حصلت "
عربي21" على تفاصيل جديدة تميط اللثام عن الدور الذي لعبه "المال السياسي" لدولة
الإمارات في "شراء ولاءات" مسؤولين محليين في
جزيرة سقطرى الواقعة المحيط الهندي قبالة خليج عدن.
وكشفت مصادر يمنية وثيقة الاطلاع عن تورط مسؤولين وقادة عسكريين ومشائخ في جزيرة سقطرى، ذات الأهمية الاستراتيجية، بتلقي أموالا من "أبوظبي" في إطار
سياسة "شراء الذمم" التي دأبت عليها منذ وطأة قدميها
اليمن ضمن عمليات التحالف العربي بقيادة السعودية، قبل عامين ونصف.
وأضافت المصادر، مشترطة عدم ذكر أسمائها لـ"
عربي21" أن التحركات الإماراتية في جزيرة سقطرى، لم تكن وليدة اليوم، بل بدأت منذ أكثر من عقد تقريبا، لكن هذه المرة أخذت طابعا مغايرا تسعى من خلاله لوضع الجزيرة تحت وصايتها والتحكم بمصيرها.
المرحلة الأولى
وفي هذا السياق، ذكرت المصادر أن النشاط الإماراتي المثير بدأ في الجزيرة عبر رجل أعمال وصل إليها قبل عشر سنوات، وتحت شعار "العمل الخيري".
وتابعت حديثها أن جهود الرجل تركزت بداية على توزيع الصدقات والهبات المالية، وبناء مراكز للأيتام، وشراء الولاءات لشخصيات فاعلة في الجزيرة، وكذلك توزيع مولدات كهربائية على القرى والمناطق الريفية، قبيل الانتقال إلى شراء مساحات من الأراضي وبملايين الريالات.
وأكدت المصادر أن الرجل اختفى فجأة مع انتهاء المرحلة الأولى لنشاطه في الجزيرة، ليعود مرة أخرى، بعد سنوات، كمندوب لمؤسسة خليفة بن زايد، وبدأ من جديد يمارس نشاطه السابق، إلا أنه أضاف إليه بعض لمسات إقامة "سهرات ليلية" على السواحل والمتنزهات تثار حولها شبهات عدة. مؤكدين أن هذا الحضور المتناقض خلف "العمل الإنساني والإغاثي" استمر، وزاد أكثر بعد إعصاري ميغ وتشابالا اللذين ضربا الجزيرة نهاية العام 2016.
المرحلة الثانية
وبحسب المصادر، فإن الإمارات أظهرت "نمطا من الدعم المالي السخي" لقيادات ومسؤولين بارزين في الجزيرة تماهوا مع خططها، وهذا ما بدا جليا في رفض المحافظ السابق، اللواء سالم السقطري، لتوجيهات الرئيس عبدربه منصور هادي بـ"إيقاف التصرف بالأراضي الساحلية من قبل شخصيات إماراتية"، وانتهى الأمر بعزله في الأشهر الماضية وتعيين آخر بديلا عنه.
وأشارت إلى أن "أبوظبي" مولت بناء مبان وفلل سكنية لحلفائه المحليين في سقطرى، اسهموا في تمكينها من التحرك بحرية هناك، ورسم مشهد مناوئ للحكومة اليمنية الشرعية، التي ترفض سياساتها وتعتبر ما تمارسه أشبه بـ"احتلال".
ولفتت إلى أن القرار السياسي الإماراتي أدرك أهمية "المال السياسي" لشراء ولاءات مسؤولين وقيادات عسكرية وقبلية فاعلة في الجزيرة، ولذلك نجحوا في تثبت أقدامهم فيها، رغم خيبة الأمل التي يشعر بها السكان المحليون من هذه التوجهات.
كما تفيد المصادر بقيام الإمارات بشراء سيارات من نوع "لكزز" لمحافظ سقطرى الأسبق والسابق والحالي، وسيارات أخرى من نوع "هيلوكس" لمدراء الأجهزة الحكومية، حتى وصل الأمر أن من يعارض أو يناهض توجهات هذه الدولة الخليجية يتم اسكاته بسيارة.
ووفقا للمصادر، فإن أطماع الإماراتيين في الجزيرة لا تقل إن لم تزد على أطماعها في محافظتي عدن (جنوبا) وشبوة (جنوب شرق) في الحصول على امتيازات نظير مشاركتها في التحالف الداعم للشرعية، وهو ما يرفضه الرئيس هادي.
وعلى الرغم من أن جزيرة سقطرى كانت وجهة للإماراتيين خلال ستينيات القرن الماضي إبان حكم السلاطين قبيل رحيل المستعمر البريطاني في 1967 بغرض البحث عن مصدر للرزق والعمل في مجال الغوص على اللؤلؤ، واستوطن البعض منهم فيها، قبل أن تسيل الجزيرة بموقعها ونظام تكوينها الفريد لعاب أطماع النظام الإماراتي الرسمي للهيمنة عليها، حسبما ذكرته المصادر لـ"
عربي21".
المرحلة الثالثة
وبموازاة ذلك، أوضحت المصادر أن المال السياسي الإماراتي مهد الطريق لرجالاتها المتواجدين في الجزيرة، من تمرير ما يريدون، وتحييد الأصوات المعارضة لها هناك، وفرض سياسة أمر واقع بعيدة عن خطط الحكومة الرسمية أو تتم برضاها.
وأضافت أن السلطات الإماراتية، بعد الجهود السابقة، دفعت بمجموعة من الضباط إلى الجزيرة، على الرغم من الإجراءات التي تقوم بها، غير مقبولة لدى الشرعية، غير أنها مستمرة في سياساتها التي لم ترق حتى للسكان المحليين.
وتشير المصادر إلى أن السقطريين مارسوا ضغطا على السلطات المحلية، بإيقاف أعمال البناء والإنشاءات التي شرع فيها الإماراتيون في قلعة "حواري" التاريخية بهدف بناء قصر للشيخ، منصور بن زايد آل نهيان، على أنقاضها بعدما قاموا بشق طريق إليها بحجة نقل الأحجار إلى الميناء القريب من هذه المنطقة الأثرية.
وبحسب المصادر، فإن الإماراتيين لا يكترثون باعتراض حكومة هادي على سياساتهم، بل تواصل شخصية إماراتية تكنى بـ"أبو مبارك" أدوارها المريبة، الذي قدم إلى سقطرى كمندوب أيضا مؤسسة خليفة الخيرية، والذي بات "حاكما فعليا" عليها، يتصرف فيها كيف شاء.
وتفيد المعلومات بأن هذا الرجل قام بالاستثمار دون موافقة السلطات اليمنية في مصنع لتحضير الأسماك، ويقوم بشراء ما يصطادوه الصيادون من أبناء الجزيرة بأسعار زهيدة، قبل أن يتم شحنها كصادرات إلى الإمارات عبر طائرات شحن تصل أسبوعيا إلى هناك.
كما قام، أيضا، بشراء مساحات من الأراضي الساحلية، وأخرى مناطق بيئية يمنع فيها أي انشاءات أو أعمال مشابهة لكونها محميات طبيعية وموطن لأشجار نادرة منها "دم الأخوين" ذات الأهمية الطبية، وحاليا يتم إقامة أسوار على هذه المناطق.
وكانت الحكومة اليمنية قد أصدرت توجيهات في وقت سابق من العام الماضي للسلطات المحلية في الجزيرة بإيقاف التصرف بشواطئها وأراضيها غير الواقعة في المناطق السكنية حتى إصدار قوانين وقرارات منظمة للأمر، وكان ذلك بعد الكشف عن نشاط إماراتي واسع في هذا الجانب.
ومع حالة الشد والجذب والخلاف السياسي بين الشرعية والنظام الإماراتي بشأن سقطرى، استثمر الأخير وقته لفرض سياسة أمر واقع من خلال تهيئة تشكيلات عسكرية ونشرها لمسك الجزيرة ومنع أي مشاريع أخرى داخلها، وفقا للمصادر.
وتقول المصادر إن قوات مدعومة إماراتيا قامت بنشر عناصرها في الجزيرة، وأقامت 20 حاجزا أمنيا، ووفقا للأوامر التي تلقتها من المندوب الإماراتي هناك.
بناء قاعدة جوية
وتواجه المساعي الإماراتية معارضة شديدة من الحكومة الشرعية التي وصلت حصيلتها إلى بناء قاعدة جوية جوار مطار سقطرى الذي يتحكم به "أبو مبارك".
الموقف اليمني الرسمي، وفقا للمصادر، أجبر الإماراتيين على وقف استكمال بناء القاعدة الجوية التي كان يشرف عليها قائد القوات الإماراتية في اليمن، "أبو ماجد"، حيث تردد على الجزيرة أكثر من مرة.
إنشاء شبكة اتصالات وشركة طيران
وفي الشأن ذاته، أفادت المصادر بأن الإمارات أنشأت شبكة "اتصالات" في حديبوه ( عاصمة الجزيرة) وقلنسية، وحاليا يتم توسيع نطاق البث للشبكة لتشمل كامل أراضي سقطرى، وهذا تم بالتنسيق مع وزارة الاتصالات وشبكة المعلومات في الحكومة الشرعية.
وأكدت المصادر لـ"
عربي21" أنهم قاموا بإنشاء شركة طيران باسم "روتانا" لتسيير رحلة أسبوعية من وإلى الجزيرة، كما يقال، بالتنسيق مع قيادة التحالف، إلا أن هذا الأمر يحدث دون الرجوع إلى الجانب اليمني.
النصب والاحتيال
وتشير المصادر اليمنية وثيقة الإطلاع إلى أن مئات من شباب الجزيرة العاطلين عن العمل وقعوا ضحية نصب واحتيال الإماراتيين، بعدما نقلوا دون جوازات سفر أو تأشيرات دخول إلى دولة الإمارات بهدف التوظيف.
وتقول المصادر نقلا عنهم، إنهم تفاجأوا بمحاولة توظيفهم في شركات أمنية منها "شركة سيكور الأمنية" وبمبالغ زهيدة لا تتجاوز 1500 درهم، وأبدوا رفضهم التوقيع على عقود العمل.
وأردفت قائلة إن الجانب الإماراتي حاول ردعهم تارة عبر التهديد وتارة أخرى عبر التجويع، قبل أن يقوم باحتجازهم في منطقة "الوثبة" بالقرب من مقالب النفايات، قبل أن يتم إعادتهم إلى الجزيرة بعد فشل إقناعهم بالعدول عن مواقفهم.
وتقع جزيرة "سقطرى" ضمن أرخبيل مكون من أربع جزر على المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الأفريقي بالقرب من خليج عدن، على بُعد 350 كيلومترا جنوبي شبه الجزيرة العربية، ويتكون الأرخبيل من جزر: "درسة" و"سمحة" و"عبد الكوري"، بالإضافة إلى جزيرتين صخريتين أخريين.
ولهذا الأرخبيل أهمية استراتيجية كبيرة بسبب موقعه وإطلالته على المحيط، ولذلك بات تحت قبضة الإمارات وحلفائها المحليين.