هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أحدثت التغيرات السياسية المتسارعة في الشرق الأوسط حالة من التخبط في القدرة على التنبؤ واستشراف رؤية الإدارة الأمريكية في المنطقة، لكن مراقبين كثرا يرون أن واشنطن تدفع بها نحو حرب إقليمية محدودة بين السعودية وإيران، إما تكون مباشرة أو بالوكالة وحلبتها هذه المرة لبنان.
ومن إرهاصات ذلك التصعيد المبرمج، التطور اللافت في السياسة السعودية الخارجية في الآونة الأخيرة، وتلويحها بإعلان حرب على إيران، عقب سقوط صاروخ على الرياض انطلق من أراضٍ يمنية خاضعة لسيطرة جماعة "الحوثي" المدعومة إيرانيا.
فضلا عن إعلان رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، استقالته من العاصمة السعودية، واتهامه لطهران وحليفها "حزب الله" اللبناني بالسيطرة على لبنان.
هذه التطورات المتلاحقة وغيرها الكثير، خلال فترة وجيزة، تنبئ ـ وفق مختصين ـ بتصعيد التوتر إلى حدود غير مسبوقة بين السعودية وإيران، اللتين تقفان على النقيض في معظم ملفات الشرق الأوسط، ويتردد أنهما تخوضان حربا بالوكالة في دول عديدة بالمنطقة.
تأثيرات ضارة
في الصراع بين السعودية وإيران لا يوجد دور معلن للولايات المتحدة الأمريكية، باستثناء تغريدات قليلة أعلن الرئيس دونالد ترامب عبرها تأييده للملك سلمان بن عبد العزيز، ولولي عهده، وحملتهما ضد الفساد، التي طالت أمراء ووزراء حاليين وسابقين ورجال أعمال سعوديين مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
ويتوافق خبراء على أن إدارة ترامب هي سبب التصعيد الحاصل، ولكنهم مختلفون حول كيفية ذلك،
فمنهم من يرى أن سياسات الإدارة الأمريكية هي التي أوصلت المنطقة إلى هذا الطريق الذي ينذر بصدام واسع النطاق، فيما يرى آخرون أن صمت واشنطن هو ما دفع الأمور إلى حافة الهاوية.
مدير برنامج إدارة الصراعات في كلية غومز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، الدكتور دانييل سيروير، قال إن "سياسة ترامب في الشرق الأوسط على ما يبدو مصممة على التصدي لإيران، بالتعاون مع السعودية والإمارات، لكن يبدو أن لهذه السياسة تأثيرات مضرة".
وفي رصده لما يعتبرها "أضرار السياسة الأمريكية"، قال سيروير وهو خبير معهد الشرق الأوسط (خاص) بالعاصمة واشنطن، في حديث للأناضول: "الحرب في اليمن تسير في طريق سيئ".
ومع ذلك لا يرى سيروير أن جميع قرارات السعودية الأخيرة سيئة، معتبرا أن إعادة العلاقات مع العراق "فكرة جيدة"، لكنه ظل متوجسا من التصعيد ضد إيران.
مع إسرائيل ضد إيران
على صعيد الحديث عن اصطفاف السعودية مع إسرائيل ضد إيران، باعتبار الأخيرة عدوا مشتركا للبلدين، قال الخبير الأمريكي: "لست واثقا إلى أي حد يمكن لهذا الاصطفاف أن يستمر".
وذكرت تقارير صحفية إسرائيلية في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن ولي العهد السعودي زار إسرائيل سرا والتقى عددا من المسؤولين. الأمر الذي نفته المملكة "جملة وتفصيلا" على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير.
وأعرب سيروير عن اعتقاده بوجود "الكثير من المخاطر" في إمكانية وقوع تصادمات بين الرياض وطهران، بيد أنه يرى أن "العقلاء سيمنعون حدوث بعضها"، في إشارة إلى احتمال اندلاع حروب بالوكالة وليست مباشرة.
ونصح الخبير السياسي المملكة بـ"تقييم قدراتها ومواءمة أفعالها معها، وإلا فإن العناد لا يجلب نصرا في الحروب ولا يحقق سلاما".
حرب أهلية لبنانية
من جانبه اعتبر الصحفي الأمريكي الخبير في الشؤون السعودية توماس ليبمان، أن الكثير مما يقال اليوم عن المملكة "مجرد تكهنات".
وتابع ليبمان بأنه لا يرى "تغييرات كثيرة" في سياسات واشنطن بالشرق الأوسط، وإنما يعتقد أن إدارة ترامب "مستمرة في دعم السعودية".
ويصر مؤلف كتاب "في دهاليز السرابـ العلاقات الأمريكية السعودية"، على أن موقف "حزب الله" إزاء نفوذه داخل لبنان لم يتغير أيضا، وبالتالي فإن "ليبمان" يعتقد بأن ما يحدث في المنطقة "ليس دراميا على نطاق واسع".
ولا يرجح "حربا مباشرة" بين السعودية وإيران، ولكنه لا يستبعد مطلقا "حربا أهلية داخل لبنان"، أما بالنسبة إلى العراق وسوريا واليمن فهو يرى أن حرب الوكلاء "قائمة هناك أساسا" بين البلدين على مناطق النفوذ.
حلفاء واشنطن الإقليميون
تحت عنوان "كيف يجعل دونالد ترامب الأمور أسوأ في الشرق الأوسط؟"، نشر رئيس الوزراء السويدي السابق كارل بيلدت مقالا في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الأربعاء الماضي.
وجاء في المقال أنه "حتى الآن، فإن الولايات المتحدة قررت أن تركز على محاربة الإرهاب ومراقبة إيران، ووجد البيت الأبيض أن أفضل طريقة لتحقيق أهدافه هي تعميق الاتكال السابق على الحلفاء الإقليميين، وهما السعودية وإسرائيل، واستبعاد كل شيء آخر تقريبا".
وأضاف بيلدت، أن استراتيجية ترامب "أثارت حماس الرياض وتل أبيب جراء هذا التحول، فالبلدان كانا مشغولين باستخدام نفوذهما مع صهر ترامب جاريد كوشنر، لتعزيز مصالحهما بأكبر شكل ممكن".
ورأى أن ترامب ضالع بشكل ما في دعم جهود الرياض لتغيير النظام في قطر: "ليس هناك أدنى شك في أن حملة الرياض لتغيير نظام الدوحة كانت مستوحاة من إمكانية الحصول على دعم قوي من ترامب".
واعتبر أن "الخلاف بين العائلات الحاكمة في السعودية وقطر ليس جديدا، ولا حتى محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما بعضا، لكن هذه المرة أظهر ترامب تأييدا للسعوديين، ما جعلهم يتوقعون انتصارا سريعا، وهو ما تبين عدم صحته".
واتهم السياسي السويدي ولي العهد السعودي بـ"محاولة إذكاء حرب وكلاء جديدة في لبنان".
وأقر بيلدت بأن برنامج الصواريخ البالستية في إيران "هو تهديد فعلي لجيرانها، ولكنها ليست الوحيدة في هذا، فترسانة إسرائيل من الصواريخ البالستية من المحتمل جدا أن تكون أكثر تطورا بكثير، كما أن السعودية حصلت على صواريخ بالستية صينية ذات مدى إقليمي".
خطط ولي العهد
صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قالت من جانبها، الثلاثاء الماضي، إن "مؤيدي الأمير محمد (بن سلمان) يقولون إنه يحاول اتخاذ إجراءات جذرية لتغيير أحوال المملكة، عبر إنهاء الاقتصاد المبني على الكسب غير المشروع والتخلص من الاعتماد على النفط، والتصدي في الوقت نفسه للعداء الإيراني".
لكن "المحللين في أنحاء المنطقة"، وفق الصحيفة، "يجادلون بشأن ما إذا كان أحد أسباب هذا الاندفاع (اعتقال أمراء سعوديين) هو الرغبة في تعزيز السلطة قبل التغيير الملكي، وتأمين بعض السيولة (المالية) للإنفاق على خططه".
وبحسب الصحيفة فإن بعض العاملين في وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين والأجهزة الاستخبارية "يخشون أن اندفاع (ولي العهد السعودي) قد يسبب نكسة لأهدافه، وعدم استقرار في المنطقة".
وأضافت أن اعتقال أمراء ومسؤولين سعوديين "أخاف المستثمرين بما فيه الكفاية، ما قد يطفئ جذوة خططه (ولي العهد) في طرح 5% من أسهم شركة أرامكو (للنفط) للاكتتاب العام، جزءا من مشروع رؤية 2030 الذي أطلقه، بهدف تخليص الاقتصاد السعودي من الاعتماد على النفط".
الصحيفة اعتبرت كذلك أن "تهديد الأمير السعودي لإيران ولبنان ألقى بظلال حرب ليس لدى الجيش السعودي ـ المنشغل بحرب اليمن ـ القدرة على خوضها، ما سيجعل الرياض تعتمد على الولايات المتحدة وإسرائيل في أي صراع جديد".
خطوات التصعيد الخمس
وفي مقال بعنوان "ترامب قد يدفع السعودية وإيران إلى الحرب"، على الموقع الإلكتروني لقناة "سي بي إس" الأمريكية الاقتصادية، في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، قال الكاتب الأمريكي جيك نوفاك، إن "أخبارا شديدة الأهمية تتطاير من السعودية بوتيرة متسارعة، لكن خلاصة القول هي أن السعوديين يقتربون من حرب إقليمية أوسع، وقد تكون الولايات المتحدة هي التي ساعدتهم على الاقتراب من هذا الطريق".
وبحسب "نوفاك"، فإن الأمير محمد بن سلمان كان معروفا حتى قبل تسلمه ولاية العهد، بأنه "صقر معادٍ لإيران"، مشيرا إلى تصريح للأخير قال فيه إن "الحوار السلمي مع إيران أمر مستحيل".
وفي مقابلة له مع الصحفي السعودي داود الشريان على القناة "الإخبارية" السعودية، في مايو/ أيار الماضي، قال ولي العهد: "نحن هدف رئيسي للنظام الإيراني"، و"لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لتكون عندهم في إيران".
وأرجع الصحفي الأمريكي الخطوات الأولى للتصعيد الراهن، إلى زيارة محمد بن سلمان (حين كان وليا لولي العهد) في مارس/ آذار الماضي، لترامب في البيت الأبيض، "حيث أعلنا على الملأ أن إيران هي تهديد أمني إقليمي رئيسي في الشرق الأوسط".
واعتبر نوفاك أن الخطوة الثانية تمت بزيارة ترامب للرياض في مايو الماضي، حيث "أعطى الضوء الأخضر للسعوديين لاتخاذ خطوات جديدة لمكافحة الإرهاب بالشرق الأوسط، وعلى ما يبدو فإن تعاطي السعوديين مع الإرهاب يختص تحديدا بالإرهاب والمليشيات المدعومة إيرانيا".
وبحسب نوفاك فإن الخطوة الثالثة كانت بتنصيب محمد بن سلمان وليا للعهد، بدلا من ابن عمه الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود.
فيما اعتبر أن زيارة سرية مزعومة للأمير محمد بن سلمان إلى إسرائيل كانت الخطوة الرابعة باتجاه التصعيد مع إيران.
وعلى هذه النقاط الأربع يبني نوفاك نظريته بأن اعتقال الأمراء السعوديين وما تلاه، ما هو إلا الخطوة الخامسة التي اشتملت على مزيج من التطهير، لإزالة أي عقبات داخلية محتملة نحو مزيد من العداء تجاه إيران.