فترة
مبكرة إلى الساحة السورية، وعملت "القاعدة" على التكيّف مع التحولات والتطورات
والمتغيرات، وأصبحت سوريا أهم ساحة قتالية جهادية، حيث تقاطر جهاديو القاعدة
المعولمين من شتى بقاع الأرض، وانخرطوا في جماعات جهادية عديدة للتعمية على
انتماءاتهم.
وشكلت جبهة "النصرة" المكون الأبرز لأعضاء القاعدة، دون
الإفصاح عن ارتباطها بالقاعدة، في إطار اجتهادات منظري القاعدة عقب "الربيع
العربي" بالاندماج في نسيج المجتمعات المحلية، والعمل تحت عنوان "أنصار
الشريعة". وعقب الخلافات بين تنظيمي "النصرة" و"الدولة"
2013، أفصحت النصرة عن ارتباطها العلني بتنظيم القاعدة. وعقب إعلان النصرة فك
ارتباطها شكليا عن القاعدة 2016 وتشكيل "جبهة فتح الشام"، برزت خلافات
عميقة وانقسامات حادة حول جدوى إعلان "فك الإرتباط"، والذي سرعان ما
تحول من الإطار الشكلي إلى الواقع الموضوعي عقب الإعلان عن تأسيس "هيئة تحرير
الشام" 2017. وفي خضم التحولات، عملت "القاعدة" على مسارين
متوازيين، الأول محاولة اعادة النصرة إلى حظيرة القاعدة، والثاني المباشرة بتأسيس
فرع جديد من الرافضين لمسارات النصرة وتحولاتها. وقد برزت مكونات اختبارية عديدة
أفضت مؤخرا إلى الإعلان عن تنظيم "حراس الدين".
أعلن عن تأسيس
تنظيم "حراس الدين" بشكل رسمي مع إصدار بيانه
الأول في 27 شباط/ فبراير 2018 الذي حمل عنوان "أنقذوا فسطاط المسلمين"،
ودعا فيه إلى "نصرة غوطة دمشق الشرقية"، وتوعد بـ"شن عمليات عسكرية
ضد قوات النظام السوري"، كما دعا الفصائل العسكرية في الشمال السوري
لـ"وقف الاقتتال فيما بينها". كما دعا البيان "هيئة
تحرير
الشام" و"جبهة تحرير سوريا" إلى وقف الاقتتال بينهما، والتفرغ
لقتال النظام، وتوحيد جهودهما لـ"تخفيف الضغط عن الغوطة الشرقية". وقد
عرَّف التنظيم الجديد عن نفسه، عبر حسابه على "التلغرام"، بقوله:
"تنظيم إسلامي من رحم الثورة السورية المباركة، يسعى لنصرة المظلومين وبسط
العدل بين المسلمين، والإسلام هو مصدر التشريع". ورغم عدم الإشارة إلى
ارتباطه بتنظيم القاعدة، إلا أن "حراس الدين" مكوّن قاعدي دون شك.
عقب الإعلان عن تأسيس "حراس الدين"، سارعت التشكيلات
والمجموعات والخلايا القاعدية في سوريا عموما، وفي محافظتي إدلب واللاذقية خصوصا،
بإصدار بيانات تعلن فيها انضمامها وبيعتها للمكون الجديد، وهي مكونات انشق معظمها
عن "هيئة
تحرير الشام"، ومن الكيانات والشخصيات التي رفضت فك ارتباط
النصرة عن القاعدة بعد الإعلان عن تأسيس "جبهة فتح الشام"، ومن أبرز
الكيانات التي بايعت "حراس الدين": "جيش الملاحم"، و"جيش
البادية"، و"جند الشريعة"، و"جيش الساحل"، و"كتيبة
أبو بكر الصديق"، و"كتيبة أبو عبيدة ابن الجراح"، و"كتيبة
البتار"، وبقايا "جند الأقصى"، وعدد من السرايا، مثل: "سرايا كابول"،
و"سرايا الساحل"، و"سرية غرباء"، و"سرية عبد الرحمن بن
عوف"، و"سريتي الغوطة ودوما".
ومن أبرز الشخصيات القيادية في "حراس الدين" أبو همام
الشامي، و"سمير حجازي"، "أبو جليبيب" (إياد الطوباسي)،
و"أبو خديجة الأردني" (بلال خريسات)، وأبو محمود الشامي (سامي العريدي)
و"أبو القسام" (خالد العاروري)، و"أبو عبد الرحمن المكي"، "أبو
المقداد الأردني"، و"حسين الكردي"، و"عبد الرحمن الشيشاني"،
و"أبو بصير البريطاني"، و"أبو مالك التركماني"، و"أبو
أنس السعودي"، و"أبو مختار التركي". وتزعم التنظيم حسب "مزمجر
الشام" أبو همام الشامي، وتولى أبو القسام الأردني منصب القائد العسكري، ويضم
في مجلس شوراه كلاً من أبي عبد الكريم المصري، وسامي العريدي، وأبي جليبيب الأردني.
لا يزال المكون الجديد للقاعدة في سوريا (حراس الدين) قيد التشكل،
لكنه يحقق تقدما لافتا وواعدا، ويعمل على استقطاب معظم المقاتلين الأجانب (المهاجرين)،
وينشط في جلب المقاتلين المحليين (الأنصار)، وإذا كانت أيديولوجية التنظيم على
الصعيد النظري ناجزة، فإن الهيكل التنظيمي على الصعيد العملياتي هش، ومكوناته
منتاثرة جغرافيا، لكن التنظيم الجديد يتمتع بدعم وإسناد قبادة القاعدة المركزية
وفروعه الإقليمية، ويحظى بشرعية جهادية من معظم منظري الجهادية العالمية القاعدية،
وتعتبر فصائل جيش البادية وجيش الملاحم وجيش الساحل المكونات الأساسية الصلبة،أما
باقي المكونات فهي صغيرة، لكن ذلك قد يخدم منظورات القاعدة بالتحول إلى حالة من
اللامركزية الضرورية لشن حرب عصابات. وكان "جيش الملاحم" الوحيد بين
المكونات الذي سبق أن نشر إصداراً مرئياً في كانون الثاني/ يناير 2018 بعنوان
"غضبة الأباة"، يحوي مشاهد من السيطرة على قريتي المشيرفة وتل خزنة (قرب
الحسكة) بعد طرد قوات النظام منها.
تشير تسمية "حراس الدين" إلى تنظيم القاعدة؛ الذي تحول إلى "رسالة أيديولوجية"؛ كنادٍ للجهاديين يمكن أن يأخذ أشكالا
تنظيمية متعددة ترتكز إلى أولوية التموضع داخل الأنسجة الاجتماعية المحلية، دون
الخروج عن نسق القاعدة التي تقدم نفسها كطليعة مقاتلة عن الأمة الإسلامية، في سياق
التكيّف مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية. فتعدد التسميات لا تعني الخروج
عن نسق "القاعدة"، وتقع في إطار عمليات التكيّف، وهي استراتيجية تبنتها
القاعدة عقب ثورات "الربيع العربي" تحت مسمى "أنصار الشريعة"،
والتي ظهرت في دول عربية وإسلامية عديدة كحركات جديدة تهدف على المدى البعيد إلى
السيطرة المكانية وتطبيق الشريعة ومناهضة الغرب والأنظمة. فالقاعدة تقدم نفسها
كمشروع سياسي يتوافر على مرونة في إطار أيديولوجية صلبة تسعى لبناء إئتلافات مع
حركات جهادية محلية، كما هو حال قيادة القاعدة المركزية في أفغانستان وباكستان التي
تعمل في إطار تحالف مع حركة طالبان.
تكيفات القاعدة مع الوقائع الجديدة وتبديل الأسماء وإعادة نسج
روابط محلية؛ هو نهج أساسي في سلوك القاعدة بعد "الربيع العربي"، وقد
ظهر جليا في حالة اليمن مع بروز "أنصار الشريعة"، ثم "أبناء
حضرموت" وغيرها من التسميات، وفي قاعدة المغرب الإسلامي، وإمارة جنوب الصحراء
التي شهدت بروز ائتلافات عديدة مع حركات محلية، كان آخرها في 3 آذار/ مارس 2017؛
عندما أعلنت تنظيمات جهادية عديدة في شمال مالي، الناشطة في منطقة الساحل والصحراء،
عن الاندماج في تنظيم جديد أطلقت عليه جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، وضم
أربعة تنظيمات رئيسية هي "انصار الدين" و"كتائب ماسينا" و"المرابطون"
و"إمارة الصحراء"، وتنصيب القيادي الإزوادي البارز إياد غالي، قائد
تنظيم "أنصار الدين"، أميرا للمكون الجديد، والذي أعلن في شريط مصور بيعته
لأيمن الظواهري، زعيم تنظيم "القاعدة"، ولأمير فرع تنظيم القاعدة في "المغرب
الإسلامي"، أبو مصعب عبد الودود، وبيعة أمير حركة طالبان، الملا هبة الله
أخوند. وفي مصر، عمد تنظيم القاعدة إلى تجديد نفسه من خلال الإعلان عن
"حراس الشريعة - مصر الكنانة" في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، والتي
نشرت بيان "جماعة أنصار الإسلام" التي تبنت المسؤولية عن عملية الواحات
التي وقعت في اليوم التالي، وتتوافر على روابط مع "أجناد مصر"، و"حماعة
المرابطون"، و"حركة حسم"، و"جند الإسلام في سيناء".
يمثل تنظيم "حراس الدين" في سوريا صيغة قاعدية باتت
مألوفة، وقد تأخر الإعلان عنها بسبب الصراع
على تمثيل "الجهادية" العالمية في الساحة السورية، والذي أسفر عن انقسام
تنظيم "القاعدة" وبروز تنظيم "الدولة الإسلامية" أولا، واحتكار
جبهة النصرة تمثيل "القاعدة" في بلاد الشام ثانيا. لكن عقب تحولات
النصرة وفك الارتباط بتأسيس "جبهة فتح الشام" في 28 تموز/ يوليو 2016، ثم الإعلان عن تشكيل "هيئة
تحرير الشام" في 28 كانون الثاني/ يناير 2017، بات الظواهري، زعيم تنظيم
القاعدة المركزي، على يقين بأن زعيم النصرة (الجولاني) يتلاعب بميراث القاعدة،
ويعمل على تأسيس جماعته الخاصة، ويجتهد للحيلولة دون قيام ملاذ آمن للقاعدة في
سوريا، حيث تم الشروع بتأسيس جماعت خاصة بها، بالاعتماد على القيادات التي رفضت فك
ارتباط النصرة بالقاعدة والتزمت ببيعة الظواهري.
أدى
النهج الراغماتي للجولاني إلى خلافات كبيرة بين القاعدة والنصرة، لكن العلاقة لم
تصل حد القطيعة. لكن العامل "التركي" كان حاسما في حتمية القطيعة، فقد
دخلت نصرة الجولاني في تحالف هش مع تركيا وباتت رهينة لتقلبات السياسة التركية.
فمنذ أن دخل الجيش التركي في شمال غرب سوريا، في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، برفقة
مقاتلي النصرة؛ إلى محافظة إدلب، من أجل إقامة "منطقة خفض تصعيد" في
اطار الاتفاق بين تركيا وروسيا وإيران وبناء على مقررات "أستانة"، باتت
القاعدة تناهض نهج الجولاني بصورة لافتة، حيث بدأ الجولاني بشن حملة تطهير في صفوف
النصرة من أنصار القاعدة/ بتفاهمات مع تركيا، وتحت ذريعة تجنيب إدلب مصير حلب،
بعزل العناصر الجهادية المعولمة الموصوفة بالإرهابية. وإذا كانت تركيا تهدف إلى
تأمين مصالحها القومية بمنع كيان كردي وتجنب حدوث لجوء كبير بالتحالف مع هيئة
تحرير الشام بعد تخليصها ممن تصفهم بالإرهابيين والمتطرفين كخطوة لإدماجها في
مسارات التفاوض، فإن نصرة الجولاني تهدف إلى الحفاظ على مصالحها بالابتعاد عن
القاعدة لتمكينها لاحقا من الحفاظ على إمارتها في إدلب.
تسارعت
وتيرة إحياء القاعدة في سوريا مع تحولات نصرة الجولاني بداية 3017، ببروز نجم حمزة
بن لادن، الذي سارعت الولايات المتحدة بإدراجه على لائحتها السوداء للإرهاب بداية كانون
الثاني/ يناير 2017، وتواترت رسائله حول الوضع الجهادي في سوريا. وفي هذا السياق، أعلنت مجموعات من
المقاتلين السوريين والأجانب من مختلف الفصائل الجهادية في سوريا، في 9 تشرين الأول/
أكتوبر2017، عن تشكيل جماعة جهادية جديدة تحت مسمى "أنصار الفرقان في بلاد
الشام"، وهي أحد ابتكارات تنظيم القاعدة، وحددت أهدافها بأنها تريد "إعادة
الأمة لنهج الله والرسول". وعرفت الجماعة عن نفسها بأنها "كيان سني
جهادي مؤلف من مهاجرين وأنصار ممن خاضوا غالبية المعارك في سوريا وعاينوا جميع
الفئات والجماعات المقاتلة في سوريا".
في
سبيل الحيلولة دون تمكين القاعدة من تأسيس فرع قاعدي في شمال غرب سوريا، شنّت
"هيئة تحرير الشام" حملة اعتقالات واسعة طالت عدداً من الشخصيات السلفية
الجهادية التابعة لتنظيم "القاعدة" في إدلب وحلب وحماة، منذ 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، ومعظمهم
من المهاجرين. وشملت الاعتقالات قادة من الصفّين الأول والثاني، وعشرات العناصر من
المُهاجرين، خاصة الأردنيين منهم، وتمكن الجهاز الأمني التابع لـ"الهيئة من
القاء القبض على الشخصيتين الأهم في قائمة المطلوبين في الحملة الأمنية؛ وهما المسؤول
الشرعي العام السابق في "جبهة النصرة" سامي العريدي، والقيادي السابق في
"النصرة" إياد الطوباسي (أبو جليبيب). وكان الجهاز الأمني التابع لـهيئة
الجولاني قد هاجم مقرات ومنازل قياديين آخرين في "القاعدة" في مناطق
عديدة، ومنهم نائب أبو مصعب الزرقاوي الذي كان معتقلا في إيران، خالد العاروري (أبو
القسام)، وكذلك أبوهمام الشامي، العسكري العام لـ"جبهة النصرة" سابقاً،
إضافة إلى بلال خريسات (أبو خديجة)، وأبو هاجر الأردني، وغيرهما من قيادات الصف
الثاني، أمثال: "أبو الليث" و"أبو زكريا" و"أبو
مسلم"، وشملت الاعتقالات عددا كبير من عناصر الحماية، والمرافقة الشخصية
للشخصيات البارزة، وبحسب بيان الهيئة بعنوان "وللقضاء كلمة الفصل"، فإن الشخصيات
المستهدفة كانت تسعى لتقويض بنيان "الهيئة" وزعزعته.
شكلت
حملة الاعتقالات لحظة فارقة في علاقة النصرة بالقاعدة، وأدت إلى نتائج مناقضة
لهدفها، حيث بدأت القاعدة بشن حملة دعائية واسعة لنزع شرعية نصرة الجولاني، فبعد
يومين على الحملة في 28 تشرين
الثاني/ نوفمبر 2017
هاجم زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري "هيئة تحرير
الشام"، وأميرها "الجولاني"، في كلمة بثتها مؤسسة
"السحاب" بعنوان "فلنقاتلهم بنياناً
مرصوصاً". واتهم الظواهري؛ الجولاني بـ"نكث العهد"، مضيفا
أن ما فعله بعد فك الارتباط بالقاعدة العام الماضي هو "إنشاء كيان جديد فقط
زاد من الخلافات". وأعلن الظواهري عن وجود تنظيم للقاعدة في سوريا، قائلا:
"أطلب من إخواني جنود قاعدة الجهاد في الشام أن يكونوا على تواصل مع قيادتهم،
وهي حاضرة لخدمتهم يوما بيوم بعون الله وتوفيقه". وقال الظواهري إن هيئة
تحرير الشام حاربت كل من يظهر ارتباطه بالقاعدة، واعتقلت نساءهم، وحققت مع أطفالهم.
وأضاف أنه منح الهيئة مهلة لأكثر من سنة من أجل إصلاح الأوضاع، إلا أن الأخيرة
تجاهلت مطالبه، وزادت من التعدي على "الحقوق والحرمات". وشدد الظواهري
على رفضه التخلي عن "جهاد الأمة"، مبينا أنه لا يقبل بما تقوم به هيئة
تحرير الشام بتحويل مشروعها إلى مشروع محلي فقط، وأكد على أنه لم يقبل
بحل البيعة
لـ"جبهة النصرة"، مضيفا: "البيعة بيننا وبين كل من بايعنا عقد ملزم
يحرم نكثه، ويجب الوفاء به". ووضع الظواهري خيارين لإنهاء فكرة إعادة القاعدة
إلى سوريا، وهي اتحاد جميع "المجاهدين"، وقيام حكومة إسلامية، وفق وصفه.
تحت ضغوطات القاعدة أفرجت هيئة تحرير الشام في 11 كانون الأول/
ديسمبر 2017 عن "سامي العريدي"، وسبق ذلك إفراج الهيئة عن كافة معتقلي
التيار القاعدي، وهي خطوة وضعت نصرة الجولاني في مأزق العلاقة والتفاهمات مع تركيا، وكشفت عن هشاشة هيئة تحرير الشام. ومع
تسارع الأحداث نشرت مؤسسة "السحاب" التابعة
للقاعدة بيانا عن القيادة العامة لتنظيم القاعدة في 7 كانون الثاني/ يناير 2018، بعنوان:
"
وكان حقا علينا نصر المؤمنين"، خاطبت فيه عناصرها المنتشرة في أنحاء
العالم، وخصت من هم على أرض "شام الرباط"، في إشارة إلى سوريا. ونقل
البيان على لسان زعيم التنظيم أيمن الظواهري قوله: "أطلب من إخواني جنود
قاعدة الجهاد في الشام أن يتعاونوا مع كل المجاهدين الصادقين، وأن يسعوا في جمع
الشمل ورأب الصدع". وتتابعت رسائل
القاعدة حول قاعدة الشام من خلال نشرة "النفير". ففي 19 شباط/ فبراير
2018، دعت "الباحثين المخلصين على تشكيل مجالس وهيئات لتسوية الخلافات بين
الجهاديين في سوريا"، وفي 20 شباط/ فبراير، تدخل الظواهري بكل ثقله داعياً من
جديد "المجاهدين للتوحد وشن حرب عصابات ضد أعدائهم".
اكتملت معضلة نصرة الجولاني بفقدانها القدرة على تلبية متطلبات
القاعدة من جهة وتركيا من جهة ثانية، حيث برز مكون جديد موال لتركيا بإعلان حركتي
"نور الدين زنكي" و"أحرار الشام الإسلامية" ومجموعات صغيرة أخرى،
في 18 شباط/ فبراير 2018 عن اندماجهم في جسم عسكري موحد تحت اسم "جبهة تحرير
سوريا". وبدأت رحى المعارك تدور بين هيئة تحرير الشام وجبهة تحرير سوريا. وفي
هذا السياق، أصدر "المجلس الاسلامي السوري" المقرب من الحكومة التركية، في
26 شباط/ فبراير، بيانا شديد اللهجة ضد الهيئة وزعيمها أبي محمد الجولاني، ووصف
فيه الجولاني ومن بقي معه بأنهم "بغاة مارقون أو مرتزقة مأجورون، أو أغبياء
مغفلون، وهم محاربون يجب قتالهم حتى يستسلموا ويحاكموا". وفي ذروة الاقتتال
اغتنم تنظيم القاعدة بالإعلان عن تنظيم "حراس الدين"في 27 شباط/ فبراير
2018. وبهذا، فقد أثمرت الاستراتيجية التركية المتدرجة إلى جانب استراتيجية
القاعدة الصبورة إلى تفكيك "هيئة تحرير الشام" وإضعافها.
خلاصة القول أن
تنظيم القاعدة أصبح لديه فرع واعد في سوريا من خلال تنظيم "حراس الدين"،
وقد كان جليا أن الجولاني لا يمكن أن يصمد في مواجهة الظواهري، ذلك أن مجد
الجولاني وسمعة النصرة لم تكن ممكنة بدون دعم وإسناد الجهادية العالمية. وفي معركة
تمثيل "الجهاد"، يصعب تأسيس مدرسة ثالثة تزاجم مدارس الجهادية النكائية
والتمكينية، وهي مدارس عريقة يتنافس على تمثيلها تنظيما القاعدة والدولة. وإذا
كانت نصرة الجولاني تحاول إحياء الجهادية التضامنية بتأسيس مدرسة جديدة تتبع نهج
عبدالله عزام، فقد ولّت تلك المدرسة مع بروز العولمة ونهاية الحرب الباردة. إذ
يتطلب الجهاد التضامني إسنادا دوليا إقليميا غير ممكن في عصر العولمة، كما يحتاج
الجهاد التضامني إلى حركة جهادية تتمتع بقاعدة اجتماعية واسعة على أسس إثنية أو
مذهبية، وظهور رموز قيادية كارزمية استثنائية لا تتوافر في شخص الجولاني ولا في من
حوله. فجبهة القتال في سوريا لم تعد تحتمل سوى النظام وحلفائه من جهة وممثلي
الجهادية العالمية من جهة أخرى، وجبهة الجولاني في طريق التفتت والزوال سلما أو
حربا، وخيارات مقاتليه تنحصر بترك السلاح أو عقد صفقة مع النظام أو الانحياز إلى
الجهادية العالمية وممثليها الأشد صلابة: الدولة الإسلامية
وقاعدة الجهاد.