هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
احتفلت وسائل إعلام إسرائيلية بزيارة وفد دبلوماسي من تل أبيب لماليزيا، بعد قطيعة زادت على نصف قرن، معتبرة الزيارة كسرا لجدار الجليد، في ظل المواقف المعلنة للحكومات الماليزية، الرافضة لإقامة علاقة دبلوماسية مع إسرائيل، مشترطة تنفيذ إسرائيل جميع القرارات الدولية الصادرة عن هيئة الأمم ومجلس الأمن بشأن القضية الفلسطينية.
في المقابل، أبدت وسائل إعلام فلسطينية حذرها من هذه الزيارة، ورأت بعض هذه الوسائل أن الزيارة بداية التطبيع في العلاقة، والدافع لهذه المواقف أنه ولأول مرة يزور وفد إسرائيلي رسمي ماليزيا، التي لا تقيم معها علاقات دبلوماسية. واستغرقت زيارة الوفد أسبوعا، وترأسه دافيد روت من كبار الموظفين في الخارجية الإسرائيلية، وعدد من مسؤوليها، وعضو الكنيست، ووزير الداخلية الأسبق عن حزب العمل أوفير بينس، وشخصيات أخرى.
وأجري خلال الزيارة مباحثات مع مسؤولين حكوميين، وفق الرواية الإسرائيلية، ولم تتضح مضامين اللقاءات، وذلك في إطار مؤتمر دولي تابع للأمم المتحدة استضافته ماليزيا.
ودخل "روت" والوفد المرافق له ماليزيا بجوازات سفر دبلوماسية إسرائيلية، وشاركوا في المؤتمر الأممي بصفتهم الرسمية.
ويرى متابعون أن الدبلوماسية الإسرائيلية تركز على التعاون الاقتصادي والفني مع الدول التي لا تقيم معها علاقات دبلوماسية، الذي قد يؤدى مستقبلا إلى فتح الطريق أمام العلاقات السياسية الكاملة عندما تتهيأ الظروف المناسبة.
"مبالغة في حجم الزيارة الإعلامي"
المحلل السياسي الدكتور احمد رفيق عوض، يعتقد أن إسرائيل "تريد أن تعطي الزيارة أكبر من حجمها، وقد لا يترتب عليها أي شيء".
وحول أهداف الزيارة غير المعلنة، أوضح في حديثه لـ"عربي21": "بالرغم من عدم وجود علاقات بين ماليزيا وإسرائيل، ولكن أيضا ليس هناك علاقات عدائية بينهما من جهة، ومن جهة أخرى إسرائيل تريد أن تفتح أسواقا وعلاقات جديدة في جنوب شرق آسيا، وتعد ماليزيا سوقا كبيرا ومتقدما ومتطورا، وتريد إسرائيل أن تبيعها تكنولوجيا وأسلحة، إضافة إلى السيطرة على مواقفها التقليدية من القضية الفلسطينية".
واعتبر الزيارة محاولة "اختراق" لجنوب شرق آسيا، بالرغم من أن "إسرائيل قد لا تنجح في ذلك مع ماليزيا، التي ليست بحاجة إلى إسرائيل، ولكن هذا أيضا نوع من استكشاف مجالات التعاون من أجل الاختراق السياسي والدولي".
وأضاف عوض أن الزيارة "محاولة لكسر الخزان التقليدي للحقل الفلسطيني، وتفكيك الموقف الإسلامي المؤيد للشعب الفلسطيني وحقه".
ونوه إلى أن "الزيارة يمكن أن تكون فقط مجرد استكشاف، وقد لا يكون لها أثر، لكنها محاولة إسرائيلية لخلق مكان لها في جنوب شرق آسيا".
وحول الموقف الماليزي، لا يعتقد عوض أن يحصل "تغير في الموقف الماليزي في وقوفها مع الحق الفلسطيني".
البوابة الاقتصادية
بدوره، اعتبر المحلل السياسي، الدكتور عمر جعارة، أن الزيارة ضمن محاولات الدبلوماسية الإسرائيلية وخطواتها.
ونوه إلى أن "هذه الدبلوماسية فشلت فشلا ذريعا في أكثر من موقف".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21": "الفشل كان في داخل القارة الآسيوية وفي أوروبا، الفشل واضح في أوروبا، خاصة بعد اجتماع نتنياهو مع 18 وزير خارجية للدول الأوروبية، فكان اجتماعا فاشلا بكل ما تعنيه الكلمة، وهذا رأي إسرائيلي".
أما في آسيا، فيتابع: "إذا أخذنا الهند معيارا للتقدم الدبلوماسي الإسرائيلي في آسيا، فنقول إن زيارة نتنياهو للهند من أفشل الزيارات، وعندما جاء رئيس الوزراء الهندي إلى فلسطين المحتلة، قال له نتنياهو بالحرف الواحد: انتظرنا هذه الزيارة منذ سبعين عاما، ومع ذلك، تعدّ من أفشل الزيارات الدبلوماسية في تاريخ الدبلوماسية الإسرائيلية؛ لأن الهند أولا امتنعت عن التصويت لصالح الاحتلال في القرار الذي أزعج إسرائيل كثيرا في الجمعية العامة".
وأضاف أن "رئيس الوزراء الهندي لم يقبل زيارة الضفة الغربية بعد لقائه نتنياهو، وقرر أن يزورها في زيارة خاصة، وهذا ما حدث قبل أيام، أضف إلى ذلك أن نتنياهو افتخر بتوقيعه اتفاقيات بمليار دولار مع الهند، ومع ذلك فهي لا تزال في حيز الشك لا في حيز التنفيذ".
وبالنسبة لماليزيا، قال أستاذ العلوم السياسية عمر جعارة: "إن ماليزيا أصلا دولة اقتصادية، ورئيس وزراء ماليزيا تنطبق عليه صفة تاجر كبير، قبل أن تنطبق عليه صفة رئيس بالدرجة الأولى، ومع ذلك فإن زيارة وفد إسرائيلي لا تعني الاعتراف بدولة إسرائيل، ولا تعني عدم الاعتراف بدولة فلسطينية، ولا تعني علاقات اقتصادية، فماليزيا من النمور الآسيوية، وبالتالي تعدّ الزيارة حركة انتخابية لتعزيز الليكود لدى الناخب الإسرائيلي".
تاريخ العلاقة
في عام 1956، زار وزير الخارجية الإسرائيلي "موشيه شرِت" كوالالمبور، وكانت ماليزيا وقتها تحت الاستعمار البريطاني، وقد استفادت ماليزيا من التجاوب المبدئي في حينه، أن حفّز بريطانيا على دعم ماليزيا للدخول كعضو مستقل في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1957.
إلا أنه في ستينات القرن الماضي، رفضت الحكومة الماليزية بشكل واضح مبادرات إسرائيلية لإنشاء علاقات دبلوماسية وتجارية بشكل محدود، وبرّرت موقفها الرسمي بشكل واضح، قائلة "إنها لن تفعل ذلك؛ لأن جزءا كبيرا من الشعب الماليزي رافض لهذه العلاقات، إلى جانب الضغوط من الدول العربية عليها في هذا الجانب".
لكن في نيسان/ أبريل 1997، استضافت ماليزيا فريق الكريكيت الإسرائيلي ضمن دورة شاركت فيها 22 دولة برعاية المجلس العالمي للكريكيت. وأثارت استضافة الفريق الإسرائيلي احتجاجات واسعة في ماليزيا، وفرقت الشرطة التظاهرات بالقوة.
وقبل بداية هذا القرن بعام، نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت خبرا ذكر أن وزير الخارجية الماليزي، سيد حامد البار، التقى سرا نظيره الإسرائيلي ديفد ليفي على هامش اجتماعات هيئة الأمم المتحدة، وأنه تمّ الاتفاق على تشكيل فريقي عمل يلتقيان في أمريكا؛ لمناقشة سبل التعاون بين الطرفين.
وفي نهاية شهر آذار/ مارس 2005، استضافت كوالالمبور مؤتمر "السلام في فلسطين"، حضره خمسة إسرائيليين لأول مرة.
وفي منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2005، عقدت كوالالمبور مؤتمرا حول السلام الدولي، ووضع في مكان المؤتمر العلم الإسرائيلي مع عدد من أعلام الدول.
ومنعت السلطات الماليزية، عام 2015، متزلجين إسرائيليين من دخول أراضيها للمشاركة في بطولة العالم لإبحار الشباب.
وجددت ماليزيا عام 2014 رفضها إقامة علاقات تجارية مباشرة مع إسرائيل، وكذلك علاقات دبلوماسية.
وقال وزير الصناعة والتجارة الدولية الماليزي، مصطفى محمد، في تصريح صحفي إن "ماليزيا تتمسك بموقفها الرافض لإقامة أي علاقة دبلوماسية أو اقتصادية مع دولة إسرائيل".
ووفقا للموقع الإلكتروني للجنة المركزية للإحصاءات الإسرائيلية، في عام 2015، بلغت التجارة بين البلدين نحو 1.43 مليار دولار، وانخفضت في عام 2016 إلى أقل بقليل من 600 مليون دولار.
واعتبرت ردة فعل ماليزيا على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في السادس من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بأنها "أشد" ردة فعل من بين الدول العربية والإسلامية.
وصرح حينها وزير الدفاع الماليزي، هشام الدين حسين، بأن جيش بلاده مستعد لـ"الاضطلاع بواجباته" تجاه مدينة القدس.
ويبلغ عدد سكان ماليزيا، التي تقع في جنوب شرق آسيا، أكثر من 31 ميلون نسمة، 60% منهم مسلمون.