أوردت دار الإفتاء
المصرية مؤخرا على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" منشورا قالت فيه إن "
غلاء الأسعار ورخصها بيد
الله"، واستشهدت بحديث نبوي جاء فيه "إن الله هو المسعِّر القابض الباسط الرازق".
وعقبت "الإفتاء" على الحديث بقولها إن "معنى الحديث لفت نظر الصحابة إلى نسبة الأفعال حقيقة إلى الله تعالى"، مستدلة أيضا بالآية القرآنية: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى".
وأثار المنشور غضب نشطاء التواصل، الذين هاجموا دار الإفتاء متهمين إياها بتسويغ قرار حكومة الانقلاب برفع أسعار المحروقات، وزيادات أخرى لسلع وخدمات بدأ تطبيقها أول الشهر الجاري، ما دفع الدار إلى حذف المنشور من على صفحتها، دون أي تنويه عن سبب الحذف، أو الاعتذار عن المنشور.
وتواصلت "
عربي21" مع أحد موظفي المركز الإعلامي لدار الإفتاء، إلا أنه نفى معرفته بالواقعة، ممتنعا عن توضيحها أو الرد عليها.
الأخذ بالأسباب
من جهته؛ أوضح عميد كلية الدعوة بالأزهر، جمال فاروق، معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام "إن المسعِّر هو الله" بأنه "يعني الإيمان بأن كل شيء يجري في الكون بقدر الله".
واستدرك: "لكن الإيمان بالقضاء والقدر لا يعني أن أعرض نفسي للموت، وأقول إن المقدَّر مكتوب، فلا بد من الأخذ بالأسباب، وهذا يستلزم البحث عن الأسباب التي لا تؤدي للجشع، ولا لرفع الأسعار".
وقال فاروق لـ"
عربي21" إن "الكل مسؤول في التخفيف عن الفقراء، والحديث النبوي واضح في تقرير ذلك، وهو قوله عليه الصلاة والسلام (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته) فالجميع مسؤولون؛ بدءا من الحاكم، وانتهاء برب الأسرة".
وأضاف أن دور العلماء يتمثل في إرشاد التجار إلى عدم المغالاة في السعر، ومساعدة الفقير، لافتا إلى أن "على الدولة أن تتابع الجشعين، وتساعد الناس".
زيادة الإنتاج
أما الشيخ يسري جبر، إمام وخطيب مسجد الأشراف بالقاهرة، فرأى أن تفسير حديث "إن الله هو المسعِّر.." يعني "زيادة الإنتاج؛ لأن المسألة عرض وطلب، والمعروض لو كان قليلا والطلب مرتفعا ورخّص الحاكم السعر؛ فإنه سيضر بالتجار، ولو كان المعروض كثيرا فسينخفض السعر وحده".
وقال لـ"
عربي21" إن "النبي لم يسمح في المقابل بالاحتكار، فنفهم من هذا أن هناك توازنا بين الإنتاج وبين منع الاحتكار".
وأضاف: "لو كان المصريون يريدون ترخيص الأسعار؛ فإن عليهم أن يزيدوا من إنتاجهم لتزيد الصادرات، وتزيد واردات العملة الأجنبية".
وأكد جبر أن "الله يقدّر
الأرزاق على حسب أعمال العباد، فإذا كانت طالحة ابتلاهم بالقحط، وبالتالي يقل الموجود وتزيد الأسعار، وإن كانت صالحة زاد الموجود وانخفضت الأسعار".
تسويغ الطغيان
من جانبه؛ قال أستاذ أصول الفقه بجامعة
الأزهر، مجدي شلش، إن جملة "إن المسعِّر هو الله" تعني أن "الله هو جالب الأرزاق إلى الناس حقيقة، لكن جلب الإنسان الرزق لنفسه مطلوب من الشرع".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "الله هو الرازق والمعطي للناس جميعا، لكن لا يتكئ أحد من الناس أو الحكام على هذا؛ لأن النبي كان يتدخل في السوق إذا وجد فيه ما يضر بالناس أو يخدعهم".
وانتقد شلش وزارة أوقاف الانقلاب قائلا إنها "تحدد خطبة عن القناعة وأنها كنز لا يفنى، وهو معنى جميل، لكنها تفسر القناعة بعدم مواجهة ظلم وفساد الحاكم، مسوغين بذلك طغيانه وفساده".