نشرت صحيفة "الإيكونوميست" البريطانية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على التحول الذي تشهده سياسة المملكة العربية
السعودية تجاه الطائفة الشيعية. وقد ألقى هذا التحول بظلاله على موسم الحج لهذه السنة، حيث لقي
الشيعة الإيرانيون حفاوة كبيرة، علما وأن أعداد الحجاج الإيرانيين قد ارتفعت بنسبة 20 بالمائة.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته
"عربي21"، إن هناك جملة من المساعي لتغيير طبيعة العلاقات السعودية المعادية للشيعة، وخاصة زعيمهم الأكبر المتمثل في إيران. وعلى امتداد عدة عقود، جندت المملكة العربية السعودية وسائل الإعلام لمهاجمة الروافض الذين تعتبرهم ممن شردوا عن المنهج الصحيح للإسلام.
وبينت الصحيفة أنه عقب اعتلاء الملك سلمان بن عبد العزيز العرش وتولي ابنه مسؤوليات وزارة الدفاع، تركزت أنظار المملكة على دحر نفوذ إيران في المنطقة باستخدام القوة. وفي هذا الإطار، شنت المملكة العربية السعودية حربا على الحوثيين الموالين لإيران في
اليمن، كما أنها رفضت تقديم تعويضات لذوي القتلى الذين قضوا نحبهم في حادثة التدافع سنة 2015. بالإضافة إلى ذلك، عمدت المملكة إلى قطع رأس رجل دين شيعي سعودي نمر النمر، علاوة على قطع العلاقات الديبلوماسية وجميع سبل التوافق مع إيران.
ومن المثير للاهتمام أن الأمير محمد
بن سلمان، وبعد سنتين من توليه وزارة الدفاع، قد غير منهج تفكيره فيما يتعلق بهذه المسألة. فبدلا من مواجهة مختلف أتباع إيران، يسعى ولي العهد الجديد إلى كسب ودهم وود حكامهم الشيعة. وفي هذا الصدد، جدد بن سلمان علاقاته مع العراق بعد قطيعة دامت 25 سنة، علاوة على أنه بادر بفتح الحدود أمام العراقيين والتجارة لأول مرة منذ سنة 1990.
وأضافت الصحيفة أن ولي العهد السعودي قد أرسل رئيس أركانه إلى بغداد لتوقيع عقد تبادل معلومات استخباراتية واستقدام وفد تجاري إلى العاصمة، الرياض. وفي شهر حزيران/يونيو، استضاف الأمير السعودي رئيس الوزراء الشيعي العراقي، حيدر العبادي، في حين أنه أقدم في يوليو/تموز على استقبال مقتدى الصدر، أحد أكثر رجال الدين الشيعة شراسة.
وأوردت الصحيفة أن المملكة العربية السعودية تخطط لفتح قنصلية في مدينة النجف، "العاصمة الروحية" للشيعة في غرب العراق، علاوة على تخصيص رحلات مباشرة لتمكين آلاف الشيعة السعوديين من زيارة ضريح الإمام العلي. وفي هذا السياق، أفاد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي أنه يجب كبح جماح الطائفية وتهدئة الأوضاع في المنطقة، مشيرا إلى ضرورة إنهاء الحرب في سوريا والقضاء على تنظيم الدولة.
وأوضحت الصحيفة أن السعوديين قد غيروا من إستراتيجيتهم المتبعة في سوريا أيضا. ففي الواقع، ما فتئ رجال الدين السعوديين يحثون السنة على الجهاد ضد العشيرة العلوية الحاكمة في سوريا وحلفائها الإيرانيين. في المقابل، وفي الوقت الراهن، خفف هؤلاء الأشخاص من حدة خطابهم خشية اتهامهم بالتحريض على الإرهاب. من جانب آخر، يدعي البعض أن الأمير محمد بن سلمان توقف عن دعم الثوار السنة في سوريا، في حين حث زعمائهم المنفيين في الرياض على التوصل إلى حل وسط مع نظام بشار الأسد.
وأفادت الصحيفة أنه وفي الوقت الذي لا يزال فيه السعوديون يقصفون شمال اليمن، باتت المملكة تميل أكثر إلى الصلح فضلا عن أنها على استعداد إلى إبرام صفقة مع بقية الأطراف. وعلى غير العادة، اعتذرت المملكة عن غارة جوية استهدفت مطار صنعاء في 25 من أغسطس/آب، علما وأنها قد أسفرت عن مقتل 14 مدنيا. في المقابل، اقترح متحدث باسم المملكة العربية السعودية افتتاح مطار صنعاء من جديد فضلا عن أكبر ميناء في اليمن.
وفي الأثناء، قال بعض المسؤولين السعوديين إنهم يريدون إغراء حلفاء إيران من العرب للعودة إلى صف المملكة، من منطلق العرق قبل الدين، وذلك بغية تقليص النفوذ الإيراني. وفي هذا الصدد، بين أحد المسؤولين السعوديين أنه كلما تم التفاعل بشكل ناجع مع العراقيين كلما انحسر الوجود الإيراني في المنطقة.
والجدير بالذكر أن بعض المراقبين يتوقعون تحقق تقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران، في المستقبل. وعلى الأرجح سيتجسد هذا التقارب أساسا من خلال عقد صفقة كبرى تشمل اعتراف السعوديين بهيمنة إيران على شمال الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا، مقابل ترك حرية التصرف للمملكة العربية السعودية فيما يتعلق بدول الخليج وشبه الجزيرة العربية. من جانبه، فند عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، مثل هذه التوقعات معتبرا إياها "مضحكة".
ونقلت الصحيفة على لسان أحد المسؤولين السعوديين، أنه "عندما تستمع إلى كلمات حسن روحاني المعسولة، لا يسعك سوى رؤية الأعمال العدوانية التي يقوم بها الحرس الثور الإيراني". ولم يتوان هذا المسؤول السعودي عن الإشارة إلى وجود مؤامرات إرهابية مدبرة من قبل إيران في الكويت والبحرين، معربا عن أسفه بشأن التدخل الإيراني في اليمن.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن أي تقدم على مستوى العلاقات السعودية الإيرانية سيكون صعبا علما وأن المملكة العربية متخوفة من حقيقة رؤية تقربها من إيران على اعتبارها علامة استرضاء وخنوع لها.
في الوقت ذاته، لن يكون احتضان القادة الشيعة العراقيين للسعوديين بالأمر الهين.