هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
خصصت صحيفة "الغارديان" افتتاحيتها للحديث عن الوضع في الغوطة الشرقية، مؤكدة أن المدنيين هم الذين يدفعون ثمن التنافس الكبير بين القوى الكبرى على سوريا.
وتبدأ الصحيفة افتتاحيتها بالقول: "أطفال ملطخون بالدم، وأطفال مشوهون، وأطفال أخرجوا من تحت الأنقاض، لونهم رمادي من الغبار، ورئاتهم قد ملئت بالرمل، والأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم وإخوانهم، وهؤلاء هم الناجون، وأصدرت منظمة اليونيسيف (بيانا) فارغا، عبرت فيه عن الغضب، قائلة إنها لا تجد الكلمات المناسبة لوصف الوضع، الغوطة الشرقية تعاني بعد سنوات طويلة من الحصار والهجمات الكيماوية المتكررة، بما فيها الهجوم بغاز السارين عام 2013، وها هي المعاناة تزيد مرة أخرى، وفي ظل هذا الرعب، تساءل واحد من الذين علقوا غير مصدق: هل نحن حقيقة أحياء؟ وهل يعرف الناس في الخارج أننا موجودون، وأننا لا نزال أحياء في هذه الملاجئ الأرضية؟".
وتقول الافتتاحية، التي ترجمتها "عربي21"، بعد هذه المقدمة القوية، إن "الغوطة الشرقية الواقعة قرب العاصمة دمشق اعتبرت، وقبل أقل من عام واحد، (منطقة آمنة)، في صفقة بين روسيا وتركيا وإيران، ويعيش في هذا الجيب، الذي تسيطر عليه المعارضة، أكثر من 400 ألف نسمة، لا يزالون محاصرين هناك، وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن 700 شخص ماتوا في الأشهر الماضية، لكن الاعتداءات التي وقعت الأسبوع الماضي أسفرت عن مقتل أكثر من 250 شخصا، والعشرات يوم الأربعاء، وتم ضرب سبع مستشفيات يوم الاثنين، ويقول شهود عيان إن براميل متفجرة استخدمت في الهجمات، والحصار والقصف لا يمثلان جريمة حرب فقط، لكن جريمة حرب على جريمة حرب".
وتشير الصحيفة إلى أنه "تم تجاهل دعوات الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار، وإن كان شيء سيحدث فإن الوضع سيزداد سوءا، حيث نقلت وكالة أنباء (رويترز) عن قائد موال للأسد، قوله: (لم يبدأ الهجوم بعد، هذا قصف أولي)، ويحذر السوريون من أن هذا الهجوم قد يكون أسوأ من الحصار على حلب، وقارن طبيب في الغوطة الشرقية الوضع بما جرى في سربرينتشا، التي وعد المجتمع الدولي أنها لن تتكرر، ولا أحد يقوم الآن حتى بتقديم هذه الوعود".
وتذهب الافتتاحية إلى أن "العنف الذي يمارسه النظام ليس خارجا عن السيطرة، بل هو عملية محسوبة ومرخصة، فخلف كلمات الأسد، التي هدد فيها بتدمير (الإرهابيين) هناك واقع فج: لا أحد سيوقفه، حيث كتب المؤرخ الإغريقي ثوسيديدس: (إن القوي يفعل ما يريد، والضعيف يعاني كما يجب)، وقد كتب هذه المقولة في القرن الخامس قبل الميلاد، متخيلا حصار أثينا لميلوس، والثمن الذي دفعته المقاومة الميلوسية، ويرى المؤرخون أن الحرب أطلقت العنان للجشع والطموح والوحشية والقسوة، لكنها خلقتها بشكل أضعف، وحرفت المعايير الأخلاقية وأدت إلى مزيد من النزاع".
وتلفت الصحيفة إلى أن "أسباب النزاع الذي مضى عليه سبعة أعوام اختفت في ظل تنافس عدد من اللاعبين، الذين يتابعون مصالحهم، ويبحثون عن الأرباح في اقتصاد الحرب، وقد استثمر الأقوياء كثيرا، ولا يمكنهم التراجع الآن، أو الالتفات للسوريين الذين دمروهم بسبب طموحاتهم، فاختنقت الغوطة الشرقية (سلة غذاء دمشق) بالغبار والجوع، وقد سرقت الحروب المتداخلة حياة حوالي نصف مليون سوري، وشردت نصف السكان، وأجبرت ستة ملايين نسمة على الرحيل للخارج ليعيشوا في الخطر، وكان الرد على معاناتهم غير مناسب، وأسوأ من هذا فكانوا يواجهون عداء ولا إبالية".
وتبين الافتتاحية أنه "حتى مع بدء المعاناة في الغوطة الشرقية، فإنه حدث تطوران سلطا النظر على التجادل في هذه الكارثة، وحقيقة أن لا نهاية لها في الأفق، ففي يوم الثلاثاء أطلقت المدفعية التركية النيران على الجماعات الموالية للنظام، التي دخلت بلدة عفرين دعما للمقاتلين الأكراد، الذين يواجهون الهجوم التركي، وفي الوقت ذاته اعترفت روسيا (بمقتل العشرات) من مواطنيها وعدد من مواطني دول الاتحاد السوفييتي السابق في الغارة الأمريكية على دير الزور في شرق سوريا، وجاء هذا بعد نفيها التقارير واصفة إياها بأنها صورة عن (التضليل الكلاسيكي)، حيث اكتشفت روسيا -كما فعلت أمريكا في العراق- أن سحق المقاومة ليس مثل النصر أو الخروج".
وتفيد الصحيفة بأن "الولايات المتحدة لا تتوقع الخروج، حيث كان وزير الخارجية واضحا، وانجرت إسرائيل وبعمق للفوضى، حيث تواجه إيران الجريئة والمتحصنة، وتريد أن تبعد مليشيا (حزب الله السوري) بعيدا عن حدودها".
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بالقول إن "التحالف غير العملي الذي أقامته الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم الدولة انهار مع تفكك (الخلافة)، التي سيظل جنودها خطرا في سوريا ومناطق أبعد، وعادت الأطراف المتعددة للعداء، وكما حذر ثوسيديدس، فإن الحرب تخلق مسارها ومنطقها، فالكارثة متعددة الأطراف تنمو باستمرار".