يشهد الشرق الليبي حالة من الخلاف الوشيك تتلخص بتضارب التصريحات بين القوات التابعة لخليفة حفتر ووكيل وزارة الداخلية التابع لحكومة الوفاق الليبية، فرج قعيم.
فمن جهته، أكد قعيم أنه يتلقى أوامره حتى اللحظة من القيادة العامة في الشرق (يقصد حفتر)، وأنه لا توجد أي مشاكل مع هذه القيادة في أي مجال يخص مكافحة الإرهاب، وأن قواته وقوات حفتر تسعى حاليا إلى تشكيل "غرفة مشتركة في بنغازي لتأمين المنطقة الشرقية بالكامل"، وفق تصريحاته الثلاثاء.
في المقابل، نفى آمر غرفة عمليات الكرامة التابعة لحفتر، اللواء عبدالسلام الحاسي، أن يكون فرج قعيم ضمن قوة الغرفة، أو يكون هناك أي تعامل معه، واصفا إياه بأنه جسم غير شرعي، مؤكدا أن "القائد العام" (حفتر) أصدر أوامر بعدم التعامل مع أي جسم تابع لحكومة الوفاق.
قوة القبيلة
وطرح هذا التضارب بين الطرفين تكهنات وتساؤلات عدة، حول مصير التعامل بين الطرفين، عن إمكانية حدوث مواجهة عسكرية، وما تأثير ذلك على مبادرة فرنسا التي جمعت حفتر ورئيس حكومة الوفاق الليبية؟
وتكمن قوة "قعيم" في قوة قبيلته "العواقير"، أكبر قبائل الشرق الليبي وأقواها، خاصة أنها رحبت سابقا بتكليف النقيب فرج قعيم بمنصب وكيل وزارة الداخلية في حكومة الوفاق، مؤكدة دعمها للوفاق، إذا كان لا يوجد بديل فهو الأمل الوحيد للوصول إلى انتخابات تشريعية وتنفيذية تستمد شرعيتها من الشارع، وفقا للتجارب الإنسانية، بحسب بيان لها.
صدام وشيك
من جهته، أكد الضابط برئاسة الأركان الليبية في طرابلس، عقيد عادل عبدالكافي، أن "هناك صداما محتملا بين قعيم من جهة وبين حفتر وأبنائه "خالد وصدام" من جهة أخرى، خاصة أن أبناء حفتر قاموا بخطوات تصعيدية مع قوات قعيم، حيث نشر صدام حفتر عناصر موالية له في نقاط انتشار عناصر فرج قعيم بطريقة عدّت استفزازية".
وأوضح في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، أنه "إضافة لمواقف أبناء حفتر، فإن كل قيادات عملية الكرامة ترفض التعاون مع قعيم، بل وتصف أي متعاون مع حكومة الوفاق بالخائن، ولكن الثقل القبلي لقعيم (قبيلة العواقير) هو ما يمنعهم من إقصائه، ولهذا سيحاولون تضييق الخناق عليه، والحد من تحركاته"، وفق تقديره.
وتابع: "من المؤكد أن هذه الصراعات والمشاحنات الأمنية بين عناصر تابعة لحفتر وأخرى للوفاق، وتأكيد الأول عدم تعامله مع الحكومة كله سيكون له انعكسات سياسية ستلقي بظلالها على مبادرة باريس ولجنة الحوار التي انعقدت مؤخرا في تونس".
حكومة غير شرعية
من جانبه، أكد عضو المؤتمر الوطني العام السابق، محمد عبدالكريم دومة، أن قوات حفتر "لها موقفها الثابت منذ البداية، وهو الرفض التام للتعاطي مع حكومة المجلس الرئاسي، باعتبارها حكومة غير شرعية"، بحسب وصفه.
وأضاف لـ"عربي21": "عندما تولى قعيم منصب وكيل وزارة الداخلية التابعة للوفاق، فإنه اعتبر من الجيش خارجا عن هذا الموقف المعلن، بالتالي، فإن القيادة ترفض هذا الازدواج الذي ذهب إليه قعيم".
واستبعد الناشط من بنغازي، فرج فركاش "حدوث أي صدامات مباشرة بين الطرفين، بسبب وجود نوع من الانقسام داخل قبيلة العواقير، فهناك نوع من التوازن للقوى مع الثقل القبلي الذي سيمنع أي تطور مسلح للأحداث"، وفق رأيه.
وقال لـ"عربي21": "كان يمكن للقيادة العامة (حفتر) استثمار تعيين قعيم والدعم المقدم له من حكومة الوفاق لصالح مدينة بنغازي والشرق كله، بعيدا عن التجاذبات والمهاترات والنكايات السياسية، لكن هذا لم يحدث".
خرق مبادرة فرنسا
في حين رأى مدير منظمة "تبادل" الليبية (مستقلة)، إبراهيم الأصيفر، أن "هذا التضارب بل والصدام بين الطرفين أمر طبيعي، لكن تصريحات قعيم دبلوماسية أكثر منها مهنية، خاصة أن حفتر رفض تواجد أي مسؤول تابع للوفاق".
وأشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "أوامر حفتر الجديدة بعدم التعامل مع الوفاق بمثابة خرق لاتفاق باريس، الذي يعدّ ميثاقا بين حفتر والسراج ولا يتعدي أن يكون مبادرة دولية"، بحسب تعبيره.
"قعيم" الأقوى
لكن المحلل السياسي الليبي، أسامة كعبار، ذهب بعيدا عن الصدام بين الطرفين، مؤكدا أن "بنغازى خرجت من تحت السيطرة العسكرية لحفتر، وهي فعليا تعدّ تحت سيطرة قبيلة العواقير وابنهم فرج قعيم، والتحالفات القبلية ستكون لصالح العواقير".
وقال لـ"عربي21": "وعلى مستوى الشارع الليبي، فإن حاجز الخوف عند المواطن قد انكسر، ولم تعد لحفتر شعبية، خاصة في بنغازي، وبالأحرى فإن الناس عرفوا حقيقته وحقيقة "الإرهاب" المزعوم"، على حد قوله.