جاء في الآثار أحاديث تتنبأ بإمارة الصبيان، والغلمان، وأكثرها مرفوع أو موقوف، لكن الحديث في البخاري، يقول: "إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ؛ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ".. ويمكن تأويل الساعة في الحديث مرتين؛ مرة بساعة القيامة، ومرة بالدنيا، وقد قام فيها ما يشبه الساعة، لقد رأينا عقارب الساعة وثعابينها في سوريا.
وصل تأثير عربة البوعزيزي إلى
السعودية، بعد سبع سنوات عجاف من الحريق السوري. تقول الآية عن مكة: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَما آمِنا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ"، ثم تأتي الجملة التالية: "أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ".. وقد نكل حكامها بأمنها، فسلّموا الحجاج الآمنين في حرم الله إلى حفتر، ويتردد كثيرون في الحج والعمرة؛ خوفا من الكفر بنعمة الله والغدر بأمانه. وحكامها يجبون الثمرات والرسوم، ويدفعونها لإيفانكا، ويصدّرون الحروب إلى اليمن ولبنان، ويضرمون النار في سوريا بالحطب، ويخشى الناس أن يكون أبو لهب قد عاد.
ابن سلمان في الثالثة والثلاثين، ولما يبلغ سن الرشاد، وكان النبي يبعث على رأس الأربعين، فاعتمد السن في الدستور السوري لتولي منصب الرئاسة، ثم دار الزمان دورته، ورأينا أول جمهورية وراثية عربية، والصبي رئيسا، والدستور في بلاد العرب يتمدد بحرارة الشهوة، ويتقلص ببرودة الخوف.
انظروا إلى الحال:
سليلة فارس تحتل أربع عواصم عربية، والسعودية نكاية بها تعتقل، زعماء دول سنيّة أربع، هم: سعد
الحريري، وعبد ربه منصور هادي، والرئيس الفلسطيني؛ بحسب الأخبار رفعت له البطاقة الصفراء للقبول بصفقة القرن التي قد تمضي إلى تسليم خيبر لليهود، وكانت السعودية تنوي احتلال قطر في ساعة من نهار بالبلاك ووتر، وقد أمّن حكامها في الحرم الآمن وما حوله؛ كل الطغاة الهاربين من شعوبهم، مثل زين العابدين بن علي، العلماني اللص الذي اعتكف فيها لإنفاق ما سرقه، وعيدي أمين، وبرويز مشرف.. وهكذا صارت مكة تجبي إلى الديار المقدسة ثمرات الطغيان أيضا.
وتسونامي بات وصفا متداولا لوصف الحملة الصليبية العاشرة، فقد أطلقت جميع الأوصاف على ابن سلمان وما يجري في السعودية. وكنت قد وصفتُ الصحفي الذي أطلق الوصف بـ"أبي كلبشة"؛ لأنه يكاد يقول: أنفي لا يخطئ. لكني أرجو أن يخطئ أنفه، فالمنطقة لا تنقصها الحروب، وأمريكا في الأخبار حذرت من العبث بلبنان وتصدير الحروب إليها، لكن لا ثقة في أمريكا، ولا أمان لها، ومشكلتها هذه الأيام أنها برأسين: رئيس الدولة الظاهرة الدسم السمين الأحمق، ووزير خارجيتها تيلرسون؛ الذي يقود مؤسسة الدولة العميقة.
من كان يصدق أن يتحول سعد الحريري إلى بطل الأسبوع.. البطل الضحية في سباق الأخبار على "الجزيرة"، وفي "الميادين"، و"المنار". وقد صار بطلا للسنة والشيعة، والمارونيين، والصابئة، وعبدة نجوم السوبر ستار! ويخشى آخرون أن يتحول الأسد إلى مقاوم من جديد على التلفزيونات التي ناصرت الثورات العربية، وقد عاد حسن نصر الله بطلا، أو محافظا على استقرار المشرق، كما قال جمال ريان، فذكّرنا بالحقوقي أنور مالك ناصر الثورة السورية، والأسرة الملكية السعودية معا! فسبحان من جمع الشتيتين.
حتى الآن لم تبلغ المذبحة قتل الضحايا، فالمقتولان هما أميران حتى الآن، كما وقع لملك وملكة نيبال، وآخرون من أفراد العائلة الحاكمة في نيبال في سنة 2001، عندما قضوا بزخات من الرصاص أطلقها داخل القصر ابن الملك وولي عهده؛ الذي ما لبث أن انتحر. ووقعت هذه المجزرة الملكية إثر خلاف عائلي بسبب عروس مرشحة للأمير، لم توافق الأسرة على زواجه منها.
بلاد العرب تغيّر جلدها، أو أن جلدها يسلخ وهي حية.
وكان سعد الحريري قد استدعي إلى السعودية، كما كان السوري يستدعى إلى فرع أمن لشرب فنجان قهوة، فيغيب أحقابا.. وصودر هاتفه وأجبر على الاستقالة، لكن رئيس الجمهورية الفرنسية ماكرون؛ ينفي أن يكون به سوء، والأغلب أن ماكرون سعيد بما يجري.
وتكاد جميع الأخبار والتحليلات تجزم بأن ترامب وجاريد صهره؛ يحرّضان ابن سلمان على الفوضى الخلاقة للحروب. والصبي لم يقدر على الحمار في اليمن بعد سنتين من القصف، فاتجه إلى البردعة. وتزعم الأخبار أن الشعب السعودي سعيد بمذبحة الأمراء، ووصف السعادة وصف أكبر من الحال، وأظنه سرور شماتة. واعتقلت أميرات، فرأينا في يوم ما كان يراه الناس في ثلاثين سنة.
وصارت بلاد الحرمين المقدسة خبرا طريفا في الإعلام العالمي كله، فالأمراء يتصارعون على السلطة في الأرض المباركة، والقارون الذهبي، الوليد بن طلال، معتقل في أحد أفخم فنادق على الأرض، فيه كل شيء إلا أمرٌ واحد، هو إمكانية التغريد.
جاء في الخبر: "فتحت الأميرة أميرة بنت عيدان بن نايف، زوجة الأمير الوليد بن طلال السابقة، النار على أمراء و أميرات آل سعود في تصريحات خاصة لصحيفة اللوموند الفرنسية من باريس، حيث أكدت أن من اتهموا طليقها بالفساد وغسيل الأموال يأتون بالقاصرات من آسيا لبيعهن في سوق النخاسة في جدة أو التمتع بهن، حيث تقام في مدينة جدة حفلات صاخبة يمارس فيها الجنس ويتم تعاطي المخدرات والخمور".
وأُشيع أن الدعاة الثمانية نُفوا إلى السودان.. إلى الإقامة الجبرية، وهي عقوبة أكرم من السجن، لو صدقت.. وثلاثة منهم ممنوعون من الاتصال، ولا أعرف كيف سيصير لقب محمد بن سلمان الذي ذهبت بأخباره الركبان.. هل سيصير محمد الفاتح العربي؟ أم قتيبة بن مسلم الثاني. لكنني أرى أن النخبة العلمانية العربية اليسارية سعيدة بابن سلمان؛ لأنه سيسمح للمرأة بقيادة السيارة.
ستغطي سيارة المرأة على بعض عيوبه، وربما يغطي بكيني البحر الأحمر على بعضه الآخر. والمرأة في السعودية مظلومة، ومحمد بن زايد إرم ذات العماد، وليس له من اسمه نصيب.. مشغول بمتحف اللوفر. قرأت مقالات مضحكة أن ابن زايد يؤسس للثقافة باللوفر حتى لو دخلوا جحر ضب؛ سباقا مع كأس العالم في قطر! مهما يكن، فهم معتقلون في سجن ذهبي، وهم فاسدون بمئات الملايين، ومحتجزون في فندق فاخر.
وطالت حملة مكافحة الفساد الحاج المسلم؛ الذي زادت رسوم حجه وعمرته، وطال الغرام والانتقام المقيمين في السعودية، رسوما وضرائب ومكوسا.. والظلم ظلمات في الدنيا والآخرة.
وكنت أربأ بابن سلمان، وهو ولي عهد، أن يقبّل قدم ابن عمه، وكانت القبلة رشوة، وقبلة القدم ليست من عادة العرب، وهي عادة لدى الهندوس، لكنها السلطة، وانتهى مفعول القبلة بسرعة، فمحمد بن نايف أيضا خسر ملياراته التي رشوه بها، وعائض القرني هو أحد الناجين حتى الآن، وبلغنا أنه ممنوع من السفر، ولم أكن أعلم أن دولة بهذا الغنى تستجدي المتبرعين لسقيا الحج.
وخلال يومين، قلّبتُ الأقنية على قناة السنة النبوية، فوجدت بالمصادفة هذين الحديثين:
بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَلَّا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنَّا لَا نَخَافُ لَوْمَةَ لَائِمٍ". ولم ينازع سلمان العودة الأمر أهله، فدعا بالهدى للجميع، فجرى له ما جرى. أما الحديث الثاني فكان حديث الثريد.
سميت السعودية باسم أسرة، تبعا لوظيفتها ونفيا للعرب عن الديمقراطية والحضارة، فهي دولة وظيفية، مثل زميلتها الدولة الدينية الثانية في الشرق الأوسط، إسرائيل. وجاء أوان استعمالها لوظيفتها عيانا. ومن المفارقات، أن "الجزيرة" عاشت، وأن فضائيات "روتانا" السيقان والنهود، و"MBC" تشعر بالخوف بعد أن حوصر سيدها في شِعب ريتز كارلتون.
"إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّر مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِل مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ".