هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا تزال ردود الفعل المصرية في تزايد تجاه الاتفاق التركي السوداني بمنح أنقرة امتيازا لتطوير جزيرة سواكن السودانية، ما دفع الكاتب المصري عباس الطرابيلي إلى وصف الاتفاق بأن "من لا يملك قد أعطى سواكن لمن لا يستحق"، في إشارة لحالة الغضب المصري تجاه السودان وتركيا على حد سواء.
ويثير الغضب
المصري تساؤلا حول أسبابه، وهل لأن المالك الجديد هو تركيا، التي لها موقف رافض
للنظام المصري الحالي؟ أم أن الغضب يرجع إلى أن السودان تخطو بتسارع ضد نظام
السيسي؟
ورغم أن
الحكومة المصرية لم تعلن موقفا رسميا تجاه الاتفاق، باعتبار أنها كانت السباقة في
فكرة تسليم جزء من أراضيها للغير، بعد تنازلها عن جزيرتي تيران وصنافير، إلا أنها
فتحت الباب للكتاب والإعلاميين لانتقاد الاتفاق، إضافة إلى شن البرلمان المصري
هجوما على السودان، واعتبرها بأنها تفتح الباب على مصراعيه للإرهاب في المنطقة، في
إشارة إلى التحالف التركي القطري.
ولعل ما أزعج
القاهرة أن هذا الاتفاق يمثل خسارة اقتصادية لمصر، فهذا الميناء سيكون محطة وصول
وانطلاق للحجاج الأتراك، وكذلك القادمين من أوروبا في الذهاب والعودة للأراضي
الحجازية عن طريق جدة، وهو ما يضيع على مصر دخلا هاما في مواسم الحج والعمرة،
بالإضافة إلى أن هذا الميناء سيكون له دور في حركة التجارة بالبحر الأحمر الذي يمر
به يوميا ما يقرب من 3.3 ملايين برميل من النفط.
الخرطوم
والقاهرة
ويشكل هذا
الاتفاق أهمية اقتصادية وسياسية وعسكرية للخرطوم، في ظل محاولة إحياء الملاحقة
الجنائية الدولية للرئيس السوادني عمر البشير. فمن الناحية الاقتصادية، وقع الجانبان 12 اتفاقية من شأنها زيادة الاستثمارات
التركية من 650 مليون دولار إلى 10 مليارات دولار، بالإضافة إلى موافقة تركيا على إلغاء تأشيرات دخول السودانيين لأراضيها، وهو ما يمثل داعما دوليا مهما للخرطوم.
كما يعد هذا الاتفاق بمثابة
خطوة استباقية تقوم بها الخرطوم ضد أي تحرك عسكري يمكن أن يلجأ إليه النظام المصري
في حال صعدت الخرطوم قضية حلايب وشلاتين، وهو الرأي الذي يبرره تردي العلاقات بين
البشير السيسي، ما دفع الخرطوم للتخلي صراحة عن مصر في مفاوضات سد النهضة، والإعلان
عن تضامنها مع إثيوبيا في مشروع السد، ثم أخيرا اتهام سوداني للقاهرة بأنها تدعم
متمردي دارفور، وأنها ضبطت أسلحة مصرية في يد هؤلاء المتمردين.
هذا التوتر الذي وصل لمرحلة لم يصل إليها من قبل بين البلدين، جعل الخرطوم
يأخذ كافة الإجراءات الاحترازية تجاه أي تهور من القاهرة، في ظل قناعة البشير ذات
الخلفية العسكرية بأن السيسي قد يلجأ إلى إجراء عسكري ضد الخرطوم، في محاولة للفت
الأنظار عن الأزمات الداخلية والدولية التي يعيشها، خاصة إذا ما وضع الخرطوم في
الاعتبار العلاقات المميزة بين السيسي وإسرائيل، وما يمكن أن تلعبه الأخيرة ضد
السودان إذا استخدمت قواعدها العسكرية في جزر حلايب وفاطمة وسنتيان وديميرا بجزر
دهلك المستأجرة من إريتريا.
الفوائد التركية
أما الطرف
الثالث في المعادلة، وهو تركيا، فإنها استطاعت بهذا الاتفاق أن تضرب أكثر من عصفور
بحجر واحد. فعلى الجانب الاقتصادي، فإن سواكن منحت تركيا نافذة هامة في واحد من أهم
الممرات المائية في العالم، كما أن تركيا بذلك قد وضعت لها قدمين حول منطقة الخليج،
الأول بتواجدها العسكري في قطر، والثاني بهذه الجزيرة التي تبعد عن جدة 386 كيلو بالخط
الجوي، ويضاف لذلك الالتفات التركي للتوغل الإسرائيلي بالبحر الأحمر، وسيطرتها على أكثر من ميناء في الجنوب الشرقي منه، وهو ما دفع تركيا لافتتاح قاعدة مقديشو
العسكرية بتكلفة 50 مليون دولار، وهي الأكبر لها خارج حدودها.
وخلال العشرين عاما الأخيرة، أصبحت منطقة القرن
الإفريقي ساحة للسيطرة والنفوذ العسكري والتجاري، بين عدة دول لم يكن لها وجود في
هذه المنطقة، حيث وضعت كل من الإمارات وإيران والصين وإسرائيل أقدامها في البحر
الأحمر، إما ببناء قواعد عسكرية، أو الحصول على حق إدارة وانتفاع موانئ في دول
إفريقية فقيرة، مثل الصومال وإريتريا وجيبوتي، وأخيرا السودان.
وطبقا لدراسة حديثة
لمركز الروابط للبحوث والدراسات في السودان تحت عنوان "موانئ القرن
الإفريقي: ساحة جديدة للتنافس الدولي"، فإن الإمارات وقطر وتركيا والصين
وإسرائيل تنظر بأهمية كبرى لهذه المنطقة.
اقرأ أيضا: سواكن السودانية التي أثارت غضب مصر.. 7 حقائق
وأشارت إلى أن حرب الموانئ بدأتها الإمارات بالاستيلاء على مجموعة من الموانئ الصومالية، وأخيرا تركيا التي حصلت سابقا على حق إدارة ميناء مقديشو مقابل 55% من عائداته السنوية للحكومة الصومالية. أما الإمارات، فحصلت عبر شركة موانئ دبي على حق إدارة ميناء بربرة من حكومة "أرض الصومال" -غير المعترف بها دوليا- ومينائي مصوع وعصب من إريتريا، وكذلك ميناء جيبوتي.
وأضاف التقرير أن إيران تسعى أيضا إلى وضع قدمها في منطقة باب المندب، بجانب سيطرتها على جزء من
منطقة مضيق هرمز، إلى جانب الصين التي دشنت منتصف 2017 قاعدة عسكرية في جيبوتي بالقرب
من قاعدة ليمونير الأمريكية في المنطقة ذاتها.