كشف الكاتب
الإسرائيلي ميرون رابوبورت، عن عدد من تحفظات إسرائيل على اتفاق المصالحة الذي وقع يوم الخميس الماضي، في القاهرة، بين حركتي
فتح وحماس، مستعرضا موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو من التقارب الذي حدث بين الحركتين في 2011 و2014.
وقال رابوبورت، في
مقال نشره على موقع "ميدل إيست آي"، إن المباحثات التي جرت بين
حماس وفتح عام 2011 للتوقيع على المصالحة لم ترق لنتنياهو الذي كان ينظر إلى فكرة المصالحة بـ"ازدراء شديد". وتكررت القصة مرة أخرى في شهر إبريل / نيسان من عام 2014، حينما وقعت كل من فتح وحماس اتفاقية تنص على تشكيل حكومة وفاق وطني،حيث صرح حينها نتنياهو بأن عباس "اختار حماس على السلام"، وأعلن تجميد الاتصالات الدبلوماسية التي كانت قائمة حتى ذلك الوقت بين إسرائيل والفلسطينيين.
ولفت الكاتب إلى أنه "لا يوجد دليل على أن الاتفاق بين الفلسطينيين فشل بسبب إسرائيل"، مضيفا: "إلا أن ما كان واضحاً في الحالتين هو أن معارضة نتنياهو للمصالحة الداخلية بين الفلسطينيين كانت سافرة جداً".
وأشار الكاتب لوجود نشرة صادرة عن مكتب رئيس الوزراء تفيد أن إسرائيل تعارض أي اتفاق لا يستجيب للشروط التي وضعتها الرباعية (الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)، والتي اشترطت في عام 2006 مقابل الاعتراف بحكومة فلسطينية تشارك فيها حركة حماس قبول الأخيرة بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية بالإضافة إلى الاعتراف بإسرائيل وإنهاء كل أعمال الإرهاب الموجهة ضدها.
وأضاف: "وبينما "صحح" الإعلان الإسرائيلي الصادر يوم الخميس شروط الرباعية من خلال إضافة مطلب يتعلق بضرورة نزع سلاح حماس، إلا أن المثير للانتباه هو غياب أي نوع من التهديدات التي كانت قد صدرت ما بين عامي 2011 و 2014".
وأوضح أن نتنياهو "أضاف مطلباً جديداً لم يرد إطلاقاً من قبل في شروط الرباعية ألا وهو قطع العلاقات مع إيران – وهو شرط من الواضح أنه لن يكون مقبولاً لا لدى عباس ولا لدى حماس. والمعجزة هي أن هذا الشرط بطريقة أو بأخرى لم يجد طريقه إلى التصريح الذي صدر يوم الخميس عن مكتب رئيس الوزراء"، ليقول إنه "من الواضح أن نتنياهو نفسه لم يغير من موقفه من حيث المبدأ تجاه التقارب الداخلي الفلسطيني".
وسجل الكاتب الإسرائيلي أن الصيغة المستخدمة هذه المرة تقول إن "إسرائيل سوف تقيم التطورات على الأرض وستتصرف بناء عليها". لافتا إلى أنه "لم يرد ذكر شيء يتعلق بالعقوبات أو الإجراءات العسكرية. وبهذا تكون إسرائيل قد تحولت فجأة إلى مراقب محايد".
عوامل تراجع القضية بالأجندة الإسرائيلية
وكشف الكاتب عن وجود عوامل ساهمت في تراجع القضية الفلسطينية في الأجندة الإسرائيلية ولدى الجمهور اليهودي، وقال: "من هذه العوامل طول فترة الهدوء النسبي الذي ساد الجبهة الأمنية، والضعف المستمر الذي يعاني منه عباس في الساحتين الدولية والمحلية، والإحساس الذي يشعر به الفلسطينيون أيضاً بأن العالم لم يعد مهتماً بالحكاية الفلسطينية".
وقال إن "الانقسام بين غزة والضفة الغربية من وجهة النظر الإسرائيلية لم يزل يمثل مصلحة قديمة متجددة. ويعود ذلك حتى إلى ما قبل الخلاف الذي نشب بين حماس وفتح، بل هو سابق أيضاً على اتفاقيات أوسلو".
واعتبر الكاتب أن "استيلاء حماس على قطاع غزة في عام 2007 بمثابة هدية السماء إلى إسرائيل. فقد وفر ذلك لإسرائيل الحجة المثالية لإنهاء الحركة تماماً بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وما كان بإمكان المجتمع الدولي الاعتراض على ذلك إذا كانت السلطة الفلسطينية تفضله".
وأضاف: "مكن ذلك الوضع فرض الحصار الإسرائيلي على غزة وأضفى مشروعية على القصف الإسرائيلي الجسيم لقطاع غزة بدءاً بالرصاص المصبوب في 2009 وانتهاء بالجرف الواقي في 2014".
واستطرد: "يصعب أن يفترض المرء بأن الرد الإسرائيلي المعتدل على المصالحة هذه المرة يشير إلى تغير حقيقي في المقاربة. لقد كسبت إسرائيل مرتين من الانشقاق بين حماس في غزة وفتح في الضفة الغربية".
ولفت إلى أن إسرائيل عززت قبضتها على الضفة الغربية وفتحت المجال أمام توسع الاستيطان خلال الانقسام الفلسطيني، مضيفا: "وفوق ذلك كله، تراجع بشكل هائل النفوذ السياسي لعباس وحكومته في الساحة الدولية لأنهم لم يعودوا قادرين على الادعاء بأنهم يتحدثون نيابة عن جميع الفلسطينيين، ولا يبدو أن هذا الانطباع يوشك أن يتبدل".
التقارب المصري الإسرائيلي
وأوضح أن الذي اختلف الآن، "هو اعتماد إسرائيل المتزايد على مصر". مشيرا أن الصلة الأمنية بين البلدين لم تكن في أي من الأوقات وثيقة بالشكل الذي هي عليه في عهد رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
ونقل عن وسائل الإعلام قولها إن "السيسي ونتنياهو يتحدثان عبر الهاتف بانتظام. بل لقد وافق السيسي على الالتقاء مع نتنياهو أمام الكاميرات أثناء الاجتماع السابق للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك"، مؤكدا أن هذه الصلة أتاحت لإسرائيل "حرية التصرف مع الفلسطينيين حتى بدون عملية سياسية، ولو لمجرد التظاهر. إلا أن ذلك لا يأتي بدون تكلفة"، على حد قوله.
وكشف الكاتب الإسرائيلي عن أنه "ما أن قررت مصر بأن مصلحتها الخاصة تتطلب إخضاع قطاع غزة للسلطة الفلسطينية وكذلك إجراء مصالحة بين فتح وحماس، لم يعد بمقدور إسرائيل إعطاء الانطباع بأنها تسعى لإفشال عملية المصالحة مقدماً. لأن ذلك كان من شأنه أن يدمر حلم "التحالف السني" بين المملكة العربية السعودية ومصر ودول الخليج من جهة وإسرائيل من جهة أخرى – وهو الحلم الذي رعاه نتنياهو على مدى السنوات القليلة الماضية. ومن هنا كان لابد أن تتجاهل إسرائيل حقيقة أن مصر هي التي ضغطت على عباس – كما جاء في التقارير الواردة من القاهرة – حتى يتخلى عن مطلبه الذي كان يصر من خلاله على "سلطة واحدة وسلاح واحد"، بمعنى آخر نزع سلاح حماس"، وفق تعبيره.
وسجل أن تقارير أفادت "أن مصر طلبت من إسرائيل الانزواء في هذه المرحلة، ويبدو أن طلباً مشابهاً جاء من الإدارة الأمريكية. وفي تصريح لصحيفة نيويورك تايمز، قال أحمد يوسف أحد مستشاري زعيم حماس إسماعيل هنية، إن المصريين حصلوا على ضوء أخضر من إدارة ترامب. وكان مستشار ترامب جيسون غرينبلات قد قال فقط في نهاية شهر أغسطس / آب إن على السلطة الفلسطينية "أن تتولى المسؤولية عن غزة"".
وقال: "والسؤال الكبير هنا يتعلق بما إذا كان صمت إسرائيل النسبي مؤشراً على صفقة أوسع تم إبرامها بين ترامب والسيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان لإعادة ترتيب المنطقة، يكون الهدف منها تشكيل تحالف ضد إيران ولكن في نفس الوقت يمكن أن يشتمل على حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
شكوك الفلسطينيين
وأشار إلى أن كثيرا من المعلقين الفلسطينيين تراودهم شكوك بأن الخطة تتجلى في "إجبار الفلسطينيين على دفع ثمن مثل ذلك التحالف من خلال إبرام اتفاق لا يرغبون فيه: على سبيل المثال، دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، بدون المنطقة "ج" التي تشكل 60 بالمائة من الضفة الغربية، وبدون القدس، وبدون حق العودة".
وأكد أن "فرص تحقق ذلك تبدو معدومة"، مضيفا أنه "حتى لو بادرت إدارة ترامب في الواقع بوضع مثل هذه الخطة على الطاولة، الأمر الذي لا يبدو في هذه اللحظة معقولاً، أخذاً بالاعتبار الصعوبات التي يواجهها ترامب حالياً في واشنطن، يصعب رؤية كيف سيتسنى لنتنياهو إقناع حكومته اليمينية بالمشاركة في مؤتمر سلام إقليمي هدفه إقامة دولة فلسطينية مستقلة، مهما كانت هذه الدولة صغيرة ومهما كانت مشلولة".
التقارب مع حماس
واستدرك رابوبورت: "بل إن التقارب مع حماس سيجعل مثل هذه المهمة مستحيلة على الإطلاق. فحتى لو افترضنا أن نتنياهو يتمنى ذلك، فلن يتمكن من إقناع نفتالي بينيت، رئيس حزب البيت اليهودي، أو أي من وزراء اليمين الآخرين في حكومته، بالجلوس حول نفس الطاولة التي يجلس حولها وفد فلسطيني تشارك فيه حماس بشكل مباشر أو غير مباشر".
وأوضح أن "هذا لا يعني أن إسرائيل ستنأى بنفسها وتنعزل سامحة لعملية المصالحة بالمضي قدماً حتى تحقق غايتها".
وقال إن إسرائيل ستقوم، بحسب البيان الرسمي الذي صدر الخميس الماضي، بتقييم التطورات، وإن كانت في الواقع تتمنى أن تفشل
المصالحة الفلسطينية كما فشلت من قبل في 2011 وفي 2014. في كل الأحوال، حتى لو نجحت المصالحة، يصعب رؤية كيف ستوافق إسرائيل على رفع الحصار عن قطاع غزة أو السماح بالحركة بين غزة والضفة الغربية.
وأضاف: "فحتى يحصل ذلك، لابد من أن يطرأ تغيير أساسي في علاقات القوة والنفوذ بين إسرائيل والإدارة الأمريكية والفلسطينيين، ولا يوجد في الأفق ما يشير إلى أن ذلك وارد الآن".