توجه الرئيس الإريتري إلى
الإمارات بتاريخ 31 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، استجابة لدعوة الشيخ محمد بن زايد. جاءت هذه الزيارة بعد يومين من زيارة الرئيس التركي للسودان، وناقش أفورقي ومحمد بن زايد خلال الزيارة أوجه التعاون، وتبادلا وجهات النظر حول الأحداث في المنطقة، حسب المعلن. لكن الزيارة طغى عليها الطابع الأمني، حيث حضر اجتماعات الطرفين رئيس الأمن الوطني الإماراتي، بما يوحي بصحة الأخبار التي كانت متداولة حول الوجود العسكري الإماراتي
المصري في غرب إريتريا، بالقرب من الحدود
السودانية الإريترية، ومن الإمارات توجه الرئيس أفورقي مباشرة إلى مصر التي استقبل فيها استقبالا حافلا من قبل عبد الفتاح السيسي، خلافا للاستقبال الذي كان يحظى به في زياراته السابقة.
في المقابل، صاحبت زيارات أفورقي ومباحثاته مع محمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي؛ إغلاق السودان حدوده مع إريتريا، واستنفار قواته الأمنية والعسكرية في الحدود الفاصلة بين البلدين.
القلق الإماراتي يقلق إريتريا
عبر أفورقي في لقائه الأخير عن قلقه من التمدد التركي بالمنطقة، وبينما أقر بسيادة السودان على أراضيه وأحقيته في إبرام الاتفاقيات مع من يشاء من دول، إلا أنه عبر عن رفضه التام للوجود العسكري التركي في الصومال أو السودان. هذا القلق يتناقض مع تصريحات سابقة لمسؤولين إريتريين عبروا عن عدم قلقهم من وجود قواعد عسكرية أجنبية في المنطقة، فقد أكد قبل أشهر قليلة؛ نائب رئيس القوات البحرية الإريترية، في لقاء صحفي، عدم قلق إريتريا من كثرة القواعد العسكرية الأجنبية في دولة جيبوتي المجاورة، التي تعتبر في حالة توتر مع إريتريا. إذن لماذا القلق من الوجود التركي دون القواعد العسكرية الأجنبية الأخرى في المنطقة؟ وهذا ما يجعلنا نميل إلى أن قلق الرئيس أفورقي ليس قلقا إريتريا، بل هو قلق حلفائه، وخاصة الإمارات التي تسعى لبسط نفوذها البحري في منطقة القرن الإفريقي، كما صرح بذلك محمد بن زايد أمام قادة البحرية الإماراتية وغيرها في مناسبات عديدة.
الوجود الإماراتي في إريتريا
الوجود الإماراتي في إريتريا ليس خفيا، ولعل القاعدة العسكرية الإماراتية في ميناء عصب الإريتري هي الوحيدة التي اعترف بوجودها النظام الإريتري. وكعادة إريتريا التي تعيش تعتيما إعلاميا دائما، لم تعلن عن الاتفاق بينها وبين الإمارات، لكنها أجبرت على ذلك بعد نشر مواقع غربية صورا للآليات العسكرية الإماراتية في ميناء ومطار عصب. وعلى الرغم من ذلك، لم يفصح للشعب الإريتري - صاحب الحق - بتفصيلات عن ماهية هذه العقود والاتفاقيات الموقعة بين الطرفين.
حسب التسريبات غير الرسمية، فإن ااإتفاق بين الرئيس أفورقي والشيخ محمد بن زايد يقضي باستئجار الإمارات ميناء عصب لثلاثة عقود، وهو مشابه للعقود التي أبرمتها شركة دبي لإدارة عدد من الموانئ في المنطقة، لكن الاختلاف في الحالة الإريترية عن الموانئ الأخرى؛ الوجود العسكري الإماراتي الذي قام بقصف صيادين إريتريين بالقرب من عصب، مما أغضب سكان المنطقة، وفتح الأبواب للتساؤلات حول الصلاحيات الممنوحة لهذه القاعدة.
الدور الذي تطلبه الإمارات من إريتريا
تحرك الرئيس السوداني عمر البشير لم يعجب محمد بن زايد، منذ الإطاحة بمدير مكتبه (البشير) طه عثمان؛ الذي قيل إنه رجل محمد بن زايد ومحمد بن سلمان في القصر الجمهوري السوداني، الذي عين لاحقا مستشارا رفيعا في القصر الملكي السعودي بعد مغادرته السودان فور إقالته. وفاجأ طه وفد السودان في اجتماعات الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا؛ بمجيئه ضمن الوفد السعودي. لكن مع التقارب التركي السوداني الجديد؛ تجلت الأزمة الخفية بين البلدين، وهنا يعتقد أن ابن زايد وحلفاءه قرروا معاقبة السودان بشد أطرافه غربا وجنوبا وشرقا، وليس أشد إيلاما على السودان من فتح جبهة الشرق التي أغلق ملفها باتفاق الشرق بين الحكومة والحركات المسلحة التي كانت تنطلق من إريتريا. فيبدو أن محمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي وجدا ضالتهما في إريتريا، بعد أن عجز الأخير عن التأثير عبر الحركات السودانية المسلحة في الغرب والجنوب، فأسند الدور على الرئيس أفورقي لخبرته الطويلة في التعامل مع المجموعات السودانية المسلحة، فاجتمع الثلاثي على السودان.
هل بإمكان إريتريا أن تؤدي هذا الدور؟
أدت إريتريا هذا الدور من قبل بالتعاون مع دول أخرى في فترات سابقة، ونجحت لفترة في نقل معركة الجنوب السوداني إلى شرقه، وجمعت كل المجموعات المعارضة للسودان في أسمرا، في ما عرف بمؤتمر القضايا المصيرية، في حزيران/ يونيو 1995م، وسلمتها سفارة السودان بعد مغادرة السفير السوداني أسمرا. واستطاعت هذه المعارضة تهديد الموانئ وأنابيب النفط السودانية، لكن الحرب الإريترية الإثيوبية في 1998م غيرت الوضع الميداني لصالح السودان، ولاحقا نجحت وساطة أمير قطر الأب في إعادة علاقة البلدين باتفاقية الدوحة 1999م. وتجاوزت إريتريا العديد من أزماتها الاقتصادية عبر تجارة الحدود مع السودان، بشقيها المنظم والمهرب، ولعل هذا ما جعل الحراك الإريتري الحالي مع الأطراف الأخرى ضد السودان يأخذ طابع السرية، خلافا لخلافاتها السابقة مع السودان التي كانت معلنة في أغلب الأحيان. إلا أن السودان هذه المرة أخذ خطوة استباقية ووضع الرئيس أفورقي في وضع لا يحسد عليه؛ وبدا فيه يستجدي السودان على غير عادته، وتبرأ من كل ما قيل عن الوجود العسكري المصري في إريتريا، ورمى باللائمة على الإعلام الذي "فبرك الأخبار" و"أصحاب المصالح الخاصة" في كل من إثيوبيا والسودان، بحسب تعبيره. وضمنيا، طرح أفورقي في لقاء تلفزيوني؛ مبادرات لحل المشكلات عبر الحوار، وهذا يعتبر تنازلا كبيرا من الرئيس أفورقي المعروف بتصلبه وغروره في مثل هذه المواقف.
انطلاقا مما سبق، فإن إريتريا اليوم قد لا تستطيع تأدية الدور المطلوب منها من محمد بن زايد وحلفائه؛ لأنها في وضع لا تحسد عليه اقتصاديا وعسكريا. فالمؤسسة العسكرية الإريترية اليوم تعيش حالة من التململ نتيجة الوضع الداخلي المتردي، لذلك طلب الكثير من الجيش والضباط الإريتريين اللجوء في دول الجوار، الأمر الذي مكن دول الجوار من جمع معلومات مهمة عن المؤسسة العسكرية الإريترية، وجعل كل صغيرة وكبيرة من استراتيجيات الجيش الإريتري مكشوفة، إضافة إلى أن إغلاق السودان حدوده مع إريتريا أدى إلى أزمة اقتصادية خانقة في إريتريا. لهذه الأسباب وغيرها مجتمعة؛ تبدو الأحداث حتى الآن تميل لصالح التحالف الإثيوبي السوداني في المنطقة، ويمكن قراءة خطاب أفورقي الهادئ في لقائه التلفزيوني في هذا السياق.