على مدى عامين ونصف، قامت المملكة العربية
السعودية وحلفاؤها – مجهزين بطائرات مقاتلة وصواريخ موجهة دقيقة صنعت في أمريكا – بشن حملة جوية مسلحة باستخدام أحدث التقنيات على واحدة من أفقر البلدان في العالم.
وبحسب ما نشرت "فورين بوليسي" وترجمته "
عربي21" فإن التفوق العسكري الهائل للتحالف الذي تقوده السعودية لم يمكنه من الاقتراب من تحقيق النصر، بل ساهم بدلاً من ذلك في زيادة الانقسام السياسي في
اليمن، وفي تعميق الأزمة الإنسانية التي وضعت البلد على حافة المجاعة، وغذى حالة الغضب والاستياء الشعبي بسبب الارتفاع الهائل في عدد الضحايا بين المدنيين، وذلك بحسب ما ورد في تقرير سري للأمم المتحدة اطلعت عليه مجلة فورين بوليسي.
ففي حكم دامغ، توصلت لجنة من الخبراء في مجلس الأمن الدولي إلى القول بأن "الحملة الجوية الاستراتيجية للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية تترك أثراً عملياتياً أو تكتيكياً محدوداً جداً على الأرض، وكل ما تفعله هو أنها تؤدي إلى تصليب المقاومة المدنية. كما أنها تساعد في "تعضيد" التحالف العسكري بين المتمردين
الحوثيين وزعيم اليمن المعزول ورئيسها السابق علي عبد الله صالح، الذين يسيطرون على ثلاث عشرة محافظة من محافظات البلاد بما في ذلك العاصمة صنعاء.
كما أن حالة الفوضى العارمة التي تتسبب بها الحرب توفر أرضاً خصبة لتكاثر المتطرفين، بما في ذلك عناصر الدولة الإسلامية والقاعدة، والتي تعتقد لجنة الخبراء بأنها "تتحين الفرصة لشن هجمات ضد أهداف في الغرب". ويشير التقرير إلى أن القاعدة قد تسعى إلى تعزيز قدرتها على شن هجمات على القوارب والسفن في البحر، وتذكر في هذا الصدد ما ورد من تقارير حول الاستيلاء على قنابل ومتفجرات من النوع العائم المحمول على سطح الماء وعلى جهاز رادار للكشف البحري، وذلك في المعقل السابق للتنظيم في مدينة المكلا. وكان زعيم القاعدة المحلي قاسم الريمي قد نشر مؤخراً مقطع فيديو يحرض فيه أتباعه على القيام بعمليات منفردة ضد أهداف في الغرب، حسبما أشارت لجنة الخبراء.
واليوم بات زعيم اليمن المعترف به دولياً، الرئيس عبد ربه منصور هادي، على حافة الهاوية، حيث تآكلت سلطته وأصبحت بشكل متزايد تحت سيطرة المليشيات التي تمولها وتتحكم بها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، أي نفس الدول التي شنت الحرب ابتداء بهدف إعادته إلى كرسي الحكم في البلاد.
يضاف إلى ذلك أن عدداً من وزرائه قد انشقوا عنه وشكلوا مجلساً انتقالياً منفصلاً بهدف إقامة نظام حكم خاص بجنوب اليمن. وترى لجنة خبراء الأمم المتحدة أن المجلس يتمتع بما يكفي من الدعم داخل الجيش اليمني "بما يمكنه من تشكيل تهديد كبير لقدرة الرئيس هادي على حكم الجنوب".
وينص التقرير على أن "سلطة الحكومة الشرعية، والتي باتت ضعيفة أو غائبة تماماً في كثير من أنحاء البلاد، تآكلت بشكل كبير هذا العام. وبات مشكوكاً في قدرة الحكومة الشرعية على القيام بشكل فعال بحكم المحافظات الثمانية التي تزعم أنها تسيطر عليها".
وخلال محادثات جرت في الرياض الشهر الماضي مع دبلوماسيين أمريكيين سابقين، أصر مسؤولون سعوديون على أن التحالف "ما فتئ يحقق تقدماً طفيفاً في عدة مناطق" – الاحتفاظ بالسيطرة على أجزاء مهمة من مدينة تعز الاستراتيجية، والاستيلاء على طريق مأرب إلى الشرق من العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون على مسافة قريبة من المطار ضمن مدى المدفعية، وحصار مدينة الحديدة الحيوية على ساحل البحر الأحمر، وذلك بحسب تقرير نشرته دورة "الأمن فقط" أعده السفير الأمريكي السابق في اليمن ستيفن سيشي بالاشتراك مع إريك بيلوفسكي.
وكانت قوات يمينية مدعومة من قبل التحالف قد تمكنت في وقت مبكر من هذا العام من الاستيلاء على ميناء المكلا، على ساحل البحر الأحمر. وجاء في تقرير سيشي وبيلوفسكي ما يلي: "يركز السعوديون الآن بقيادة اللواء فهد بن تركي بن عبد العزيز على إخلاء الحدود وإنشاء منطقة محايدة داخل اليمن".
إلا أن الكاتبين أعربا عن خشيتهما من أنه إذا ما بادرت اليمن وداعموها إلى شن هجوم عسكري على الحديدة وعلى صنعاء فقد يدمر ذلك الجهود الدولية التي تبذل لضمان وصول المساعدات الإنسانية، وقد ينجم عن ذلك حمام دم في كبرى المدن اليمنية.
ومع ذلك، فليست قوات المعارضة اليمنية في أحسن أحوالها، بل تقول اللجنة في تقريرها إن التوتر ما لبث يتصاعد بين الحوثيين وصالح، الذي فقد بالتدريج كثيراً من نفوذه داخل معسكر المعارضة. إلا أن اللجنة توقعت أن يبقى هذا المعسكر متماسكاً في غياب تبدل كبير في ميزان القوة داخل اليمن.
وعلى الرغم من استيلاء السعوديين على المكلا، إلا أن ائتلاف الحوثيين وصالح مازال يسيطر على نفس القدر من الأراضي التي كان يحتفظ بها في العام الماضي، كما أنه يتحكم بما يزيد عن ثمانين بالمائة من مجمل تعداد السكان في اليمن الأمر الذي يتيح له فرصاً كبيرة لابتزاز الأموال من رجال الأعمال المحليين ومن السكان المدنيين. ونبهت اللجنة إلى أن أحد المخاوف الحرجة يكمن في الاستخدام المسلح من قبل الحوثيين لطائرات من غير طيار شبيهة بالنماذج الإيرانية، وكذلك نشرهم للألغام البحرية، والتي يخشى من وصولها إلى ممرات الملاحة الدولية. وقال الخبراء في تقريرهم إن واحداً من أنواع الألغام البحرية المستخدمة "متطابق تماماً تقريباً مع نموذج لغم بحري إيراني شوهد لأول مرة في معرض إيراني للأسلحة نظم في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2015".
وصعد الحوثيون من هجماتهم على السفن الحربية التابعة للتحالف، بما في ذلك الهجوم الذي شن في شهر مارس/ آذار على سفينة حربية تابعة لسلاح البحرية الملكي السعودي باستخدام مركب محمل بالمتفجرات تم التحكم به عن بعد، ويحتمل أن يكونوا مسؤولين عن الهجوم الذي شن على سفينة حربية إماراتية باستخدام صاروخ موجه مضاد للدروع أطلق من قاعدة موجودة داخل اليابسة.
ثمة توافق بين سيشي وبيلوفسكي وأعضاء لجنة خبراء مجلس الأمن على أن فرص التوصل إلى سلام تظل شبه معدومة طالما ظلت القوى المتقاتلة في جانبي الصراع تدخل وتخرج من عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة كلما تراءى لها بناء على ما تحققه من مكاسب أو تتكبده من خسائر. ولقد أعرب سيشي وبيلوفسكي عن رغبتهما في رؤية الأمم المتحدة تعيد تنظيم جهدها الدبلوماسي بدعم من الولايات المتحدة في محاولة لوقف الحرب.
إلا أن الحرب وفرت كذلك مجالاً أمام القوى الدولية والإقليمية، من الولايات المتحدة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران، لكي تسعى وراء تحقيق أهداف سياسية وعسكرية خاصة بها، ومن ذلك على سبيل المثال استغلال القوات الأمريكية والإماراتية للأوضاع كي تمضي قدماً في شن حربها على القاعدة في اليمن.
لقد بادرت الولايات المتحدة منذ مطلع هذا العام إلى زيادة عدد هجماتها الجوية على أهداف تابعة للقاعدة في اليمن، حيث يقدر عدد الضربات الجوية التي نفذتها الطائرات الحربية والطائرات بلا طيار التابعة لسلاح الجو الأمريكي بما يزيد عن 100 غارة جوية فقط في النصف الأول من عام 2017، أي بزيادة تقدر بثلاثين غارة عما كان عليه الحال في العام الذي سبقه. إلا أن اللجنة عبرت عن قلقها من أن منتسبي الإسلام السياسي ممن لا يرتبطون بالقاعدة "قد تكون القوات الأمريكية استهدفتهم بالخطأ على اعتبار أنهم جهاديون يمارسون العنف"، وذلك ما تعكف اللجنة حالياً على إجراء تحقيق فيه.
من الأدلة القوية على تآكل سلطة هادي وتلاشي نفوذه تلك المحاولة الفاشلة التي قام بها قائده العسكري لفرض السيطرة على مطار عدن، وذلك حين هبط العميد مهران القباطي، آمر لواء الحماية الرئاسية الرابع، في السابع والعشرين من إبريل/ نيسان، في المطار بهدف نشر لوائه لضمان أمن الزعيم اليمني، إلا أن مسؤول الأمن في المطار صالح العميري المدعوم من قبل قوات دولة الإمارات العربية المتحدة المتواجدة في عدن رفض السماح له بدخول المطار.
ورفض الشيخ أبو العباس، وهو زعيم مليشيا سلفية في تعز تتلقى الدعم المالي والمادي بشكل مباشر من الإمارات العربية المتحدة، وضع قواته تحت إمرة رئيس هيئة أركان الجيش اللواء محمد علي المقداشي، بينما شكل زعماء سلفيون آخرون مليشيات خاصة بهم تتلقى الدعم المالي والعسكري من أعضاء في التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية.
في هذه الأثناء تقوم الإمارات العربية المتحدة بتمويل وتدريب العديد من قوى الأمن المحلية، بما في ذلك قوات الحزام الأمني، قوة النخبة الحضرمية، التي شكلت للتصدي للوجود العسكري لتنظيم القاعدة في اليمن.
وجاء في تقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدولي أن "سلطة الحكومة الشرعية تواجه أيضاً تحديات ناجمة عن انتشار المليشيات المسلحة، والتي يتلقى كثير منها التمويل والمساندة إما من المملكة العربية السعودية أو من الإمارات العربية المتحدة. ونجم عن استخدام القوات التي تعمل بالوكالة خارج إطار وهيكلية الحكومة خلق فجوة في المحاسبة والمساءلة ترتكب من خلالها انتهاكات جسيمة يمكن أن تصنف ضمن جرائم الحرب".
وأكدت اللجنة صحة ما ورد في تقارير صادرة عن صحفيين وعن منظمة هيومان رايتس واتش من أن الإمارات ووكلاءها، بحسب ما صرحت به اللجنة، قد أقاموا شبكة من السجون السرية في اليمن، وأضافت اللجنة أنها حصلت على "معلومات موثوقة تفيد بأن الإمارات العربية المتحدة أخفت قسرياً شخصين في عدن لما يزيد عن ثمانية شهور" وأنها أساءت معاملة المعتقلين في المكلا.
وأضافت اللجنة الدولية في تقريرها: "لقد بادرت اللجنة بإجراء تحقيقات حول موقع مدني يستخدم كمركز للاعتقال يحتجز فيه حالياً ومنذ وقت طويل عدد من المدنيين بمن فيهم أحد النشطاء وأحد الأطباء. ولقد قيل لهؤلاء الأفراد إن السبب الوحيد من وراء احتجازهم هو استخدامهم في المستقبل لتبادل السجناء".
إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة ليست الجهة الوحيدة التي تقوم بمثل هذه الممارسات، فالحكومة اليمنية، والائتلاف الذي يجمع قوات الحوثيين وقوات صالح، يستمران هما أيضا في ممارسة الاعتقال غير الشرعي، بما في ذلك سجن الأفراد بدون محاكمة وممارسة الاختفاء القسري "في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي ولقوانين وأعراف حقوق الإنسان".