هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا للكاتبة دينا كرافت، تنقل فيه صورة عن الحياة في غزة، مبتدئة الحديث عن مصنع البوظة والمرطبات الذي يملكه محمد تلبني، الذي يصر على إبقاء هذا المصنع، الذي أنشأه قبل 41 عاما، يعمل.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن المصنع يشكل مصدر رزق له ولعائلته الكبيرة، بالإضافة إلى 300 موظف يعملون فيه، مستدركا بأنه في أجواء العواصف السياسية والاقتصادية، والأزمة الإنسانية المتزايدة التي تجتاح هذا القطاع الصغير، فإنه يقول إن العبء أكبر من أن يحتمل.
وتبين الكاتبة أنه بسبب أن الكهرباء لا تتوفر سوى 4 إلى 8 ساعات في اليوم، فإنه من الصعب إبقاء الماكينات تعمل، مشيرة إلى قول تلبني إنه لا يستطيع الدفع للعمال سوى لـ 12 مناوبة في الشهر.
وتبين المجلة أن المتاجر لا تستطيع تشغيل الثلاجات لحفظ البوظة، بالإضافة إلى أن الأهل لا يملكون المال الكافي لشرائها على أي حال، حيث يقول تلبني: "هذه أسوأ فترة على الإطلاق في حياتي، نحن مررنا بأوقات عصيبة جدا، لكن هذه المرة أصبح كل شيء صعبا"، وأضاف: "توجد مواد غذائية هنا.. لكن من معه المال ليشتري أي شيء؟ الناس يأكلون الطحين والماء وبعض الشاي وليس أكثر، وإن استطاعوا فإنهم يشترون بعض العدس والحمص والفول".
ويجد التقرير أن هذه التحديات التي يواجهها تلبني تعكس مشكلة أوسع تصيب غزة، حيث يعيش مليونا شخص في واحدة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية، مشيرا إلى أن حوالي 70% من أهل غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية، بحسب "هيومان رايتس ووتش".
وتلفت كرافت إلى أن حجم البطالة يصل إلى 43%، بحسب البنك الدولي، ونصيب الشباب من هذه البطالة هو 60%، كثير منهم خريجو جامعات، ولا أمل لديهم في الحصول على وظيفة، مشيرة إلى أن الأدوية شحيحة، ويعتمد الناس على المياه المعبأة؛ لعدم وجود مياه صالحة للشرب، والتجار يملأون السجون؛ لأنهم لا يستطيعون دفع ديونهم.
ونقول المجلة إن المحللين يعزون الأزمة الحالية جزئيا إلى حالة الفراغ السياسي؛ بسبب تعثر مباحثات المصالحة بين حركتي حماس وفتح، مستدركة بأن اقتصاد غزة اختنق بسبب عشر سنوات من الحصار الإسرائيلي، الذي فرض عندما سيطرت حركة حماس على القطاع.
ويعلق التقرير قائلا: "إن كانت معرفة سبب المشكلة في العادة تشير إلى سبل الحل، إلا أن المعاناة المتنامية لأهل غزة لم تدفع الأطراف الرئيسية الفاعلة، حركة حماس وحركة فتح وإسرائيل ومصر، إلى تغيير المسار، بالإضافة إلى أن هناك غيابا للتجاوب مع الأزمة من أمريكا والعالم العربي والدول المانحة بشكل عام، ما يسهم في مشاعر التخلي لدى الغزيين".
وتورد الكاتبة نقلا عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر مخيمر أبو سعدة، وهو من القلة من الغزيين الذين يعملون ويقبضون رواتب كاملة، تساؤله قائلا: "هل هناك طريقة للقول بأننا نذهب من سيئ إلى أسوأ إلى الكارثة؟".
وتذكر المجلة أن البنايات السكنية والتجارية، بما فيها جزء من مصنع تلبني، لا تزال مدمرة أو مدمرة جزئيا، ولم يتم إصلاحها منذ الحرب الأخيرة على غزة، لافتة إلى أن الصراع بين حركتي حماس وفتح تسبب بتعثر الاقتصاد الهش، واضطرت حركة حماس إلى خفض رواتب 43 ألف موظف بنسبة 40%، في الوقت الذي خفضت فيه حركة فتح رواتب موظفي السلطة الفلسطينية، البالغ عددهم 60 ألفا، بنسبة ما بين 30% إلى 50%، حيث ينظر إلى ذلك على أنه وسيلة للضغط على حركة حماس للقبول بشروط حركة فتح للمصالحة، التي ستؤدي إلى تسلم السلطة الفلسطينية السيطرة على غزة.
وينوه التقرير إلى أن مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف حذر هذا الشهر بأنه في حال سيطرة السلطة الفلسطينية على غزة فإن هناك خطرا "بأن تنفجر غزة في وجوهنا مرة أخرى، لكن هذه المرة بشكل قاتل وعنيف أكثر من الماضي"، مشيرا إلى أن الأمر ذاته فعله رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الفريق غادي إيزينكوت، الأسبوع الماضي، الذي حث الحكومة الإسرائيلية على فعل شيء، محذرا من أن غزة على وشك الانهيار، وهو ما يشكل خطرا على إسرائيل.
وتقول الكاتبة إن "الناس داخل غزة يقولون إن أفضل ما يمكن أن تفعله إسرائيل هو رفع الحصار، الذي فرضته إسرائيل عام 2007، بعد أن قامت حركة حماس بطرد حركة فتح من غزة، عقب الاقتتال بينهما، وترك ذلك الاقتتال جروحا عميقة، ثبتت صعوبة علاجها، بالرغم من توقيع اتفاقية مصالحة بين الفصيلين المتنافسين".
وتستدرك المجلة بأنه مع أن إسرائيل غير موجودة في غزة، حيث انسحبت عام 2005، إلا أنها تسيطر على المعابر والأجواء والمياه، وتبرر حصارها لغزة، الذي تخففه وتشدده أحيانا، بأن حركة حماس مصرة على تدمير إسرائيل، لافتة إلى أن التوترات الناتجة عن الحصار الإسرائيلي لغزة والصواريخ الفلسطينية ضد المستوطنات الإسرائيلية تسببت بثلاث حروب بين حركة حماس وإسرائيل، التي كانت مدمرة لمواطني غزة.
وينقل التقرير عن المتحدثة باسم حركة غيشا لتأييد حرية الحركة للفلسطينيين، مريم مرمور، وصفها للحصار بأنه "سياسة حرب اقتصادية ضد قطاع غزة"، وتقول إن ذلك جزء من هدف إسرائيل، وهو أن تفصل الضفة الغربية عن غزة سياسيا واقتصاديا.
وتشير كرافت إلى أن إسرائيل قامت في 2006، بعد اختطاف جندي إسرائيلي، بضرب محطة توليد الطاقة، وضربت البنية التحتية الكهربائية في القطاع، التي لم تتعاف إلى الآن، حيث تزايدت الحاجة للكهرباء في غزة مع تزايد عدد سكانها، في الوقت الذي تردت فيه شبكة الكهرباء، لافتة إلى أن السلطة الفلسطينية خفضت في الفترة الأخيرة من الأموال المدفوعة لإسرائيل لإمداد غزة بالكهربا، ما أدى إلى المزيد من انقطاع التيار الكهربائي.
وتذهب المجلة إلى أن ما زاد من الأزمة هو حدة تعثر المصالحة بين حركتي فتح وحماس، التي يقول المحللون إن مصر تلام جزئيا عليها؛ لأنها كانت ترعى تلك المصالحة، لكنها انشغلت بمحاربة المتمردين في سيناء والانتخابات الرئاسية الشهر القادم، ويقول أبو سعدة إن هناك فراغا سياسيا في غزة، وكل طرف يلوم الآخر على المعاناة الحاصلة.
وينقل التقرير عن مدير قسم فلسطين وإسرائيل في "هيومان رايتس ووتش"، قوله: "ما يقلقني هو أن الكل ينظر إلى غزة على أنها مختبر ليرى كيف تكون ردة فعل الناس هناك، بدلا من التعامل معهم على أنهم بشر يجب احترام حقوقهم.. وتتحمل إسرائيل المسؤولية الأساسية؛ لأنها تسيطر على الحدود، لكن السلطة الفلسطينية وحركة حماس تتحملان مسؤولية أيضا؛ لأن بإمكانهما أن تقوما بما هو أفضل".
وتبين الكاتبة أن ما يزيد من قلق الناس هو تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن يقطع التمويل للفلسطينيين، من خلال الأونروا، إن لم يعد الفلسطينيون لطاولة المفاوضات.
وبحسب المجلة، فإن إسرائيل اقترحت في اجتماع في بروكسل للدول المانحة، خطة تكلفتها مليار دولار لإعادة تأهيل غزة، حيث تساعد إسرائيل في إنشاء محطات تحلية وتقوي الكهرباء وخطوط الغاز الطبيعي، وتساعد في تطوير المنطقة الصناعية في معبر إيريز.
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى أن المانحين مترددون بالتبرع لغزة، حيث يعد العديد منهم أن الأزمة تتم صناعتها سياسيا، من خلال الاقتتال الداخلي الفلسطيني، ومن إسرائيل أيضا، بحسب ما قاله رئيس مكتب منظمة الصحة العالمية في الضفة الغربية وغزة جيرالد روكينشوب.