هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلها في أفريقيا جيسون بوركي، يقول فيه إن تنظيم الشباب المتطرف بدأ بابتزاز مبالغ ضخمة من الشعب الجائع، ويجند بالقوة مئات الأطفال في صفوفه مقاتلين وانتحاريين، في وقت يعاني فيه هذا التنظيم "الإرهابي" من تراجع في الدخل المادي وفي المعنويات.
وألقت وثائق الاستخبارات ومحاضر التحقيقات مع الفارين حديثا من التنظيم، والمقابلات التي أجرتها "الغارديان" مع سكان المناطق في الرقعة الواقعة في وسط وجنوب الصومال، التي يسيطر عليها تنظيم الشباب، الضوء على صرامة الحكم القاسي للتنظيم، لكنها أظهرت أيضا دعما مهما في بعض المناطق.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه يتم ارتكاب انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان بمستوى تلك الانتهاكات التي ارتكبها تنظيم الدولة في العراق وسوريا على يد المتطرفين، في الوقت الذي يغض فيه الغرب الطرف بشكل كبير؛ لأن معظم المحللين لا يرون في المجموعة تهديدا لأوروبا أو بريطانيا أو أمريكا.
ويذكر بوركي أن المجموعة قامت بإعدام عشرات "المجرمين"، وطبقت عقوبات وحشية على المثليين، وقامت بفرض زيجات إجبارية، واستخدمت المدنيين دروعا بشرية.
وبحسب تحقيقات "الغارديان"، فإن المجموعة قامت عام 2017 برجم رجل بتهمة الزنا، وتم في حادثة أخرى إعدام أربعة رجال وصبي يبلغ من العمر 16 عاما رميا بالرصاص؛ بتهمة التجسس لصالح السلطات الصومالية، وتم في حادثة ثالثة إعدام رجل عمره 20 عاما، وصبي عمره 15 عاما في ميدان عام، بعد أن وجدتهما محكمة دينية مذنبين بالمثلية الجنسية.
ويلفت التقرير إلى أنه تم جلد ما لا يقل عن خمسة أشخاص العام الماضي، بعد اتهامهم بالقيام بـ"تصرفات غير لائقة ولا أخلاقية"، ومن ضمنهم شخصان يبلغان من العمر 15 و17 عاما، جلد كل منهما 100 جلدة بتهمة "زنا غير المحصن".
وينقل الكاتب عن مسؤولين من الأمم المتحدة، قولهم إنه وصلهم تقارير حول عمليات رجم لارتكاب الزنا، ووصف القائد السابق للشباب حسن ضاهر أويس، الذي انشق عام 2013، هدف الشباب بأنه "حكومة إسلامية دون تدخل من القوى الغربية في الصومال".
وتفيد الصحيفة بأن حركة الشباب، التي سيطرت في فترة ما على جنوب ووسط الصومال، بما في ذلك العاصمة مقديشو، اضطرت إلى التراجع إلى المناطق النائية، من خلال قوة عسكرية من القوى الإقليمية قبل سبعة أعوام، لافتة إلى أن المجموعة أثبتت منذ ذلك الحين مرونتها، و"تبقى إحدى أخطر المنظمات الإرهابية في العالم، لكن يبدو أنها تعاني من أزمة في المعنويات والتمويل، ما يدفعها لابتزاز المجتمعات النائية الفقيرة".
ويورد التقرير نقلا عن أحد المنشقين عن التنظيم من وسط الصومال، قوله لمحققي الحكومة بأن التنظيم يفرض على "المسلمين الدفع لكل شيء تقريبا ما عدا دخول المسجد"، فيما قال آخر إن "وزارة المالية"، التي تشكل جزءا من الحكومة الموازية، التي أقامها التنظيم، هي وزارة "كريهة".
وينوه بوركي إلى أن القائد ذا الرتبة المتوسطة، الذي انشق عن التنظيم، وصف قبل أربعة أشهر كيف تفرض ضرائب على آبار الماء بقيمة 20 ألف دولار للشهر الواحد، و3.5 دولار على كل جمل يشرب من ماء البئر، وقال إن بلدة صغيرة دفعت ضريبة جماعية قدرها ألف جمل (كل واحد قيمته 500 دولار) وعدة آلاف من رؤوس الماعز.
وتقول الصحيفة إنه بالإضافة إلى ذلك، فإن الشاحنات التي تستخدم الطرقات في مناطق التنظيم عليها أن تدفع 1800 دولار للرحلة الواحدة، كما أن التنظيم يجبي 5% على مبيعات الأراضي كلها، بالإضافة إلى ضرائب إضافية يفرضها على المجتمعات المحلية، مثل فرض 100 ألف دولار "للتعليم"، بحسب ما قال المنشق، مشيرة إلى أن هناك مؤشرات على أن الحركة تعاني من نقص في القوة البشرية.
وينقل التقرير عن منشق ثالث، قوله إن الشباب يصرون على حضور الأطفال الذكور لمدارس داخلية، من سن الثامنة، ثم يدربون على القتال في سن المراهقة.
ويورد الكاتب نقلا عن مدير الأبحاث في معهد "هورن إنترناشيونال للدراسات الاستراتيجية" محمد مبارك، قوله: "مع وصولهم إلى ذلك السن يكون قد تم تلقينهم ولم يعودوا تحت سيطرة والديهم".
وتشير الصحيفة إلى أنه بحسب السلطات الصومالية، فإن الجيش قام بمداهمة مدرسة يديرها الشباب، وأنقذ 32 طفلا أخذوا ليقوم التنظيم بغسل أدمغتهم، واستخدامهم انتحاريين، حيث قال المنشق عن التنظيم: "كان الشباب يطلبون المال أو الأطفال من القبائل، لكنهم اليوم يطلبون الاثنين".
وبحسب التقرير، فإن حركة الشباب حذرت الناس من أنهم سيعاقبون -وربما يعدمون كونهم عملاء- إن هم اتصلوا بأي شكل مع المنظمات الإنسانية، لافتا إلى أن سلسلة من سنين الجفاف أصابت الصومال، حيث كانت الجهود الإغاثية الكبيرة هي التي ساعدت مئات الآلاف البقاء على قيد الحياة العام الماضي.
ويلفت بوركي إلى أن حملة عسكرية أطلقها الرئيس محمد عبدالله محمد، وبدعم أمريكي، شهدت غارات جوية مكثفة على أهداف للشباب، واضعة المتطرفين تحت ضغط شديد، مشيرا إلى أن الخوف من العملاء أدى إلى سلسلة من عمليات التطهير الداخلي، حيث يتم سجن المشتبه بهم وتعذيبهم بوحشية.
وتنقل الصحيفة عن أحد المنشقين، قوله: "مستوى عدم الثقة عال جدا، بحيث يذهب الشخص للمعركة وهو خائف من أن يضرب في الخلف من رفاقه.. وعندما يأخذ المقاتلون إجازة، فإن نصفهم فقط يعود، ويقوم الشباب بإرسال دوريات إلى البيوت لتجميع الهاربين، ويبقونهم في السجن ليوافقوا على الانضمام ثانية للتنظيم".
ويورد التقرير نقلا عن المسؤول الحكومي عن توزيع المساعدات الإنسانية في جنوب ووسط الصومال عبدالرحمن محمد حسين، قوله إن المتطرفين يستخدمون السكان المحليين دروعا بشرية، وأضاف: "لا يريدون أن يغادر الناس؛ لأنهم يخشون من الغارات الجوية في حال مغادرة المدنيين".
ويكشف الكاتب عن أن تنظيم الشباب يفرض قيودا شديدة على الإعلام، بحسب المنشقين، حيث قال أحدهم: "معظم الناس يستمعون لراديو الشباب، أو يحصلون على الأخبار من محاضرات الشباب، التي تستمر لساعات وتتحدث عن الدين، والتي يفرض على الجميع حضورها"، فيما قال آخر إن بعض الناس يخاطرون بالتعرض لعقوبة قاسية، ويستمعون لإذاعة "بي بي سي" أو صوت أمريكا سرا.
ويقول مبارك: "الحياة صعبة في المناطق التي يسيطر عليها الشباب، ليس هناك طعام ولا مساعدات، ويتم أخذ الأطفال.. ولا يزال الشباب يحاولون تصوير أنفسهم بأنهم مدافعون عن الهوية الصومالية، وهناك تعاطف مع هذه الرسالة، لكنها لا تترجم إلى دعم حقيقي".
وتستدرك الصحيفة بأنه مع أن العقوبات القاسية والمصادرات والضرائب والاختطاف كلها تتعارض مع توجيهات زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، الذي وجه التنظيمات المحلية إلى الحصول على رضا المجتمعات المحلية ودعمها، إلا أن تصرفاتهم تشبه تلك التي يقوم بها تنظيم الدولة.
ويبين التقرير أن تنظيم الشباب يتلاعب بالخلافات القبلية، ويستفيد من فشل السلطات المحلية في توفير الخدمات الأساسية، حيث قال عدد من الذين تمت مقابلتهم بأنهم يفضلون استخدام النظام القضائي للشباب، مشيرين إلى أن المجموعة جلبت الأمن.
وينوه بوركي إلى أنه في إحدى الحالات العام الماضي قام زعيما عشيرتين في منطقة بيليدوين في منطقة هيران باستخدام نظام الشباب القضائي للبت في قضية اغتصاب، فحكم على المغتصب بالرجم حتى الموت، حيث قال عبدالرحمن غولد نور، وهو قريب ضحية الاغتصاب في مقابلة هاتفية: "قررنا الذهاب إلى محكمة الشباب؛ لأن القاضي يحكم بالقوانين الإسلامية، وليست هناك محسوبيات أو فساد .. ولو ذهبنا إلى محكمة حكومية فإن المغتصب لم يكن لينال عقابه، وكان سيدفع مبلغا للمحكمة فتطلق سراحه".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن محمد حسين، وهو مزارع من برير، التي تبعد 40 ميلا جنوب مقديشو، عاد إلى بلده بعد أن سيطر الشباب على المنطقة، ويقول: "عندما كان عسكر الحكومة هنا كانت هناك سرقات وحواجز غير قانونية وقتل .. لكن الشباب يقطعون يد السارق، ويقتلون من يقومون بالنهب، وتحكم المحاكم الإسلامية على المجرمين بأحكام قاسية، ولذلك يخشاهم الجميع، ولذلك نحن في سلام تحت حكم الشباب، وإن لم تكن لديك مشكلة معهم فإنهم يتركونك وشأنك".