نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية حوارا أجرته مع الصحافية الفرنسية التونسية سنية مبروك، التي تحقق منذ أشهر في موضوع مسكوت عنه ألا وهو "مستقبل أشبال
تنظيم الدولة".
وفي هذا الإطار، بينت سنية مبروك أن براءة الأطفال قد اختلطت بخشونة التنظيم وسذاجة المجتمعات، مؤكدة أنها تعمل على إصدار رواية حول هذا الموضوع.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن هذا الملف الذي فتحته "مبروك" يثير دوامة من المخاوف والشكوك في عدة مجتمعات على غرار المجتمع الفرنسي والمجتمع التونسي، مع العلم أن هناك قرابة 460 طفلا فرنسيا قاصرا قد ولدوا أو يعيشون حاليا في
سوريا في ظل التنظيم. وما زاد الطين بلة أن أغلب هؤلاء الأطفال دون سند نظرا لأن آباءهم إما اعتقلوا أو قتلوا خلال الحرب ضد تنظيم الدولة.
وأكدت الصحيفة أن "سنية مبروك" عرضت ثلاثة مقترحات للتعامل مع أشبال تنظيم الدولة. أولا، اقترحت مبروك عرضهم على عائلات تحتضنهم، ولكن هذا الخيار سيعرض عائلة بأكملها للخطر خاصة إذا ما استقبلت طفلا قد تحرر مباشرة من براثن تنظيم الدولة ولم يخضع للتأهيل. ثانيا، ارتأت الصحافية أنه من الممكن إيواء هؤلاء الأطفال في مبيت، علما بأنه تم فعلا تطبيق هذا المقترح. ولكن، أثبتت بعض الحالات أن معظم الأطفال الذين تم إيواؤهم قد تحولوا لقادة يفرضون سيطرتهم على بقية أطفال المبيت.
ونوهت الصحيفة بأن "مبروك" اقترحت كخيار ثالث، إعادة هؤلاء الأطفال إلى حضانة أجدادهم مع التأكد من أن البيئة العائلية قد خلت من مظاهر الفكر المتشدد. في المقابل، لا تثق أجهزة المخابرات في فعالية هذا الخيار نظرا لأنها تعتبر أن العائلة الموسعة، التي انتشر فيها الفكر الراديكالي، من شأنها أن تسبب المزيد من المشاكل. باختصار، لم يتم التوصل بعد إلى حل من شأنه أن يرضي جميع الأطراف.
وأكدت سنية مبروك للصحيفة أن تحقيقها ارتكز على عدة لقاءات جمعتها بمحامين، وعائلات، وأجداد، وعناصر في أجهزة مكافحة الإرهاب، وقساوسة. وقد أعرب جلهم عن قلقهم من مسألة "أشبال" تنظيم الدولة.
وأشارت الصحيفة إلى أن هؤلاء الأطفال وقعوا في شراك مفارقة مرعبة، فهم يلعبون من جهة دور ضحايا الحرب التي اختارها آباؤهم، ومن جهة أخرى يشكلون تهديدا على الآخرين بما أنهم تشبعوا بالفكر المتطرف.
وذكرت سنية مبروك أنها التقت في مكتب أحد المحامين بجدة توفي ابنها في مدينة الرقة، كما أن ابنته لا زالت تعيش إلى حد الآن في إحدى المناطق المتبقية في سوريا والخاضعة لسيطرة التنظيم. وقد عرضت الجدة صورا لحفيدتها، البالغة من العمر أربع سنوات، وقد ظهرت خلالها مرتدية النقاب.
وأفادت الصحيفة بأن سنية مبروك تثبتت من أن هذه الجدة تتصل أحيانا بحفيدتها هاتفيا، كما أنها تبذل جهودا حثيثة لاستعادتها من سوريا. وفي الوقت ذاته، لم تخف هذه الجدة قلقها، حيث أكدت لسنية مبروك أنه "إذا لم نتحرك لفعل شيء، فإن هؤلاء الأطفال سيتحولون إلى شيء أشبه بالقنابل الموقوتة".
وفي الإجابة عن سؤال الصحيفة حول الدور الذي تلعبه أجهزة المخابرات في هذه القضية، أوضحت سنية مبروك أن هذه الأجهزة تقوم بعملها على أكمل وجه. فلطالما حذرت هذه الأجهزة الأمنية السلطات من خطورة هذا الموضوع. لكن، يبدو أن الحكومات تعاني حالة من الانفصام، ففي حين تؤمن بأن أشبال التنظيم ليسوا سوى مجرد أطفال، لا تخفي تخوفها من أن يشكل هؤلاء الصغار تهديدا يحدق بالمجتمع المدني.
والجدير بالذكر أن عملاء الأجهزة السرية يجيدون التعامل مع "العائدين البالغين" من تنظيم الدولة، ولكن هذا تحد مختلف عن سابقيه، خاصة أن هؤلاء الأطفال لم يختاروا أن يترعرعوا في أحضان هذه الإيديولوجية المتطرفة.
كما تعتبر الصحيفة أن المرأة يجب أن تقاتل في الصفوف الأولى في المعركة المعلنة ضد الفكر المتطرف. وحيال هذا الشأن، أقرت سنية مبروك بصحة هذه النظرية معتبرة أن النساء يحملن على عاتقهن جزءا كبيرا من المسؤولية في هذه المعركة. في المقابل، تستغرب سنية مبروك من حالة اللامبالاة التي تنتشر بين صفوف عدة حركات نسائية اجتماعية.
وفي سياق مخالف، أشارت سنية مبروك إلى أن بعض الجمعيات التي تقدم الخدمات والمساعدات الاجتماعية لا تعتبر الأهالي، الذين يتحركون على أمل عودة ذويهم من بؤر التوتر، بمثابة
الضحايا بل تراهم جزءا لا يتجزأ من المشكل، ناهيك عن أنهم يحملونهم مسؤولية التحاق ذويهم بتنظيم الدولة.
وفي الختام، تحدثت سنية مبروك عن الدور الذي تضطلع به المنظمات الاجتماعية في النهوض بقضية أطفال تنظيم الدولة، حيث أكدت أن الجمعيات التي تعنى بحماية الطفولة لا يمكنها أن تقوم بالتحركات اللازمة لوحدها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الجمعيات قد تلقت مؤخرا طلبا من رئيس الجمهورية الفرنسي يلتمس فيه تحديد مخطط ضخم للتعامل مع هذه القضية.