نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحث في شؤون الشرق الأوسط في منظمة "هيومان رايتس ووتش" آدم كوغل، عن حرب
السعودية ضد الإرهاب في بلدة
العوامية.
ويقول الكاتب إن حكومة الرياض قررت أن حربها ضد
إيران يجب أن تبدأ في الجبهة الداخلية، وينقل عن أحد مواطني العوامية في شرق السعودية، قوله: "نحن خائفون، ولا نستطيع ترك بيوتنا، ومعظم المحلات مغلقة أو احترقت"، وأضاف: "أي شيء متحرك أصبح هدفا"، وكان يشير إلى المواجهات القاتلة التي شهدتها البلدة خلال الأشهر الماضية بين قوات الحرس الوطني والمسلحين من أبنائها.
ويشير كوغل في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن العنف بدأ في أيار/ مايو، عندما بدأت قوات الأمن بخطة هدم حي المسورة التاريخي في البلدة؛ من أجل بناء مشروع جديد، حيث واجه الحرس الوطني مقاومة مسلحة من عدد غير معروف من الرجال، معظمهم تحاول الحكومة البحث عنهم منذ عام 2012؛ بسبب مشاركتهم في التظاهرات، لافتا إلى أن العنف زاد عندما تم إغلاق البلدة بشكل كامل في تموز/ يوليو.
ويلفت الكاتب إلى أن منظمة "هيومان رايتس ووتش" تحدثت إلى خمسة طلاب من العوامية، ممن لم يتعاطفوا مع المسلحين، لكنهم حملوا قوات الحكومة مسؤولية استفزاز قتال طويل لم يكن له داع، وزعموا أن قوات الحرس الوطني كانت تطلق النار بطريقة عشوائية، أو تعتقل أي شخص يخرج من بيته، حتى لو كان من منطقة بعيدة عن حي المسورة.
ويقول كوغل إن الحكومة سارعت بتحميل "الإرهابيين" مسؤولية العنف، مستدركا بأن جذوره عميقة، حيث يقول ناشطو حقوق الإنسان في السعودية إن التمييز ضد سكان المنطقة التي يعيش فيها
الشيعة، الذين يشكلون نسبة 10-15% من عدد السكان، عادة ما يؤدي إلى إشعال التوتر الطائفي، ويؤدي إلى موجات متقطعة من العنف.
ويرى الكاتب أن "العداء والشك من الدولة السعودية والمؤسسة الدينية وبعض السكان تجاه السكان الشيعة يعكس ما هو أكثر من عدم التسامح الديني تجاه الأقلية، بل إنه يعبر عن الجيوسياسية الإقليمية التي تتنافس فيها السياسة السعودية الخارجية مع إيران، ما أدى بالتالي إلى توسيع درجة الشك والعداء".
ويفيد كوغل بأنه "في اليمن مثلا، شن التحالف الذي تقوده السعودية حربا ضد الشيعة الزيديين المسلحين المعروفين بأنصار الله أو الحوثيين، وشن التحالف عشرات من الغارات، التي تركت آثارا خطيرة على المدنيين اليمنيين، وحتى التنافس السعودي مع إيران على سيادة المنطقة أسهم في الطريقة التي عاملت فيها الحكومة السعودية المواطنين الشيعة".
ويبين الكاتب أن "السعودية والإمارات العربية المتحدة قالتا إن إيران تقوم بتوسيع نفوذها في اليمن ودول الخليج، وهذا زعم عادة ما عكسته مراكز الأبحاث في واشنطن، التي تحظى بدعم مالي من هاتين الدولتين، بل إن المسؤولين السعوديين تبنوا خطابا يربط بين شيعة السعودية وإيران".
وينوه كوغل إلى أن حاكم المنطقة الشرقية الأمير سعود بن نايف آل سعود أثار جدلا في نيسان/ أبريل 2015، عندما قال بعد مقتل رجلي شرطة في مدينة القطيف: "في الوقت الذي يمر فيه بلدنا بما يمر ونقف كتلة واحدة، فإننا نجد أحفاد المتلون الصفوي عبدالله بن سبأ يحاولون تقسيم الكتلة".
ويذكر الكاتب أن العائلة الصفوية حكمت إيران في الفترة ما بين القرن السادس عشر والثامن عشر، وقامت بتحويل سكان إيران السنة إلى التشيع، لافتا إلى أن شيعة السعودية قالوا إن تصريحات الأمير سعود تلمح إلى أنهم "طابور خامس".
ويستدرك كوغل بأنه "رغم أن هذه التطورات الإقليمية أدت إلى زيادة الشك من السكان الشيعة، إلا أن اضطهادهم بدأ قبل ذلك فترة طويلة، حيث وثقت منظمة (هيومان رايتس ووتش) هذه المعاملة السيئة لسنوات طويلة، فالشيعة لا يحصلون على معاملة متساوية في النظام القضائي، وتمنعهم الحكومة من ممارسة شعائرهم بحرية، ولا تمنحهم إذنا لبناء مساجد إلا نادرا".
وبحسب الكاتب، فإن السعودية استثنت تاريخيا الشيعة من الخدمة في بعض القطاعات العامة والمناصب العليا، حيث لا يوجد في الوقت الحالي أي شيعي في السلك الدبلوماسي أو من بين قادة الجيش، بالإضافة إلى أن الطلاب الشيعة لا يستطيعون الدخول في الأكاديميات العسكرية وقوات الأمن، ويجبر الطلاب على دراسة مقرر تعليمي ينتقد ممارسات طائفتهم الشيعية.
ويؤكد كوغل أن "النظام القضائي يستخدم لإصدار قرارات تعسفية ضد الشيعة، حيث قدم العديد من الشيعة للمحاكم بسبب مشاركتهم في احتجاجات، بل حكم بالإعدام على بعضهم، وأكدت المحاكم قبل فترة حكم الإعدام على 14 شخصا في جرائم لها علاقة بالاحتجاجات والعنف، بما فيها استهداف دوريات للشرطة ومراكزها، وقامت محكمة ابتدائية بتأكيد هذه الأحكام كلها بناء على اعترافات تخلوا عنها أمام المحكمة، وقالوا إنها انتزعت منهم تحت التعذيب".
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذه الحالات تشبه الأشكال القديمة التي وثقتها (هيومان رايتس ووتش)، حيث حللت 10 أحكام أصدرتها المحكمة الجنائية الخاصة في الفترة ما بين 2013 و2016، وفي الأحكام التي صدرت ضد سعوديين شيعة كلها قام المتهمون بالتراجع عن اعترافاتهم، التي قالوا إنهم أجبروا عليها في ظروف تصل للتعذيب، بما في ذلك الضرب والحبس الانفرادي الطويل".
ويبين كوغل أنه فيما يتعلق بأحكام الإعدام الأربعة عشر التي صدرت قبل فترة، فإن المحكمة رفضت مزاعم التعذيب كلها دون التحقيق فيها، ورفضت مطالب المتهمين بإحضار لقطات فيديو تظهر تعرضهم للتعذيب، وإحضار شهود لتأكيد تعرضهم للتعذيب.
ويقول الكاتب إن "الحكومة معتمدة على الشيوخ لتعبئة الرأي العام لدعم الإجراءات ضد شيعة السعودية واستهدافهم من خلال خطاب الكراهية، حيث يشير بعض هؤلاء ممن لهم الملايين من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي للشيعة بعبارات مهينة، ويشجبون الاختلاط بين السنة والشيعة، ويحفل المقرر التعليمي بالإشارات التي تلمح إلى أن ممارسات الشيعة هي شرك، بشكل يجعلهم خارج الإسلام، وعقابها النار، وخطاب كهذا ترك آثاره على الشيعة، واستخدمه تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة مبررا لمهاجمتهم، فمنذ عام 2015، شن تنظيم الدولة ست هجمات على مساجد ومبان شيعية في المنطقة الشرقية ونجران".
ويشير كوغل إلى أنه "وسط القمع المحلي الذي يدور في البلاد، فإن الشيعة يحاولون توضيح أن مشكلتهم محلية، وقالوا في مقابلات مع (هيومان رايتس ووتش) إنهم راغبون في الاندماج في الدولة السعودية على قدم المساواة مع بقية المواطنين".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "في الوقت الذي تعتقد فيه الحكومة السعودية أنها قادرة على قمع الاضطرابات في المنطقة الشرقية، وقتل (الإرهابيين)، وإعدام المحتجين في محاكم غير عادلة، فإن هذه الإجراءات لن تعمل إلا على زيادة دوامة العنف. والحل طويل الأمد والدائم لهذه المشكلات كلها هو وقف السعودية اضطهادها لمواطنيها الشيعة".