نشرت صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية تقريرا؛ بحثت فيه عن أسباب صمت المملكة العربية
السعودية إزاء المجازر التي يتعرض لها المسلمون
الروهينجيا في
ميانمار، مبينة أن المصالح الاقتصادية والتوجهات القومية الجديدة للمملكة هي التي دفعتها للتعامل ببرود مع هذه القضية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمه "
عربي21"، إن العديد من الدول الإسلامية أعلنت عن تضامنها مع أقلية الروهينجيا، إلا أن المملكة لم تلق بالا لما يحدث في دولة ميانمار، التي يمر منها نفط المملكة نحو الصين.
وأوضحت الصحيفة أن السعودية، التي تمثل أكبر مصدر للنفط في العالم، تبحث عن زيادة مبيعاتها نحو الصين التي تعتبر من أكبر زبائنها. وفي هذا الصدد، قال جون جوزيف بوايو، المختص في الاقتصادات الصاعدة في المركز الدولي للدراسات الاستشرافية والمعلومات، إنه "ليس أمام السعودية من خيار سوى إغماض عينيها عما يتعرض له الروهينيجيا".
ففي شهر نيسان/ أبريل الماضي، تم تدشين خط أنابيب نفط جديد يربط بين الصين وشرق ميانمار، ليصبح بذلك أول خط مباشر لنقل النفط بين الصين والشرق الأوسط.
وبينت الصحيفة أن هذا الخط تسيطر عليه حكومة ميانمار، التي تضطهد الروهينجيا وتطردهم نحو بنغلادش. وأوضح بوايو أن "إدانة ميانمار بالنسبة للسعودية تعني خسارة السوق النفطية الصينية".
وخط الأنابيب لا يمر فقط عبر ميانمار، بل يمر بالتحديد عبر مناطق زراعية تعود ملكيتها لأقلية الروهينجيا. وقد قامت الشركات المشغلة لهذا المشروع بمصادرة أراضيهم دون أن تدفع لهم أي تعويضات مالية.
وأكدت الصحيفة أن هذه الأقلية المسلمة تطالب منذ سنوات بحق التعويض عن هذه الخسارة، بيد أن النظام العسكري الحاكم، المتورط في الفساد مع الشركات النفطية، والمستأثر الوحيد بفوائد هذا المشروع، ليس مستعدا للاستماع لمطالبهم والتوقف عن اضطهادهم.
ويقول موفق حسن، الذي عمل لسنوات طويلة كمهندس نفط في البنك الدولي، إن "أرباح هذا المشروع ستذهب مباشرة لتمويل تقاعد ضباط هذا النظام العسكري".
وأوضحت الصحيفة أن الولايات المتحدة منذ شروعها في إنتاج النفط الصخري سنة 2006، توقفت عن استيراد أغلب احتياجاتها البترولية من السعودية، التي كانت في السابق أهم مزود لها. بالإضافة إلى ذلك، هناك موجة من الوعي البيئي بدأت تتطور في أنحاء العالم، أدت لاشتداد المنافسة حول إنتاج الطاقة النظيفة. لذلك، باتت السعودية مهتمة جدا بالحفاظ على أكبر زبائنها، ومن بينهم الصين.
وذكرت الصحيفة أن الصين التي تعد من أكبر الدول المتسببة في التلوث في العالم، لا تزال تعتمد بشكل كبير على الذهب الأسود في اقتصادها، حيث يعيش فيها حوالي 20 في المئة من سكان العالم، ولا تملك سوى واحد في المئة من الثروات النفطية. وفي هذا الإطار، أفاد جيفري تاوسن، أستاذ المالية في جامعة بيكين، بأنه "على عكس الولايات المتحدة، تعتبر السوق الصينية واعدة، حيث تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن الاستهلاك الصيني من النفط سيبلغ 13 مليون برميل يوميا بحلول سنة 2030".
وذكرت الصحيفة أنه تم إبرام اتفاق جديد في نهاية شهر آب/ أغسطس الماضي بين بكين والرياض، تضمن عقودا بقيمة 70 مليار دولار، تتعلق بشكل خاص بمجال الطاقة. لذلك، يرى جون جوزيف بوايو، المتخصص في الاقتصاد الصيني أن "السعودية مستعدة للتخلي عن كل شيء من أجل تأمين خط إمداد النفط".
وأوردت الصحيفة أن الصين تسعى في الفترة المقبلة لبناء شبكات ضخمة من البنية التحتية من أجل زيادة ارتباطها مع العالم، وتسعى أيضا لتعزيز مبادلاتها التجارية مع أهم الدول المزودة لها بالنفط في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
وأضافت الصحيفة أن هذه الرؤية، التي تسمى "طريق الحرير الجديد"، تتجلى من خلال المشاريع المشتركة التي تقوم بها شركتي سينوبيك الصينية وأرامكو السعودية، أكبر شركتين نفطيتين في البلدين. كما قام البلدان باستثمار أموال ضخمة في مشاريع أخرى غير متعلقة بقطاع النفط، وهو ما جعل جيفري تاوسن يعلق على هذه العلاقة بالقول: "السعودية والصين يجمعهما زواج ليس فيه احتمالات طلاق".
كما نقلت الصحيفة عن بوايو قوله إن "حجم العلاقات الاقتصادية بين السعودية والصين يتجاوز بشكل كبير مسألة الروهينجيا". وخير دليل على ذلك أن المملكة السعودية لم تعبر عن دعمها لهذه الأقلية المسلمة المضطهدة إلا عبر تقديم الدعم الإنساني، حيث أعلن الملك سلمان في 19 أيلول/ سبتمبر الماضي؛ أنه سيقدم تبرعا قيمته 15 مليون دولار للاجئين، وهو تبرع اعتبره موفق حسن مجرد ذر رماد في العيون، حيث قال: "هذه مجرد كلمات في الهواء. مبلغ 15 مليون دولار هو مبلغ تافه، ويستطيع أي أمير سعودي دفعه في الحال. المملكة أرادت تقديم المال من أجل التهرب من استقبال
اللاجئين".
ونقلت الصحيفة عن الأكاديمية السعودية مضاوي الرشيد، الباحثة في مركز دراسات الشرق الأوسط في كلية الاقتصاد في لندن، أنه "منذ أن أصبح ولي العهد محمد بن سلمان المتحكم في سياسات المملكة، تم التخلي عن فكرة الوحدة الإسلامية، لصالح فكرة القومية السعودية، ليتجاهل تماما قضايا
المسلمين في العالم".
وطرحت الصحيفة تساؤلات حول مستقبل منظمة التعاون الإسلامي وما يمكن انتظاره منها، في ظل هذه التوجهات الجديدة للمملكة التي تسيطر على هذه المنظمة. وكانت الدول الأعضاء في المنظمة اجتمعت في 11 أيلول/ سبتمبر من أجل طرح قضية الروهينجيا، واتفقت على تقديم مساعدات مالية للاجئين. ولكن لم يتم تسليط أي عقوبات على دولة ميانمار.
وذكرت الصحيفة أن العديد من المنظمات غير الحكومية تبذل جهودا حثيثة من أجل تسليط الضوء على مأساة الروهينجيا، ولكن دون جدوى.
وأوضح موفق حسن أن "كل هذا الضجيج لن يفضي إلى أي نتيجة، إذ أن رئيسة الوزراء أونغ سان سو تشي نفسها عاجزة عن التحرك، فهي لا تستطيع الوقوف في وجه النظام العسكري، لذلك لن يتم الآن فعل أي شيء من أجل حماية أقلية الروهينجيا، كما حصل في الماضي".