من قضية سد النهضة، إلى مذبحة مسجد الروضة، وانتهاء بقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.. يأتي تعامل نظام
السيسي مع إخفاقاته كأوضح مثال على تحميل الشعب
المصري مسؤولية تلك الكوارث، وكأنه لا علاقة له بتلك الإخفاقات وأنه ليس المسؤول الأول عن الكوارث الحالية.
ففي قضية سد النهضة، اتهمت الأذرع الإعلامية للسيسي ثورة يناير بأنها المسؤولة عن قرار إنشاء السد، رغم أن قرار إنشائه صدر في عهد مبارك. ووجد آخرون من الوقاحة ما يكفي لمطالبة المصريين بترشيد استهلاكهم من المياه، على اعتبار أن مصر ستشهد، لا محالة، نقصا هائلا في المياه؛ نتيجة السد الذي فشل السيسي في التعامل مع ملفه.
أما بعد مذبحة الروضة، فلم يختلف الأمر كثيرا، عبر تحميل أهالي القرية المسؤولية عن مقتلهم، ومطالبتهم بالأخذ بالثأر، وكأنهم سيقومون بعمل الجيش والشرطة.
وبعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، تنوعت الاتهامات هذه المرة لتشمل جهات خارجية معتادة، مثل قطر وتركيا وداعش والقاعدة والإخوان. وتساءل الذراع الإعلامي مصطفى بكري: "أين الإخوان الإرهابيون مما يحدث في القدس؟"، ويبدو أنه لم يعرف بعد أنهم في السجون والمعتقلات، وأن السيسي أصبح هو الحاكم الآن.
وإذا عدنا إلى الوراء قليلا، سنكتشف أن هذا هو الأسلوب المفضل لنظام السيسي في كافة القضايا الداخلية والخارجية. فالسيسي نفسه كان قد حمل وسائل الإعلام مسؤولية انهيار سعر الجنيه أمام الدولار الأمريكي، وليس قراره بتعويم الجنيه. كما قامت أجهزته القضائية باتهام رجل الأعمال حسن مالك بأنه المسؤول عن الأزمة، وخرجت إحدى الصحف الحكومية لتتحدث عن عثور قوات الأمن على نصف مليار دولار في شقته، وألقت الشرطة القبض على مواطنين قالت إنهم كونوا خلية لنشر "المناخ التشاؤمي" في البلاد، وأنهم السبب وراء
أزمات الدولار والبنزين، والتعيينات الوظيفية وتأجيج المطالب الفئوية.
وبالطبع، فإن جماعة الإخوان المسلمين حاضرة دائما في كل الأحداث والانتكاسات، ليتم تحميلها المسؤولية، حتى عن أزمة الدولار وغرق الإسكندرية العام قبل الماضي، إضافة إلى شخصيات أخرى تختلف حسب الموقف. ففي لقائه مع المثقفين، ألقى السيسي بتبعات الوضع الحالي على الرئيس المخلوع، حسني مبارك، قائلا إن "مؤسسات الدولة خربانة، ومبارك جابها الأرض". كما لم يترك ثورة 25 (كانون الثاني) يناير وأحداث 30 حزيران/ يونيو، قائلاً إن لهما "آثارا إيجابية وسلبية، لكن البعض يغفل الآثار السلبية ووجود ثمن لها". وفي اللقاء نفسه، قال السيسي إنه ليس رئيس مصر، بل "ابنها"، على اعتبار أنه بذلك يشرك الآخرين معه في المسؤولية ولا يتحملها وحده، وهو ما عبر عنه قائلا: "مش تيجوا تتكلموا وتسيبوني وتمشوا".
وتأتي حملات التبرّع الدورية التي يشنها النظام والإعلام الموالي له لتصب في الاتجاه نفسه. فمن صندوق "تحيا مصر"، إلى حملة "صبّح على مصر بجنيه"، وحملات التبرع ب"الفكة".. يستمر لوم المواطن المصري، وإرهاقه بالطلبات، وكأن ذلك سيحل مشكلة الفشل الاقتصادي المستمر، في وقت وافقت فيه الحكومة على تخفيض سعر الغاز لمصانع الحديد والصلب (تتضمن مصانع رجل الأعمال أحمد عز، أحد كبار رموز نظام مبارك) من سبعة دولارات إلى 4.5 دولار، فيما يتقاضى مسؤولون في الدولة رواتب تقدر بملايين الجنيهات.
والسيسي نفسه هو من تنصل من مسؤولية حماية حدود مصر؛ بعد غرق أحد مراكب الهجرة غير الشرعية ووفاة أكثر من 160 مصريا كانوا على متنه العام الماضي، مبررا ذلك بأن حماية الحدود تتطلب جهدا ضخما ولا يمكن التحكم فيها بالكامل. وهي نفس الفكرة التي رددها "الداعية" خالد الجندي؛ عندما قال إن "رئيس الدولة" لا تجب عليه حماية أرض البلاد، بل الشعب هو من يجب عليه فعل ذلك. وهو السيسي نفسه الذي قال للمصريين قبل أكثر من عام؛ إن عليهم أن يصمتوا تجاه الأزمات التي يواجهونها، وأن هناك تقاسما للمسؤولية بينه وبين الشعب، قائلا إن المصريين هم الذين سيحددون مستقبل مصر، وليس هو، وأنهم وعدوه بأنهم سيقفون إلى جانبه، وأنه قام بدوره معهم.. وكأن المصريين يمتلكون سلطة القرار، وكأنهم ممثلون سياسيا ليكون لهم خيار تقاسم المسؤولية معه.
أما عن أذرع النظام السياسية والإعلامية، فحدث ولا حرج عن تحميل الإخوان والشعب، وحتى الجان الأزرق، المسؤولية عن كل الإخفاقات، عدا السيسي. ففي الأزمة الاقتصادية، اتهم الإعلام الصرافات بأنها المسؤولة عن انخفاض سعر الجنيه، ووصف رئيس البرلمان شركات الصرافة بأنها "سرطان في جسم الاقتصاد المصري"، مطالبا بإلغائها! كما اتهم الإعلام التجار بالجشع، وبأنهم السبب وراء ارتفاع أسعار السلع. وعندما حاول رئيس تحرير صحيفة خاصة أن يبدو "ثوريا"، اتهم المخلوع مبارك بأنه سبب الأزمة الاقتصادية الحالية، وأن السيسي بريء منها! وأتى رئيس الوزراء السابق بفكرة جديدة خارج الصندوق، وقرر تحميل "ربة المنزل" المسؤولية، عندما طالبها بحسن إدارة موارد منزلها لأن البلد تمر بظروف اقتصادية صعبة. واختصرت صحيفة خاصة الأمر برمته، قائلة في إحدى افتتاحياتها، إن "الشعب مسؤول عن نجاح الرئيس في أداء مهمته".. ولم يكن ينقص أن تطالب الصحيفة السيسي بتقييم الشعب!
وبعد مقتل عدد من رجال الشرطة في منطقة البدرشين قبل أشهر، خرجت الأذرع الإعلامية صارخة في وجه الشعب وتحميله مسؤولية مقتل رجال الشرطة، وأن المواطنين قصروا في حماية الشرطة من القتل! بل تجاوز البعض ذلك العته؛ إلى لوم المواطنين بأنهم لم يتحركوا عندما شاهدوا المسلحين وهم يطلقون النار على الجنود! وكأن المطلوب من المواطنين العزل مواجهة المسلحين، ليتعرضوا للقتل مثل الجنود، رغم أن مقطع الفيديو الذي نشر بعد الحادثة أظهر وجود ضابط شرطة كان موجودا على بعد أمتار من الحادث، لكنه اختبأ وهرب من مكان الحادث، مثل الفأر المذعور، بدلا من أن يقوم بواجبه ويحمي زملاءه. ثم يأتي سفيه آخر ويتفتق ذهنه عن فكرة مفادها أن الشرطة لا تعمل عند الشعب، رغم أن الشعار الرسمي لوزارة الداخلية "الشرطة في خدمة الشعب"، ورغم أن هذا بالفعل هو وظيفة الشرطة الأساسية، ومن دونها تصبح لا قيمة لها.
إذن، نجد في المحصلة النهائية أن الثوار والإخوان والتجار وربة المنزل وحسن مالك وحسني مبارك ومرسي، وجموع الشعب بكامله، هم المسؤولون عن وضع البلاد الحالي، وفقا للنظام وأذرعه، بينما السيسي لا يتحمل المسؤولية عن شيء!