ليست هذه هي المرة الوحيدة التي كتبنا فيها عن الانتخابات الرئاسية؛ كفرصة يمكن استثمارها من هؤلاء الذين يقاومون أو يعارضون النظام الانقلابي أو النظام الفاشي، ولكن للفاشية العسكرية شأن خطير، حيث تقف أمام أي ممارسة مدنية أو سياسية ذات تأثير وقيمة. فحينما يتحكم العسكر ويحكمون، فإنهم يتحولون إلى حالة استبدادية كاملة؛ تبدو فيها الانتخابات النزيهة مسألة مستحيلة أو مهمة عقيمة.
وربما يفتح هذا الباب مرة أخرى؛ ذلك التصريح الأخير الذي قام به المدعو الفريق شفيق، والذي امتلك ناصية الإعلام بموضوع ترشحه عدة أيام.. فاحتل الصفحات الأولى، وكان موضعا لكثير من البرامج لقنوات فضائية تعمل في خدمة النظام الانقلابي ليل نهار، تقوم بدورها المشبوه وفق ما يُملى عليها. ولعل التسريب الأخير الذي تعلق بقضية القدس؛ يوضح حجم هذه العلاقات المنبطحة التابعة والدنيئة، من إعلاميين لأجهزة أمنية متحكمة. وبغض النظر عن الحديث حول جدية هذه التسريبات، إلا أن محتواها ومستوى الانحطاط الإعلامي والفني الذي يسفر عنه ذلك التسريب؛ إنما يعبر عن حالة إعلامية مزرية كشف عنها هذا التسريب الذي أطلقته "نيويورك تايمز" على صفحاتها ومواقعها الإخبارية.
ويبدو أن استكمال هذا الأمر قد امتد إلى حالة شفيق في الانتخابات الرئاسية، بتسريب آخر لنفس الصحيفة، وتقريبا بذات الشخوص، مع اختلاف الموضوع؛ من قضية القدس إلى قضية شفيق والانتخابات الرئاسية. وواقع الأمر أن النظام الفاشي قد فتح مسرح الانتخابات الرئاسية على مشاهد هزلية تعبر عن الكيفية التي يتعامل بها هذا النظام العسكري الانقلابي الفاشي مع ما يسمى الانتخابات الرئاسية، وضمن تدبيرات أقرب إلى المشاهد والمسرحيات الهزلية. فلا يمكنك إلا أن تذكر ذلك الموقف الإعلامي المنحط حينما انبرى خالد علي، المحامي المصري، معلنا أنه سيرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية. ولا يمكنك أيضا أن تتغافل عن جملة من المشاهد الهزلية في فصل مسرحي عابث وهابط، ترتبط بإعلانات شفيق من الإمارات عن عزمه خوض انتخابات الرئاسة، فقامت دولة الإمارات بشحنه في طائرة إلى مصر، وكأنها تسلمه يدا بيد إلى سلطة النظام الفاشي. كذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقفز على مشهد ترشح العقيد أحمد قنصوة، فما كان من النظام الفاشي إلا أن حوله إلى محاكمة عسكرية بدعوى أنه أعلن ترشحه ضاربا بعرض الحائط التقاليد العسكرية.
كانت تلك المشاهد التي تتعلق بالترشح الانتخابات الرئاسية، تعبيرا عن افتتاح المسرحية الهزلية تتعلق بالانتخابات الرئاسية
كانت تلك المشاهد التي تتعلق بالترشح الانتخابات الرئاسية، تعبيرا عن افتتاح المسرحية الهزلية تتعلق بالانتخابات الرئاسية.. جوقة الإعلاميين تتسارع خطاها.. تتعالى كلماتها ضمن برامج إعلامية هابطة توزع الاتهامات والادعاءات اللائقة وغير اللائقة على مرشح عسكري واحد، على حد قول أستاذ في العلوم السياسية؛ تحول إلى مذيع تلفزيوني ليبدي النصائح حول ضرورة المرشح العسكري الواحد، حتى لا يفت هذا بعضد المؤسسة العسكرية وينال من تماسكها! وتوالت بعد ذلك المشاهد الهزلية التي تجمع إدارة النظام الفاشية بالتهديد والوعيد ومحاولات التخوين الإعلامية. وترافقت مع هذا حملة خسيسة أشبه بحملة تمرد المخابراتية، تحت شعار "عشان نبنيها"، ضمن فصول من تلك المسرحية الهزلية، حتى طلع علينا بعد ذلك، في برامج إخبارية وغيرها من البرامج،
تراجع المدعو شفيق عن ترشحه للرئاسة: "كنت قد قررت لدى عودتي إلى أرض الوطن الحبيب أن أعيد تقدير الموقف العام بشأن ما سبق أن أعلنته أثناء وجودي بدولة الامارات العربية المتحدة، مقدرا أن غيابي لفترة زادت عن الخمس سنوات ربما أبعدني عن المتابعة الدقيقة لما يجري على أرض وطننا من تطورات وإنجازات، رغم صعوبة الظروف التي أوجدتها أعمال العنف والإرهاب. وبالمتابعة للواقع، فقد رأيت أنني لن أكون الشخص الأمثل لقيادة أمور الدولة خلال الفترة القادمة، ولذلك فقد قررت عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة 2018، داعيا الله عز وجل أن يكلل جهود الدولة في استكمال مسيرة التطور والانجاز لمصرنا الغالية".. كلمات دالة وفكاهية في مسرحية هزلية.
انتهت بعض المشاهد التمهيدية السريعة في مسرحية الانتخابات الهزلية، وبدأت مسرحية أخرى في تعداد إنجازات السيسي المنقلب، آخرها ذلك الاجتماع الذي دعا فيه الوزراء لافتتاح مشروعات عن بعد
هكذا انتهت بعض المشاهد التمهيدية السريعة في مسرحية الانتخابات الهزلية، وبدأت مسرحية أخرى في تعداد إنجازات
السيسي المنقلب، آخرها ذلك الاجتماع الذي دعا فيه الوزراء لافتتاح مشروعات في أماكن شتى عن بعد، وهو جالس في مكانه، عبر شاشات، ليستكمل فصول هذه المهزلة. فمن مهزلة وعبثية الترشحات إلى مهزلة عرض الإنجازات، لم يعد غريبا أن يقوم السيسي بالترويج لنفسه مسبقا بأنه الرئيس القادم بأربع سنوات آتية. فصول المهزلة تتكامل، وتخرج علينا لجنة الانتخابات الرئاسية لتكمل فصول المهزلة في
مواعيد تسابق فيها الزمن، حتى يمكن أن تقيم تلك الانتخابات وتعلن نتائجها في أشهر معدودات. ماذا يعني كل ذلك؛ إلا أننا أمام حالة هزلية لا يمكن أن يحتملها أي مسرح عبثي أو هزل، إلا أن يقوم بإخراجها نظام عسكري فاشل فاشي؛ يمكن أن يجعل من انتخابات الرئاسة مجرد استفتاء لا انتخابات، كما قال أحدهم؟ فهو المتصرف بحال البلاد والعباد، والحاكم بأمره، وطبيب الفلاسفة، وملك الإنجازات الفنكوشية.. مستعرضا كل هذه الأمور في حالة هرج إعلامي ونفاق مهرجاني، ولا عزاء لهؤلاء الذين كانوا ينتظرون انتخابات حقيقية يمكن أن تكون مناسبة للتأثير والتغيير.
لم يعد هناك أمام أي أحد يعارض، أو يقاوم هذا النظام، إلا أن يقوم بفضح منظومته الفاشية، بحيث تكون تلك الانتخابات مناسبة للقيام بهذه العملية من كل طريق ومن كل جانب
وفي واقع الأمر، لا زلنا عند رأينا. ففي ظل ما يمكن تسميته إعلان حالة الطوارئ، وانتخابات من غير ضمانات، وحملة منافقة (عشان يخربها بدلا من أن يبنيها).. سيتقدم في ظل هذه الأجواء الخانقة والهزلية؛ من يمكنه أن يشارك في هذا المشهد باعتباره مُحَللا للسيسي، وممررا لشكل انتخابات هزلية من بدايتها، وستكون عبثية إلى نهايتها، حتى لو أنه أراد أن لا يكون كذلك.. المحلل هذه المرة سيكون محللا رغم أنفه. وهنا، فإنني أؤكد، وبأعلى صوتي، أنه لم يعد هناك أمام أي أحد يعارض، أو يقاوم هذا النظام، إلا أن يقوم بفضح منظومته الفاشية، بحيث تكون تلك الانتخابات مناسبة للقيام بهذه العملية من كل طريق ومن كل جانب، في إطار مقاطعة كاملة وشاملة؛ تتخذ حالة إيجابية في العمل المنظم، لفضح هذا النظام كاستراتيجية.. لا زالت هذه الأمور تعني الكثير، ولكنها تحسم الخيار بالتأكيد على مقاطعة كاملة شاملة إيجابية تقوم بفضح هذا النظام، بعمل قوائم فضحه كنظام فاشي بوليسي، وكنظام بليد فاشل، وكنظام محتال فاسد.. قوائم بعضها من بعض، تفضح هذا النظام، لتشكل حالة محاكمة كاملة لمنظومة الانقلاب الفاشي وما فعله بحق مصر وحقوق أهلها، وقتل وترويع شبابها، واتباعه استراتيجية تتعلق بالترويع والتفزيع، وأخرى تتعلق بالإفقار والتجويع.. ورغبة هذا النظام الفاشي في تشكيل حال القطيع وتمرير كل عمليات التطبيع مع النظام المستبد من جانب، ومع النظام الصهيوني من جانب آخر. هكذا يبدو لنا مشهد الانتخاب الرئاسي في أقصى درجات العبثية والهزلية والفاشية والعمالة والخيانية.. لا يجمع بين هذه الصفات إلا نظام السيسي الذي قام بتمزيق الوطن، وفرط في موارده، وباع الأرض والعرض.. حقيقة الأمر أنه "يجب أن لا يحكم، ولكنه وجب أن يُحاكم".