هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا للباحث كريم ساجدبور من مؤسسة "كارنيغي" للسلام العالمي، يقول فيه إن ما يميز الانتفاضة الإيرانية الحالية عن مثيلتها في عام 2009 هو الإنترنت.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "في أثناء الثورة الخضراء، التي قادتها الطبقة المتوسطة الليبرالية؛ احتجاجا على تزوير الانتخابات، فإن أقل من مليون من الذين تظاهروا في طهران كانوا يحملون الهواتف الذكية، التي تعد الفارق المهم".
ويقول ساجدبور: "أما اليوم فعدد حملة الهواتف الذكية من الإيرانيين هو 48 مليونا، وكل واحد مرتبط بوسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الهاتفية، ويعتقد أن عدد مستخدمي تطبيق (تلغرام) يزيد على 40 مليون شخص، وهم بعيدون عن رقابة الحكومة، لكنهم ليسوا بمأمن عن الإغلاق لو قررت الحكومة الإيرانية تعطيل الإنترنت".
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم توسع الاحتجاجات في معظم إيران، إلا أن التغيير في إيران سيحتاج لوقت طويل، فحركات الاحتجاج في العالم العربي واجهت عقبات قمعية كبيرة، ونادرا ما انتهت نهايات سعيدة، حتى عندما ينجح المتظاهرون بالإطاحة بحاكم أوتوقراطي فإنهم نادرا ما ينجحون بالقضاء على منظومة القمع".
ويجد ساجدبور أن "العقبات أمام النجاح رهيبة، خاصة أن الدولة التي تحكم هي أتوقراطية إسلامية تتصدى لليبراليين، مقارنة مع دول الشرق الأوسط، التي حكمتها أنظمة علمانية، سلطت قمعها على المعارضة الإسلامية".
ويرى الكاتب أن "المقاربة ليست متساوية بين النظام والمتظاهرين، فهؤلاء هم مواطنون عزل وغير منظمين أو مسلحين، يواجهون ثيوقراطية مسلحة ومنظمة وجشعة وتحب الشهادة، وهذه ليست وصفة جيدة للنجاح".
ولا يقلل ساجدبور مع ذلك من الحركة الاحتجاجية الحالية، التي يرى أنها غير مسبوقة، خاصة من ناحية المساحة الجغرافية والكثافة، مشيرا إلى أن التظاهرات بدأت في معقل للنظام، وهي مدينة مشهد، حيث بدأ المتظاهرون يهتفون بشعارات داعية للخروج من سوريا "والتفكير بنا"، ومن ثم انتقلت إلى قم، المدينة المقدسة، التي عبر فيها المتظاهرون عن حنين لرضا شاه، المستبد الإيراني الذي قمع رجال الدين، وتوسعت إلى مدن المحافظات، حيث هتف المشاركون في نجف أباد "لا نريد الجمهورية الإسلامية"، وفي رشت "الموت للحرس الثوري" و"الموت للديكتاتور" في خرم أباد، وانتشرت إلى طهران حيث اعتقل المئات.
ويتساءل الكاتب عن الشرارة التي أشعلت التظاهرات، مشيرا إلى أنها لا تزال محلا للنقاش، فيما أشار البعض إلى أن المعسكر المتشدد هو الذي شجع عليها لإحراج حسن روحاني.
ويعلق ساجدبور قائلا: "أيا كانت الحال، فإن العوامل التي أدت إلى الاحتجاجات هي ذاتها التي أدت إليها في أماكن أخرى: ارتفاع كلفة المعيشة، والفساد المستشري، وسوء الإدارة والغش، بالإضافة إلى عامل آخر في إيران، وهو خليط من القمع السياسي والاجتماعي، الذي يدار من رأس هرم الدولة الدينية".
ويقول الكاتب إن "الإيرانيين يعرفون كيف يعيش الناس خارج بلادهم، فيما لا يعرف العالم عن الإيرانيين؛ بسبب التشويه الذي يمارسه إعلام الحكومة للتغطية الإعلامية الغربية، حيث تعرض الصحافيون الذين يقومون بتغطية الأحداث لصحف غربية، مثل (وول ستريت جورنال) و(نيويورك تايمز) و(رويترز) لاستفزازات مستمرة من السلطات، وتم طردهم وسجنهم، فيما يخشى من تبقى من صحافيين يعملون مع الصحافة الخارجية على سلامتهم الشخصية، وتم نفي عدد من الكتاب والصحافيين والباحثين".
ويلفت ساجدبور إلى أنه "في الوقت ذاته سمح النظام للصحافيين والخبراء الذين يقدمون رؤية إيجابية عن النظام، وكان وزير الخارجية محمد جواد ظريف جيدا في التلاعب بالصحافيين الغربيين، واستخدامهم لصالح النظام، وفتح هذا منفذا لظهور عدد من الصحافيين والمحللين الذين يقدمون مواقف، ويبحثون عن فرص للحفاظ على المزايا التي حصلوا عليها".
ويعنقد الكاتب أن "هناك معوقات كبيرة أمام ظهور حركة مطالب مدنية، فنسبة حالات الإعدام في إيران هي الأعلى، وتعامل المرأة في إيران على أنها مواطنة من الدرجة الثانية، ولا تتسامح الحكومة مع المثليين والأقليات الدينية، والسبب هو أجهزة القمع/ الإكراه للدوله -الحرس الثوري والباسيج- وهي مسلحة ولديها خبرة واسعة في القمع، وبالمقارنة فإن المعارضين للحكومة ليسوا مسلحين أو منظمين ودون قيادة أو وجهة، بالإضافة إلى أن الحكومة لديها مليشيات تدربها منذ عقود مثل حزب الله، ولهذا فإن قمع المتظاهرين في إيران سيكون أسهل على المليشيات من قتال جماعات المعارضة السورية أو الجهاديين".
ويذهب ساجدبور إلى أنه "رغم تفاؤل الكثيرين من قيام الحكومة الإيرانية بالاستجابة لمطالب المتظاهرين، إلا أن التاريخ يثبت العكس، ففي الأسابيع والأشهر المقبلة ستزداد ضراوة النظام، فالأجهزة الأمنية تكون في أفضل حالاتها عندما يكون هناك شعور بانعدام الأمن، وهناك من يشك بوقوف الحرس الثوري وراء هذه التظاهرات، لتكون مبررا لتوسيع قمعه باسم الأمن القومي".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه "بعد أربعة عقود من حكم الجمهورية الإسلامية، فلن يحدث التغيير بسهولة، ولا بطريقة سلمية أو سريعة".