نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للصحافي عمرو خليفة، يقول فيه إنه زار أحد المقاهي في شارع جانبي من شوارع القاهرة، وفوجئ بأن المقهى كان فارغا من الزبأئن، مشيرا إلى أن صديقا له أخبره بأن الحكومة سعت على مدى السنوات القليلة الماضية لإخلاء أمثال هذا المقهى، من خلال المداهمات المتعددة لها.
ويقول خليفة: "إن المفكرين المستقلين يخيفون الحكام، ولذلك عليهم أن يشعروا باليد الحديدية، ففي هذا البلد قد يؤدي بك الرأي، أو صفحة (فيسبوك) أو المقال، أو الحديث العابر، الذي ليس بالضرورة سياسيا، إلى السجن، الخوف في هذه المناطق هو المهيمن.. مرحبا بك في أرض الخوف".
وينقل الموقع عن أستاذة العلاقات الدولية المتخصصة في الشرق الأوسط في جامعة أمستردام فيفيان ماثياس- بون، قولها: "يؤدي الخوف دورا بارزا في الحياة
المصرية العامة"، وتضيف الأستاذة المتخصصة بالصدمة الشخصية والاجتماعية، أنه لطالما استخدم الخوف لتقسيم الناس وحكمهم من الأنظمة الشمولية في أنحاء العالم كله؛ لإبعاد الناس عن بعضهم والاحتفاظ بالسلطة.
ويعلق الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلا: "كان منطقيا، بالذات بعد انقلاب 2013، أن يكون العنف هو الرخصة التي تسمح لعبد الفتاح
السيسي بالحكم، وكان هناك تحول مهم في النموذج على الأرض، عندما شعر الحكام العسكريون أن أي أمل في تقرير المصير يهدد هيمنتهم السياسية والاقتصادية".
ويشير خليفة إلى أنه "كان هناك قرار في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يمثله السيسي، بأنه يجب سحق المعارضة بعنف، حتى أنه عندما يرتفع صوت واحد يجب إسكات ألف صوت، ويجب جعل كل من يعارض، وليس الإخوان المسلمين فقط، مثلا لذلك، ومع أن هذه السياسة أصبحت واضحة بعد الانقلاب، إلا أنها بدأت مع بدايات الثورة".
ويلفت الكاتب إلى أن تقريرا رئاسيا -أثناء حكم الرئيس محمد مرسي عام 2012- لم يتم نشره، يظهر بأن الجيش كان مسؤولا عن "قائمة من الجرائم ضد المدنيين، ابتداء من نشرهم في الشارع.. حيث اختفى أكثر من ألف شخص خلال 18 يوما من ابتداء الثورة، وظهر العديد منهم في مشارح مصر وقد قتلوا بالرصاص ويحملون على أجسادهم علامات
التعذيب".
ويبين خليفة أن "ذلك كان قبل بفترة طويلة من ظهور الاختفاء القسري لمئات المصريين، الذي يمارسه النظام المصري تحت المجهر منذ العام الماضي، لكن التقرير أوضح أن الجيش كان يفعل هذا منذ عام 2011".
ويستدرك الكاتب بأن "قيادة الإخوان المسلمين أبقت هذا التقرير سرا، ولم يتم التحقيق في القيادة العسكرية، وهذا لم يعن أن المجرمين نجوا من العقاب فقط، بل أن المعلومات المزورة ومنع وصول المعلومة خلفا خوفا أكبر".
ويجد خليفة أن "منظمة (هيومان رايتس ووتش) كانت محقة عندما قالت إن التعذيب يشكل وباء في مصر السيسي، وكأن الأخير منح الشرطة وضباط الأمن الضوء الأخضر ليعذبوا متى يشاؤون، وليس أقل خطورة من التعذيب هو القبول به، وصمت ملايين المصريين؛ فهؤلاء وكأنهم اليد اليمنى الخفية للديكتاتور".
ويقول الكاتب: "سمعنا هذا الصيف كلاما يردده المصريون العاديون من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة، مثل: (هناك دائما عدد قليل من حبات التفاح الفاسدة)، و(لا يمكن أن يكون الرئيس يعلم بذلك، إنه رجل رباني) و(هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية هي منظمات تريد زعزعة الاستقرار في البلد، وعلى علاقة مع الإخوان المسلمين)".
ويذهب خليفة إلى أنه "كون آلة التعذيب تولد الخوف في نفوس الكثير ليس أمرا غريبا، وبحسب تقرير (هيومان رايتس ووتش): (تبدأ جلسة التعذيب عادة بقيام ضباط الأمن بصعق الشخص المعرى والمعصوب العينين والمكبل اليدين بمسدس صعق كهربائي، وعادة في منطقة حساسة، مثل الأذنين والرأس)".
ويوضح الكاتب أن "الهدف ليس هو فقط توليد الخوف لدى الضحية، لكن تحويله/ تحويلها إلى مصنع خوف متنقل، يبث الخوف بين عائلته وأصدقائه ومعارفه".
ويقول خليفة إن "الاغتصاب هو أمر مركزي في كوكتيل إرهاب الدولة السرطاني، ففي مجتمع قائم على التحفظ الجنسي، فإن الاغتصاب يستخدم سلاحا قاتلا ضد الجنسين، ففي مصر، حيث تنظر الأغلبية بازدراء للمثلية الجنسية، فإن اغتصاب رجل لرجل يحمل بالذات تعمد إذلال الشخص بقصد إسكاته حتى آخر يوم في حياته".
ويعلق الكاتب قائلا: "هذه هي الطرق الواضحة التي يعمل بها الخوف، لكن الصدمة الناتجة عنه هي الهدية البشعة التي تبقي فعاليته، وهذا ما يعتمد عليه النظام، لكن البروفيسورة ماثياس – بون تقول إن البعض (يشعر بتصميم أكبر) لمكافحة النظام".
وتقول البروفيسورة للموقع: إن "هذه الاستثناءات موجودة"، وفي الواقع في بعض الحالات تتحمل ما يسعى النموذج العسكري لكسره.
وينوه خليفة إلى أن "مفكرا مصريا وضح منذ فترة قريبة على المنصة الأكثر انفتاحا لتبادل الأفكار (تويتر) أن (الخوف هو أبشع كلمة موجودة، وأساس الشرور كلها، وتشكل الخطر الأكبر على السعادة)".
ويستدرك الكاتب بأنه "بالرغم من هذه الصفعات المصممة بشكل جيد لحرية التعبير، إلا أن هناك من يجرؤ على الكلام، ويقدر العالم جهودهم، ومثال حي على هؤلاء الناشط ومدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان محمد زارع، الذي فاز بجائزة مارتين إينالز، لكن في الظروف الحالية فإن حتى تلقي الجائزة شخصيا أمر صعب، فبالرغم من عمله الرائع في توثيق الاعتداءات على حقوق الإنسان، فإنه لم يستطع أن يفعل شيئا ليتسلم الجائزة، فهو ممنوع من السفر من الحكومة المصرية، التي تفعل ما بوسعها لإسكات تلك الأصوات، والعقلية ذاتها التي جعلت من زارع شخصية غير مرغوب بها، أغلقت مركز النديم الطبي لعلاج ضحايا التعذيب".
ويفيد خليفة بأنه "بالنسبة للقليل الذين استطاعوا تجاوز حاجز الخوف، فإن الحقيقة هي الهدف والجسر الذي يوصل إلى مياه أكثر نقاء، حيث قال زارع للصحافيين: (هذه الجائزة هي ملك لعشرات آلاف المواطنين المصريين، الذين عذبوا أو سجنوا أو اختفوا أو قتلوا على مدى السنوات الست الماضية، لا لشيء إلا لوقوفهم ضد الفساد والاستبداد بأسلوب سلمي)".
ويذكر الكاتب أنه "لدى افتتاح السيسي آخر مشروع ضخم، العاصمة الإدارية، الذي تصل قيمته إلى 45 مليار دولار، فإنه لم يضع الفرصة ليقول للمصريين اصمتوا؛ لأنه يقبل الانتقاد فقط من الناس الذين يتميزون بالعلم والوعي والدراية، وبالطبع فإن السيسي هو من يحدد من هم هؤلاء الناس الواعين".
ويقول خليفة: "أما من لا يصنفهم النظام أنهم على دراية، فإن لديهم عدة خيارات: الاختفاء القسري أو السجن أو التعذيب أو الموت، فعندما يصرح الرئيس بأن من يعارضه خارج عن القانون، فإن الخوف سيحكم".
ويضيف الكاتب: "نستطيع، بصفتنا محللين، أن نتنبأ متى يمكن أن يقع الانفجار، لكن فعل ذلك دون فهم أرض الخوف يعني إهمال الحقيقة بأن الخوف يسبب الشلل".
ويخلص خليفة إلى القول: "قد فهم نجيب محفوظ هذا الأمر، فقال في مذكراته: (سألت الشيخ عبد ربه التائه: متى ستصحح البلد مسارها؟ عندما يدرك الناس أن جزاء الجبن أكبر تكلفة من السلام الذي يأتي به؟)".