جاء استهداف ثلاثة شبان مؤخرا بمدينة 15 مايو جنوب حلوان، ليجدد شلال الدماء الذي لا يتوقف، حيث لا يكاد يمر يوم ولا تراق فيه دماء في ظل حكم قائد الانقلاب عبد الفتاح
السيسي؛ هذا النظام الذي يختزل كل أساليب الحكم والسياسة في البندقية - والبندقية وفقط - دون أي آليات أخرى، وكأنه زعيم عصابة، ولا يحاول أن يتذكر ولو لمرة واحدة أنه يحكم شعبا من البشر يشعر ويحس ويعاني ويتألم ويتوجع، وليس قطيعا يساق بالقهر والضرب والقتل إذا اقتضى الأمر، وأنه ليس من حق هذا الشعب أن يفكر ولو لمرة واحدة بأن يناقش أو يعارض أو يرفض. فهذا غير موجود في قاموس هذا النظام القاتل.
استدعاء العصور الوسطى
وكان من الطبيعي، وطبقا لهذا الأسلوب المستمد من عصور الديكتاتورية والقرون الوسطى، أن تسيل دماء الشعب بهذه الغزارة وهذه البساطة، وكأنها فراخ تذبح بشكل يومي، ولا يهم ذلك، فكل ذلك في صحة مقاومة الإرهاب والحفاظ على مؤسسات الدولة والوحدة الوطنية والوقوف في وجه القتلة والإرهابيين والمتآمرين على
مصر ونظامها، وبالطبع رئيسها، وبالتالي من حقه اتباع كل الأساليب التي يراها للحفاظ على حياته وحكمه وبطانته، وكأن الشعب وقع له على وثيقة تفيد بأن حياته ودماء أبنائه فداء لنظامه وحياته.
موقف المتفرج
والأغرب والأعجب أن المعارضة في الداخل والخارج تقف كمن يشاهد مباراة في مصارعة الثيران، ولا ينال البطل الإعجاب والتصفيق إلا بإسالة الدماء والقضاء على فريسته، وكأنها مستمتعة بهذه الرياضة اللذيذة والممتعة دون اتخاذ خطوات فعلية أو تحرك حقيقي على الأرض، اللهم إلا بيانات الشجب والإدانة والنعي للشهداء.. وهكذا يا سيدي دون حتى مجرد التفكير في إعادة النظر في هذه الاستراتيجية والبحث عن حلول أخرى، ليس بالضرورة مقاومة العنف بالعنف أو حمل السلاح وعسكرة
الثورة، ولكن أيضا هناك أساليب أخرى يمكن تفعيلها تتم دراستها وتفعيلها عبر قيادات يمكنها تقديم رؤية جديدة تحفظ بها دماء شباب مصر.
الدماء التي تفرقت بين القبائل
وما يمكن قوله هنا، على الأقل من وجهة نظري، أن النظام ليس وحده فقط المتحمل لمسؤولية الدماء، رغم إجرامه وإصراره على هذا النهج، ولكن دماء هذا الشباب تفرقت بين القبائل، حيث هناك أطراف أخرى أيضا مسؤولة عن ذلك، طبعا مع الفارق في حجم المسؤولية. وتتمثل هذه الأطراف في أدعياء الحرية وحقوق الإنسان ورفض الدماء، وهم ما يمكن أن نسميهم الواقفين على الحياد؛ ولكنهم يتشدقون بالقيم والنبل والحفاظ على حياة الإنسان وحقه في الحياة دون تحرك حقيقي.
أيضا هناك من يتحمل مسؤولية أكبر بالتاكيد، وهي المعارضة المصرية بالداخل والخارج؛ لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الوقوف مكتوفة الأيدي أمام ما يجري، خاصة أن نظام السيسي يتبع استراتيجية ممنهجة في تصفية شباب مصر، سواء من يدّعي عليه أنهم إرهابيون أو حتى أبناء مصر من الجنود والضباط الذين يتم وضعهم في محرقة لا تنتهي، لنكون أمام معادلة في النهاية؛ ملخصها أن شباب مصر يتم استنزافه في خطة ممنهجة للقضاء على مستقبل هذا البلد المتمثل في هؤلاء الشباب.
حتمية وقف الدماء
والأمر يحتم على جميع أطياف المعارضة، خاصة معارضي الانقلاب، وتحديدا في الخارج البحث عن آلية جادة وحقيقية لوقف هذه الدماء يتم التشاور بشأنها ووضع الدراسات لها. وأنا هنا لا أعني مصالحة مع النظام ولكن ممارسة ضغوط عليه، بالخارج عبر العديد من الآليات، وبالداخل عبر استعادة الحراك بتكتيك مختلف عما سبق، وبتنسيق شعبي واسع مع كافة الأطياف؛ حتى نستعيد مصر لكل المصريين وليس لفصيل سياسي بعينه، ونوقف نزيف دماء شبابنا.