عقب ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، عرف
المصريون لأول مرة مصطلح "حزب الكنبة"، والذي كان يطلق وقتها على المواطنين السلبيين الذين لا يهتمون بالمشاركة في الشأن العام ويكتفون بالمتابعة فقط، بسبب انشغالهم في السعي وراء لقمة عيشهم أو بسبب عدم اقتناعهم بجدوى المشاركة السياسية أو الاستحقاقات الانتخابية المختلفة.
وبعد أربعة أعوام من انقلاب تموز/ يوليو 2013، وبسبب التدهور الاقتصادي الحاد الذي تعاني منه البلاد، وإغلاق المناخ السياسي بالكامل، وانعدام حرية التعبير وقمع أي محاولة لمعارضة النظام واعتقال النشطاء السياسيين، أدى هذا المناخ إلى انضمام قطاعات شعبية جديدة إلى "حزب الكنبة"، من بينهم زعماء سياسيون وباحثون ونشطاء، قرروا الابتعاد عن المشهد السياسي بعد أن كانوا في قلبه، حتى باتت "الكنبة" تتسع لغالبية الشعب المصري، بحسب معلقين.
كما توقفت الأحزاب والحركات السياسية أيضا عن ممارسة دورها المعتاد؛ خوفا من الملاحقات الأمنية والاعتقالات التي طالت بالفعل العشرات من أعضائها في الشهور الأخيرة، وخاصة بعد اندلاع أزمة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.
السياسيون اعتزلوا السياسة
وفي هذا السياق، أعلن المحامي الحقوقي نجاد البرعي، الأسبوع الماضي، اعتزال العمل السياسي والعمل العام، وقرر غلق حسابه على "فيسبوك"، بعدما أصيب بحالة من الإحباط واليأس من الأوضاع في مصر.
وفي 9 تموز/ يوليو الجاري، أعلن المحامي الحقوقي منتصر الزيات أيضا اعتزاله العمل السياسي والنقابي، موضحا، عبر "فيسبوك"، أن سبب القرار هو "رفضه لسلبية القطاع العريض من الشعب ومناخ الهزيمة وعدم وضوح الرؤية والتخوين المتبادل في معسكر المعارضة".
وفي حزيران/ يونيو، أعلن رئيس حزب المصري الديمقراطي السابق، محمد أبو الغار اعتزال العمل السياسي، موضحا، في تصريحات صحفية، أنه لا يرى أي دور سياسي يمكنه القيام به الآن.
وفي أيار/ مايو الماضي أعلن رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، اعتزاله العمل السياسي بسبب أجواء التخوين والاستقطاب الحادة التي تعيشها البلاد، مؤكدا أنه لا أمل في الإصلاح طالما ظل القمع والنفاق يسيطران على المشهد.
وفي هذا السياق، قال القيادي بحركة "شباب 6 إبريل" شريف الروبي، في تصريحات صحفية، إن أعضاء الحركة الذين يقبع المئات منهم في السجون لم يجدوا التفافا جماهيريا حولهم، رغم سعيهم لتحقيق مطالب جماهيرية، وهو ما أصاب أعضاءها بالإحباط وقرروا ألا يعودوا للمشاركة في الفعاليات والتظاهرات إلا عندما يعود الوعي للشعب ويتحرك للمطالبة بحقوقه.
نتيجة متوقعة
من جانبه، قال المحلل السياسي عمرو هاشم؛ إن "ما يحدث هو نتاج طبيعي للحالة التي أوصلنا إليها النظام الحالي، من خنق تام للحياة السياسية بصورة غير مسبوقة وقتل فكرة التعددية، بالإضافة إلى وضع حقوق الإنسان الذي يمر بأسوأ أحواله في تاريخ مصر الحديث".
وأضاف ربيع، في حديث لـ"
عربي21"، أن كل هذه العوامل "أدت إلى ابتعاد قطاع عريض من الشعب عن السياسة، وعزوف الشباب بشكل خاص عنها لأنهم فقدوا الأمل في المستقبل ولم يعد لديهم رغبة في العمل السياسي بعدما رأوا كل من يعمل في السياسة يتم اعتقاله أو التنكيل به بطرق مختلفة"، وفق تقديره.
وحول تأثير هذه الحالة على الأوضاع في مصر، قال ربيع إن عزوف السياسيين والنشطاء عن الاهتمام بالسياسة سيكون له تأثير خطير على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المستقبلية للبلاد، متوقعا أن تعيش مصر "مستقبلا مظلما يستمر لما يزيد عن 20 سنة من القمع".
ليس في مصلحة النظام
من جهته، قال الباحث السياسي جمال مرعي؛ إن ثلاثة أرباع الشعب المصري الآن أصبح لا يريد التحدث في السياسة بسبب ما رآه على مدار السنوات الخمس الماضية، مشيرا إلى أن الناس ملت من الحديث في السياسة، وحتى الشباب والنشطاء أصيبوا بالإحباط بسبب سوء الأوضاع وفقدان الأمل في التغيير.
ولفت مرعي، في حديث لـ"
عربي21"، إلى أن التفكير السائد لدى قطاع عريض من الشعب، وخاصة الشباب، هو البحث عن أي فرصة للهجرة من البلاد، "وهذا يؤثر بالطبع على مستقبل مصر التي تمر بحالة من التردي الاقتصادي والسياسي".
وأكد أن كل ما يحدث "من تهميش وقتل للحالة السياسية في البلاد ليس في مصلحة النظام الحالي"، موضحا أن الرئيس المخلوع حسني مبارك لم يهمش الحياة السياسية ويشوه معارضيه بهذه الطريقة، "وعلى الرغم من ذلك اندلعت كانون الثاني/ يناير 2011 التي أطاحت به من الحكم، وأعتقد أنه كلما اشتدت الأزمات السياسية كان ذلك مؤشرا على قرب زوال السلطة والنظام بأكمله"، حسب قوله.
ورأى أن "كل الشواهد والممارسات تؤكد أن النظام يستعدي الجميع من شباب وأحزاب، بل طال التنكيل القوى السياسية والشخصيات التي شاركت معه في 30 حزيران/ يونيو"، معتبرا أن "النظام وصل لنقطة لا رجعة فيها من العناد مع المجتمع بأكمله"، على حد وصفه.