نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للدكتورة تشومان هاردي، تقول فيه إن
الاستفتاء حول الاستقلال حاز على دعم كبير من المجتمع الكردي، خاصة بعد اتحاد القوى الدولية والإقليمية ضده.
وتشير هاردي في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن معظم الأكراد يرون أنهم حصلوا أخيرا على الفرصة لتقرير المصير لإنهاء الارتباط القسري بالعراق، الذي تم عقب الحرب العالمية الأولى، فيما يعتقد آخرون أنه في ظل الظروف الحالية، فإن الاستفتاء لا يحقق شيئا سوى صرف الأنظار عن فشل حكومة إقليم
كردستان العراق في معالجة الفساد، وتوفير الأمن الاقتصادي لشعبها، وبناء نظام ديمقراطي.
ويلفت الموقع إلى أن الرئيس المختلف عليه لكردستان مسعود
بارزاني، هدد بإجراء الاستفتاء عدة مرات في السابق؛ بسبب انهيار الثقة بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد، مستدركا بأن هذه المرة في وقت تقاتل فيه قوات البيشمركة إلى جانب الجيش العراقي ضد تنظيم الدولة، ومع وجود أكثر من مليون لاجئ ونازح في كردستان، فإنه تمت رؤية أن منع 17% من نصيب الإقليم من الميزانية الحكومية بأنه محاولة لخلق أزمة اقتصادية لكردستان، وبالتالي فرصة لإجراء الاستفتاء.
وتنوه الكاتبة إلى أن بارزاني انتخب رئيسا لكردستان عام 2005، وبعد دورتين تم تمديد رئاسته عام 2013 لمدة سنتين، بشرط ألا يترشح مرة أخرى للرئاسة، وانتهى التمديد لبارزاني في 20 آب/ أغسطس 2015، لكنه رفض التخلي عن الرئاسة.
ويذكر الموقع أن المعارضة الرئيسية المدعوة "غوران/ حركة التغيير" قادت الجهود لتغيير قانون الرئاسة، التي تمنح الرئيس سلطات غير محدودة، لإنهاء رئاسة بارزاني غير القانونية، ولذلك قام بارزاني وحزبه، الحزب الديمقراطي الكردستاني، بمعاقبة "غوران" بإيقاف عمل البرلمان، واستبدال الوزراء من "غوران".
وتجد هاردي أن إجراء استفتاء في هذا الوقت يعد تحركا مشبوها من بارزاني، الذي قوض العملية الديمقراطية، واتخذ خطوات مستبدة باتجاه الديكتاتورية، بمطاوعة من الاتحاد الوطني الكردستاني، مشيرة إلى أن مؤيدي الاستقلال يقولون إن الديمقراطية "تأخذ وقتا.. لا نتوقعها أن تحصل بين ليلة وضحاها"، ويضيفون أنه "بعد تحقيق الاستقلال يمكن لنا إكمال العمل لبناء الديمقراطية".
وتستدرك الكاتبة بأن "التاريخ يخبرنا بعكس ذلك، فإن أقمت دولة يمكن فيها تقويض الديمقراطية بسهولة فإنك ستحصل في نهاية المطاف على ديكتاتورية، ولا يمكن تغيير هذا النظام إلا بسفك الدماء، وتصبح القضية أكثر تعقيدا إن نحن نظرنا إلى ما يحتاجه بناء دولة قابلة للحياة، حيث يقول الناقدون الداخليون إنه لإقامة دولة يجب أن تتوفر الشروط المسبقة لقيامها، وقد قامت حكومة إقليم كردستان عام 1992، وبعد 25 عاما فإنها لم تحل مشكلات أساسية، مثل قلة المياه والكهرباء".
وتفيد هاردي بأن "الحكومة لا تستطيع توفير الأمن الاقتصادي الأساسي للشعب، ومديونيتها تزيد على 20 مليار دولار، وفشلت في التعامل مع الفساد الذي يجفف موارد الإقليم، وأخيرا فإن قوات البيشمركة، التي لا تزال مرتبطة بأحزاب سياسية مختلفة، لم يتم توحيدها".
وتقول الكاتبة: "كان بالإمكان السير بخطوات كبيرة في اتجاه بناء الدولة لو تخلى بارزاني عن الرئاسة، وسمح للبرلمان بأن يستمر في القيام بوظائفه، ولو فعل بارزاني ذلك لكان سيكون القائد الذي وحد الشعب، بدلا من أن يقسمه".
وتضيف هاردي: "كان بإمكانه احترام القانون الذي أنشأه، ووقعه الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وكان بإمكانه أن يقول ما قاله الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عندما سئل عن دورة ثالثة، فقال: (أنا أعتقد أنني رئيس جيد، وأعتقد أنني لو ترشحت للرئاسة فإنني سأفوز، لكنني لا أستطيع)، كان بإمكانه أن يكون القائد الملهم الذي يستخدم سلطاته -الرمزية وغيرها- لتوحيد البيشمركة ومعالجة الفساد، لكنه اختار فعل العكس، وبمطاوعة من أحزاب سياسية أخرى قد يأخذ الناس إلى ما هو أسوأ".
وترى الكاتبة أن "إصرار بارزاني على اتخاذ خطوات أحادية الجانب باتجاه الاستقلال يضع الشعب الكردي في وضع صعب، فمن صوت بـ (لا) أو لم يصوت، فسينظر إليه على أنه خائن تنكر للقضية الكردية، في الوقت الذي سيحمل فيه من صوت (نعم) مسؤولية النتيجة".
ويورد الموقع أنه عندما سئل بارازني في مقابلة في حزيران/ يونيو في مجلة "فورين بوليسي" عن خطة كردستان إن هي تعرضت للعزلة، كما حصل مع قطر، فإنه قال: "نفضل الموت من الجوع ولا أن نعيش في ظل ظلم واحتلال الآخرين، فإن كان القرار من خلال الاستفتاء وكان رد الفعل عزلتنا.. فليمت شعبنا".
وتبين هاردي أن المتشككين يعلقون قائلين إن القيادة لن تكون هي من ستواجه المجاعة والحرب، ولذلك فإن من السهل لبارزاني قول هذا الكلام.
وتذهب الكاتبة إلى أن غياب الظروف الأساسية الضرورية لقيام الدولة -البنية الاقتصادية، والمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية المستقرة والمستقلة، ووجود بيشمركة متحدة وقوات أمنية- يضاف إلى ذلك قلة الدعم الاقليمي والدولي لدولة كردية، يجعل الأكراد متشككين في نوايا بارزاني.
وتعلق هاردي قائلة: "يبدو أن هدفه الحقيقي النجاة السياسية وليس الاستقلال الكردي، فالاستفتاء يسمح له بتحييد مسألة الشرعية لبقائه في منصب الرئاسة، وهو ما يكلفه رصيده السياسي، ويقلل من فرص قيادته للسياسة الكردية بشكل دستوري، وكردستان مستقلة، حتى لو كانت فاشلة إلى حد كبير، ستعني بداية جديدة له".
وتستدرك الكاتبة بأنه "حتى لو أعلن بارزاني الاستقلال، بالرغم من الظروف الداخلية والخارجية غير المواتية، فإنه يغامر في أمن الشعب السياسي والاقتصادي".
وتقول هاردي: "ما من شك أن معظم الأكراد يريدون الاستقلال، لكن السؤال هو: أي نوع من الاستقلال؟ أنا شخصيا لا أعتقد أنه يجب التعامل مع بناء الدولة وبناء الديمقراطية بشكل منفصل، كما أنني لا أعتقد أن ديكتاتورية كردية أفضل من ديكتاتورية عربية أو تركية، ففي نظري أن يظلم الشخص من بني جلدته هو أمر أسوأ".
وتخلص الكاتبة إلى القول: "لن يكون هناك معنى للدولة الكردية، إن قامت واحدة، إلا إذا كانت مختلفة عن حكومة إقليم كردستان وفشلها في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين".