أعلنت الولايات المتحدة، الخميس، انسحابها من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (
يونسكو)، متهمة إياها بأنها "معادية لإسرائيل"، التي أعلنت بدورها أنها تستعد للانسحاب من المنظمة، المتهمة بتأييد الفلسطينيين.
وبعد سنوات من التوتر في اليونسكو، التي تشهد حاليا عملية اختيار أمينها العام الجديد في مقرها في باريس، أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، هيذر نويرت، أن الولايات المتحدة ستنسحب من المنظمة، في خطوة اعتبرتها المديرة العامة للمنظمة "خسارة للتعددية".
وقالت نويرت، في بيان، إن "القرار يعكس قلق الولايات المتحدة من متأخرات الدفع المتزايدة في اليونسكو، والحاجة إلى إصلاحات أساسية في الوكالة، ومواصلة انحياز اليونسكو ضد
إسرائيل".
وعلى إثر ذلك، أعلنت إسرائيل انسحابها من اليونسكو، مشيدة بقرار الولايات المتحدة
الانسحاب من المنظمة.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان، إن "رئيس الوزراء أعطى توجيهاته لوزارة الخارجية بتحضير انسحاب إسرائيل من المنظمة".
واعتبر أن القرار الأمريكي "شجاع وأخلاقي؛ لأن منظمة اليونسكو أصبحت مسرح عبث، وبدلا من الحفاظ على التاريخ، فإنها تقوم بتشويهه".
وكان سفيرها لدى الأمم المتحدة، داني دانون، قال في بيان: "بدأنا عهدا جديدا في الأمم المتحدة. هناك ثمن يجب دفعه مقابل التمييز ضد إسرائيل".
وكانت الولايات المتحدة، إحدى الدول المؤسسة للمنظمة، انسحبت خلال حكم الرئيس رونالد ريغان في العام 1984؛ بسبب مزاعم عن سوء الإدارة المالية للمنظمة، والانحياز ضدها في بعض سياستها.
وفي العام 2002، أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عودة بلاده إلى المنظمة، لكن العلاقات ساءت مجددا عام 2011، حين علقت واشنطن مساهماتها المالية، بعد أن صوّت أعضاء المنظمة لصالح قبول عضوية فلسطين.
وتعارض واشنطن أي خطوة تقوم بها وكالات الأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين دولة، معتبرة أن هذه القضية يجب أن تناقش في إطار اتفاق للسلام في الشرق الأوسط.
لكن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدرس كل التزاماتها التعددية، في إطار الوعد باتباع سياسة خارجية محورها "أمريكا أولا".
من جهتها، عبرت المديرة العام للمنظمة ايرينا بوكوفا عن "أسفها العميق" لقرار الولايات المتحدة، معتبرة أنه "خسارة للتعددية".
وقالت بوكوفا، في بيان: "في الوقت الذي تستمر فيه النزاعات (...) من المؤسف للغاية أن تنسحب الولايات المتحدة من وكالة الأمم المتحدة، التي تدعم التعليم من أجل السلام، وتحمي الثقافة التي تتعرض لاعتداء".
وتابعت: "رغم تعليق التمويل (الأمريكي)، عمقنا الشراكة بين الولايات المتحدة واليونسكو".
ويأتي القرار الأمريكي فيما تحاول القوى الأوروبية الضغط على ترامب لاحترام التزامات واشنطن الدولية.
وفي حزيران/ يونيو، أعلن ترامب عزمه الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، الموقع عام 2015، كما يستعد لاتهام إيران بالفشل في الوفاء بالتزاماتها، بموجب الاتفاق النووي بين طهران والدول الكبرى الست في العام ذاته.
وكلها قرارات تتبنى مواقف معارضة لحلفائه الأوروبيين.
وعبرت باريس وموسكو عن "الأسف" للانسحاب الأمريكي.
وقالت انييس روماتيه إسباني، المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية: "نحن نأسف للقرار الأمريكي بالانسحاب من اليونسكو، في وقت يعدّ فيه دعم المجتمع الدولي لهذه المنظمة أساسي".
وتابعت بأن اليونسكو "بحاجة أكثر من أي وقت آخر لمشروع تجد فيه كل الدول الأعضاء ضالتها، ويستعيد الثقة، ويتجاوز الخلافات السياسية".
وأكدت الخارجية الروسية أن الولايات المتحدة "تغادر المنظمة في وقت صعب، وتفاقم الوضع بأفعالها".
انتقاد إسرائيل
وباتت اليونسكو، التي تشتهر بقائمتها للتراث العالمي، التي تتضمن الغراند كانيون ومواقع أخرى في الولايات المتحدة، مسرحا لمواجهات دبلوماسية، بعد أن نجحت الدول العربية في تمرير عدد من القرارات التي تنتقد إسرائيل.
ففي أيار/ مايو الفائت، أيد أعضاء المجلس التنفيذي التابع للمنظمة قرارا يعتبر إسرائيل "سلطة احتلال" في القدس، ويحضها على إلغاء أي إجراء من شأنه أن يغير "طابع أو وضع" المدينة.
ويندد نص القرار بـ"جميع الإجراءات والأفعال القانونية والإدارية التي تتخذها إسرائيل، سلطة الاحتلال، التي غيرت أو تسعى إلى تغيير طابع ووضع المدينة المقدسة، القدس".
وفي تموز/ يوليو، أشاد الفلسطينيون بإعلان اليونسكو مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة "منطقة محمية" في التراث العالمي.
ووصف نتنياهو في حينه القرار بأنه "سخيف".
ورغم قطع واشنطن تمويل المنظمة في 2011، إلا أنها واصلت التعاون مع اليونسكو في برامج تهم المصالح الأمريكية، مثل مكافحة تنامي التطرف، وتخليد ذكرى الهولوكوست.
"بعثة مراقبة"
ومن المقرر أن يدخل الانسحاب الأمريكي حيز التنفيذ في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2018، وأعلنت واشنطن أنها ستشكل "بعثة بصفة مراقب"، لتحل محل بعثتها في الوكالة.
ويصوت المجلس التنفيذي للمنظمة حاليا لاختيار أمين عام جديد بين مرشحين من قطر وفرنسا ومصر.
وقال متحدث باسم بعثة الولايات المتحدة في اليونسكو، لوكالة فرانس برس، إن القرار "لن يؤثر على سباق انتخاب الأمين العام" الجديد.
وقال رئيس المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فرانسوا هيزبورغ، أن من المحتمل أن تكون دوافع القرار رغبة ترامب في بعث رسالة دعم لإسرائيل، وتأكيد سياسات "أمريكا أولا".
وتابع بأن "اليونسكو هدف أسهل من الآخرين. هو صغير نسبيا. ولن يضر بمصالح حيوية. واليونسكو ذهبت أبعد من باقي وكالات الأمم المتحدة في الاعتراف بإسرائيل".