هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشفت مصادر دبلوماسية سودانية في القاهرة أن الرئيس السوداني، عمر البشير، اعتذر عن عدم تلبية دعوة مصرية لعقد قمة ثلاثية في القاهرة، بين مصر وإثيوبيا والسودان، على هامش زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ميريام ديسالين إلى القاهرة خلال الشهر الحالي، في محاولة من قبل قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي لاستئناف مفاوضات سد النهضة المتعثرة، بحسب تقارير صحفية.
وهذه هي المرة الثانية التي يعتذر فيها البشير عن زيارة مصر خلال أقل من شهر، حيث سبق أن أوفد وزير الدولة للشؤون الخارجية، حامد ممتاز، لحضور المؤتمر الاقتصادي الأفريقي المنعقد في مدينة شرم الشيخ بدلا منه، وفضّل الرئيس السوداني زيارة إثيوبيا؛ للمشاركة في احتفالاتها بأحد أعيادها القومية في التوقيت ذاته، واصطحب معه وفدا رفيع المستوى.
مصر تقف وحيدة
ويقول مراقبون إن وقوف السودان بجانب إثيوبيا يضعف موقف مصر بشدة، ويجعلها تقف وحيدة في أزمة سد النهضة، ويفرغ مطالبها بوقف بناء السد حتى استكمال الدراسات حول آثاره السلبية من مضمونها، باعتبار أن دولة مصب أخرى (السودان) لا ترى في السد أي خطورة عليها، ويؤكدون أن غياب السودان عن أي مفاوضات ثلاثية حول السد يعرقل التوصل إلى حل للأزمة.
وتتهم مصر جارتها السودان بالوقوف في صف إثيوبيا في هذه الأزمة، وهو الأمر الذي لم تخفه الخرطوم، حيث أكدت في كثير من المواقف انحيازها وتنسيقها مع الجانب الإثيوبي أثناء المفاوضات.
وتشهد العلاقات المصرية السودانية توترا ملحوظا في الأسابيع الأخيرة؛ بسبب الخلافات على عدد من الملفات، من بينها مياه النيل، ومنطقة حلايب وشلاتين الحدودية المتنازع عليها بين البلدين.
وفي المقابل، تشهد العلاقات السودانية الإثيوبية تحسنا كبيرا، حيث أكد الرئيس عمر البشير، في كلمة ألقاها الخميس الماضي في حفل بأديس أبابا بمناسبة "يوم القوميات والشعوب الإثيوبية"، أن تلك العلاقات المتينة تعد نموذجا للعلاقات بين الدول.
تمصير حلايب وشلاتين
وفي هذه الأثناء، قال موقع "النيليين" السوداني الإخباري إن مصر قامت بما أسماه "خطوة أثارت حفيظة السودانيين، حينما أعلنت اتجاهها لإنشاء سد في منطقة "شلاتين السودانية المحتلة"؛ للاستفادة من مياه الأمطار والسيول، وتقليل المخاطر التي قد تنجم عنها.
وأضاف الموقع أن إعلان القاهرة إنشاء هذا السد يعدّ محاولة للضغط على السودان، وإجباره على اتخاذ موقف مؤيد لمصر في قضية سد النهضة الإثيوبي، خاصة أن خطوة إعلان السد جاءت في وقت جمدت فيه مصر المفاوضات الفنية مع السودان وإثيوبيا، عقب الاجتماع الثلاثي الذي عقد في القاهرة الشهر الماضي، إثر رفض الجانب المصري تعديلات البلدين على دراسات المكتب الاستشاري الفرنسي حول السد وملئه وتشغيله.
وأكد أن مصر أصبحت تشعر بعزلة إقليمية، خاصة بعد تطابق المواقف بين السودان وإثيوبيا تجاه سد النهضة، بجانب الفتور الذي تشهده العلاقات بين الخرطوم والقاهرة خلال الفترة الأخيرة، فضلا عن استراتيجية السودان بعدم تصعيد العداوات حاليا مع أي من دول الجوار.
ولفت إلى أن محاولة إنشاء سد في مدينة شلاتين المحتلة، ومضي القاهرة في خطة تمصير مثلث حلايب وشلاتين، يمكن أن يدفعا السودان إلى تجديد شكواه في مجلس الأمن الدولي ضد مصر، ومطالبتها بالتحكيم الدولي؛ لحل هذا النزاع الحدودي.
مصلحة السودان مع إثيوبيا
الباحث في الشأن الأفريقي، محمد شوقي، قال إن العلاقات بين مصر والسودان متوترة منذ سنوات عديدة، بسبب أزمة سد النهضة وغيرها من الملفات، مشيرا إلى أن التوتر زاد بين البلدين بعد الإطاحة بالإخوان من السلطة؛ لأن الرئيس السوداني عمر البشير كان متعاطفا مع الإخوان.
وأضاف شوقي، في تصريحات لـ"عربي21"، أن السودان أصبح مقتنعا بأن مصلحته الآن مع إثيوبيا بشكل كبير؛ لأن سد النهضة سيؤدي إلى زيادة حصة الخرطوم من مياه النهر، وحصولها على الكهرباء من السد، وهو ما يحتاجه البشير لانتشال دولته من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها، مشيرا إلى أن رفض البشير لقاء السيسي في القاهرة سببه الخوف من أن يفقد علاقته المتميزة مع إثيوبيا.
وأوضح أن النظام المصري يحاول الآن بناء جبهة جديدة، عبر التحالف مع دول إفريقية من دول حوض النيل، مثل أوغندا وتنزانيا، حتى يضيق الخناق على الإثيوبيين نسبيا، لكنه أكد أن هذه الخطوات غير كافية لحل المشكلة الكبيرة التي تواجه مصر بسبب سد النهضة وتداعياته الخطيرة على البلاد.
البشير رفض الوساطة
من جانبه، أكد أستاذ العلوم السياسية، عبد الخبير عطية، أن السيسي كان يريد أن يتوسط الرئيس السوداني عمر البشير لدى إثيوبيا؛ للتوصل لحل أزمة سد النهضة، لكن البشير عقّد الأمور أكثر بعناده، مؤكدا أن السودان راهن على أديس أبابا؛ لأن علاقاته مع إثيوبيا أقوى بكثير من علاقته بمصر، ولا يريد خسارة مصالحه التجارية والمائية والسياسية معها.
وأضاف عطية، في تصريحات لـ"عربي21"، أن أحد أسباب أزمة البشير مع مصر هو موافقة القاهرة على قرارات مجلس الأمن التي تدينه باعتباره "مجرم حرب"، وصدرت ضده قرارات إدانة دولية؛ بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها قواته في دارفور، على حد قوله.