نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا أعده كل من ديفيد زوكينو وإريك شميدت، يقولان فيه إن معركة
كركوك وضعت الولايات المتحدة وإيران على الجانب ذاته.
ويقول الكاتبان إنه "عندما قاتل الجيش
العراقي القوات الكردية هذا الأسبوع؛ لاستعادة مدينة كركوك المتنازع عليها، فإن منظر حليف أمريكي يقاتل حليفا آخر بسلاح أمريكي لم يكن المنظر غير اللائق الوحيد، حيث كان هناك منظر آخر، وهو إدارة أمريكا ظهرها لحليف مهم في الحرب ضد تنظيم الدولة، وهم الأكراد، في وقت تلاقت فيه مصالحها مع
إيران".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه في الوقت الذي تمت فيه العمليات العسكرية في كركوك يومي الاثنين والثلاثاء، تحت راية الجيش العراقي، فإن القوات المشاركة شملت مليشيات شيعية مدعومة من إيران.
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم تأكيد المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم الرئيس دونالد ترامب، أن الولايات المتحدة لم تصطف مع جانب ضد آخر في النزاع، إلا أن المحللين أكدوا موافقة الولايات المتحدة على خطة دخول المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، فيما أسهمت إيران في التوسط باتفاق مع فصيل كردي ليسحب قواته من كركوك، بشكل سمح للقوات العراقية بالدخول دون مقاومة.
وينقل الكاتبان عن المستشار السابق في الخارجية الأمريكية ديفيد فيليبس، قوله: "لم يكن العبادي (رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي) ليتحرك دون إعلام الولايات المتحدة"، وأضاف فيليبس، الذي عمل في الشأن العراقي لمدة 30 عاما: "في الحد الأدنى فإن أمريكا كانت تعرف أن الهجوم قادم".
ويورد التقرير نقلا عن المحللة البارزة في مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل ماريا فانتابي، قولها: "منحت الولايات المتحدة الضوء الأخضر، وكان هذا ضروريا"، وتضيف فانتابي أن هدف إيران كان إدخال المليشيات الشيعية في المناطق المتنازع عليها، وتقسيم الأكراد، وزيادة التأثير على الحكومة العراقية.
وتعلق الصحيفة قائلة: "سواء قصدت واشنطن أم لا، فإنها ساعدت في تحقيق هذه الأهداف، حيث كانت ترغب في إعادة سيطرة بغداد على محافظة كركوك، وقال مسؤولون إن الولايات المتحدة امتنعت عن تقديم الدعم في كركوك؛ حتى تظهر غضبها من رفض الأكراد تأجيل
الاستفتاء، فيما يقول أنصار حكومة إقليم كردستان إنهم توقعوا من الولايات المتحدة أكثر، بعدما قتل أكثر من 1700 مقاتلا في الحرب ضد تنظيم الدولة".
ويورد الكاتبان نقلا عن مدير الاتصالات لرئيس الإقليم فاهال علي، قوله: "لا أريد استخدام كلمة خيانة.. لكننا نشعر أن الولايات المتحدة كانت مقصرة"، مشيرا إلى أن الأكراد يشعرون بالخيبة من الطريقة التي تعاملت فيها الولايات المتحدة مع الأمر، وأضاف: "يقدمون الآن العراق هدية لإيران.. وهذا كلام بطريقة دبلوماسية".
ويفيد التقرير بأن المدير السابق لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي جوشوا غيلتزر، لاحظ المفارقة بمساعدة أمريكا إيران، التي جاءت بعد تهديد ترامب لها في خطابه الجمعة الماضية، ورفضه المصادقة على الاتفاقية النووية معها، قائلا: "يبدو أننا تنحينا عن الطريق في الوقت الذي دفعت فيه بغداد الأكراد، وهذا لا يشعرنا بالراحة"، ويضيف غيلتزر: "كما أنه أمر لا معنى له من إدارة تريد التشدد مع إيران".
ونلفت الصحيفة إلى أن الأحداث بدأت من الاستفتاء الذي عقده الأكراد قبل ثلاثة أسابيع، الذي صوتت فيه غالبيتهم على الاستقلال عن العراق، مستدركة بأنه رغم أنه لم يؤد إلى الانفصال المباشر، إلا أن القوى في المنطقة عارضته بشكل قوي، حيث خشيت إيران، التي تتمتع بتأثير قوي في بغداد، من تحرك كردي للاستقلال؛ ما يؤثر على الأكراد الذين يعيشون داخل أراضيها، وعارضت الولايات المتحدة الاستفتاء؛ لعدد من الأسباب، وأهمها عرقلة الحملة التي تقودها ضد تنظيم الدولة.
ويعلق الكاتبان قائلين إن "محاولة حكومة إقليم كردستان ملاحقة حلم الاستقلال ارتدت سلبا عليها، وبطريقة مذهلة، فعلى مدى يومين سيطرت القوات العراقية على كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها سيطر عليها الأكراد منذ عام 2014، وسحق الهجوم حلم الأكراد بالاستقلال، ما أثار أسئلة حول التقدير السياسي، ومستقبل الزعيم الكردي مسعود
بارزاني، وفي نظرة للخلف، فإن عمق سوء تقدير بارزاني واضح، إن لم يكن مثيرا للدهشة، حيث أنه أساء تقدير قدرته على المقايضة مع العراق، وأساء تقدير العداء للاستفتاء بين جيرانه وحلفائه، ومنهم الولايات المتحدة، وبعد الاستفتاء أخبر المسؤولون الأمريكيون الزعيم الكردي أنه خسر حسن نية الولايات المتحدة".
وينوه التقرير إلى أن قوات البيشمركة ظلت في السنوات الثلاث الماضية الحليف المهم للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم الدولة، وكانت في بعض الأحيان أفضل من القوات العراقية، مشيرا إلى أنه بعد أقل من أسبوعين على الاستفتاء فإن القوات العراقية طردت تنظيم الدولة من آخر جيوبه الحويجة، حيث انتقلت المعركة لصحراء الأنباء، بعيدا عن مواقع البيشمركة.
وتنقل الصحيفة عن المحلل المتخصص في الشرق الأوسط في جامعة الدفاع الوطنية في واشنطن دينس ناتالي، قوله: "كان للبارزاني تأثير قليل في الماضي، ولم يعد لديه أي نفوذ الآن".
ويذكر الكاتبان أنه في الوقت الذي احتشدت فيه القوات العراقية على الحدود الكردية، وتم تحذير القادة الأكراد من غزو محتوم، فإن العبادي أكد أن لا خطط للهجوم على كركوك، وأن ما قيل هو مجرد "أخبار زائفة"، ولم يصدر من الإدارة الأمريكية ما يكذب تصريحاته، وفي سؤال للمتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر نوريت حول الدور الأمريكي في العملية العسكرية، فإنها أجابت قائلة: "لقد قلنا دائما إننا مع عراق موحد".
ويذهب التقرير إلى أن المفاجأة الأخرى هي انسحاب البيشمركة من كركوك، التي وافقت على الخروج وفتح الباب أمام القوات العراقية، مشيرا إلى أنه جرى التركيز على لقاء عقد نهاية الأسبوع بين القائد العسكري الجنرال قاسم سليماني وقادة الاتحاد الوطني الكردستاني، وقال رئيس شرطة كركوك الجنرال خطاب عمر، إن الجنرال سليماني عقد اجتماعات مع قادة الاتحاد الوطني في كركوك والسليمانية.
وتورد الصحيفة نقلا عن فاهال علي من حكومة الإقليم، قوله إن سليماني تلاعب بالأحداث ليدخل المليشيات الشيعية، فعندما خرجت البيشمركة يوم الجمعة من منطقتين جنوب كركوك، فإن المليشيات والقوات العراقية دخلت ورفعت أعلامها على المباني الحكومية، لافتة إلى أن هناك تكهنات حول قيام سليماني بالتفاوض حول خروج البيشمركة من كركوك، إلا أن المتحدث باسم الاتحاد الوطني الكردستاني أكد أن قادة البيشمركة تفاوضوا مع الحكومة العراقية.
ويعلق الكاتبان قائلين إن "الجنرال قاسم سليماني ظل شخصية محورية في العراق، وقاد خلال السنوات الماضية فرع العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، ووجه المليشيات الشيعية لقتل المئات من الأمريكيين، وفي عام 2014 أصدر أمرا بضم مقاتلين شيعة للقوات العراقية المسلحة، أو ما أطلق عليها حزب الله العراقي".
وينقل التقرير عن الباحثة البارزة في معهد دراسات الحرب في واشنطن جينفر كافاريلا، قولها إن الصفقة التي قام بها سليماني "هي السيناريو الأقرب في وضع مهم استراتيجيا لإيران"، وتضيف كافاريلا: "من المحتمل أنه أدى دورا لإجبار الأكراد على الانسحاب"، فيما قال متحدث باسم السفارة الأمريكية في بغداد إن العملية شاركت فيها القوات العراقية بالتعاون مع القوات الكردية؛ لاستعادة السيطرة على منطقة متنازع عليها.
وتقول الصحيفة إن هذه العملية أجبرت على مواجهة بين قوتين تلقتا دعما عسكريا من الأمريكيين، فالبيشمركة والقوات العراقية حصلتا على المساعدات العسكرية والأمنية والغارات الجوية في الحرب ضد تنظيم الدولة، مشيرة إلى أن رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس السيناتور جون ماكين، عبر عن غضبه الشديد، وقال: "قدمت الولايات المتحدة المعدات والتدريب للقوات العراقية لتقاتل تنظيم الدولة، ولحماية نفسها من التهديدات الخارجية، وليس لمهاجمة عناصر في حكومتها الإقليمية، التي تعد شريكا مهما للولايات المتحدة".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن ماكين حذر من "عواقب خطيرة" لو تم تدمير معدات أمريكية في العملية، لافتة إلى أن الأكراد قالوا إن مقاتليهم دمروا خمس عربات همفي استخدمها الجيش العراقي في العملية يوم الاثنين.