نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على الأحداث التي شهدتها
السعودية في الآونة الأخيرة، في ظل سلسلة الإصلاحات التي يقودها ولي العهد السعودي في سبيل تحديث المجتمع السعودي، مرورا بتعديل القانون الخاص بقيادة المرأة للسيارة، ووصولا إلى بعث مشاريع سياحية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن المملكة العربية السعودية أعلنت خلال شهر آب/ أغسطس أنها تعتزم إنشاء منتجعات ساحلية راقية المستوى على ضفاف البحر الأحمر للسياح الأجانب؛ الذين سيتمتعون بوضع قانوني خاص بهم يتوافق مع "المعايير الدولية".
وأشارت الصحيفة إلى أن السعودية من المحتمل أنها ستسمح للمرأة بالسباحة في البيكيني، وتقديم المشروبات الكحولية في تلك الأماكن. وهما أمران لا يمكن تصورهما في بلاد وهابية تتبع تعاليم إسلامية صارمة.
وأفادت الصحيفة بأنه من المتوقع أن يمتد "مشروع البحر الأحمر" على مساحة 34 ألف كيلومتر مربع، في منطقة تقع بين أملج والوجه، الواقعتين شمال جدة. وسوف ينسج هذا المشروع على منوال أبطال السياحة الساحلية في المنطقة، مثل الغردقة وشرم الشيخ في مصر.
وأشارت الصحيفة إلى أن الخدمات الفندقية ستفتح أبوابها في هذا المنتجع بحلول سنة 2022، على أرخبيل من الجزر، التي يمكن الوصول إليها بواسطة القوارب أو الطائرات المائية. إلى جانب الأنشطة الساحلية التقليدية، يمكن للضيوف المحتملين لهذه المنطقة السياحية القيام برحلات في الصحراء إلى أنقاض مدائن صالح، التي تعد من أهم حواضر الأنباط؛ إذ تحتوي على أكبر مستوطنة جنوبية لمملكة الأنباط بعد البتراء في الأردن.
وأكدت الصحيفة أن المروج الرئيسي لهذا المشروع هو الصندوق السيادي السعودي، صندوق الاستثمارات العامة، الذي يعدّ الذراع الأيمن لبرنامج التنويع الاقتصادي، الذي يتابعه ولي العهد محمد بن سلمان. ومن المتوقع أن تزداد مجموع أصول الصندوق، التي تقدر الآن بنحو 183 بليون دولار (156 بليون يورو)، في السنتين المقبلتين، فضلا عن أنه سوف يستلم عائدات خصخصة خمسة بالمئة من شركة النفط السعودية أرامكو.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم الإعلان عن تنفيذ هذا المشروع سنة 2018، لكن تم تأجيل ذلك إلى سنة 2019. ويمكن لهذا المشروع الرائد أن يحقق أرباحا قدرها قرابة 100 مليار دولار، التي سيتم إعادة استثمار نصفها في شركات خارج قطاع النفط. فضلا عن ذلك، سيأتي جزء من تمويلات هذا المشروع من المستثمرين في القطاع الخاص.
وأوضحت الصحيفة أن أول من أعرب عن اهتمامه بهذا المشروع هو الملياردير البريطاني، ريتشارد برانسون، إثر زيارة قام بها إلى السعودية. وتعهد مؤسس مجموعة "فيرجن" بالاستثمار في مشروع سياحي كبير على البحر الأحمر، وعلى إحدى الجزر المختارة للمشروع.
ونقلت الصحيفة عن برانسون قولا أفاد فيه بأن هذه المرحلة هي "مرحلة مدهشة من تاريخ البلاد التي تشهد تغييرات كبيرة خطوة بخطوة، وسيكون من الرائع السماح للزوار بالتمتع بجمال المملكة العربية السعودية، واكتشاف سكانها".
وأكدت الصحيفة أن سلسلة هذه الفنادق ستكون في منطقة محصورة، على غرار مجمع أرامكو، الذي يتمركز في مدينة الظهران، أو جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، التي تقع في ضواحي مدينة جدة. والجدير بالذكر أنهما من الأماكن التي تم فيها تجاهل الإملاءات الوهابية.
وبينت الصحيفة أنه ينبغي توجيه الزوار مباشرة إلى هذه المنطقة السياحية، مع تخفيض إجراءات تأشيرات مرورهم إلى أقصى الحدود. وسيكون هذا المشروع الأول من نوعه، حيث لم ترحب السعودية حتى الآن بالسياح الأجانب على أراضيها بصفة منتظمة؛ نظرا لأن ضروريات السياحة لا تتفق مع الأخلاق المحلية للمملكة العربية السعودية، التي تكرس وبشدة تعاليم الدين.
وبينت الصحيفة أن محمد بن سلمان يعول دائما على الدافع الاقتصادي؛ لتبرير التغييرات الاجتماعية التي يقودها للسلطات. ويؤكد صندوق الاستثمارات العامة، الذي يتوقع وصول مليون زائر سنويا بحلول سنة 2035، أن مشروعه يمكن أن يخلق 35 ألف فرصة عمل، ويجلب 15 مليار ريال (3.4 مليار يورو) للدولة.
وفي الختام، تساءلت الصحيفة عما إذا كانت الحجج التي قدمها محمد بن سلمان كافية لإقناع الشعب السعودي بضرورة الانفتاح على العالم؛ نظرا لأن السعوديين نشأوا على فكرة أنه لا يمكن السماح للسياح بلباس
البكيني؛ خوفا من أن يدنسوا بلادهم، مهد الإسلام. لذلك ما زال أمام بن سلمان خمس سنوات أخرى، قبل افتتاح مشروعه العظيم، ليتمكن من تغيير عقلية الشعب السعودي.