على وقع الحقيقة التائهة حول سبب قتل الجندي الأردني معارك أبو تايه لـثلاثة من الجنود الأمريكيين، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، في قاعدة الملك فيصل الجوية في الجفر، أمهلت عشيرة الجندي الحكومة الأردنية حتى السبت القادم للإفراج عنه، لوقف مظاهر الاحتجاج كافة.
وفي ظل تضارب الروايات حول ملابسات الحادثة، علّق الجندي الأردني معارك أبو تايه على قرار المحكمة العسكرية التي قضت بوضعه بالأشغال الشاقة مدى الحياة؛ صارخا: "أنا قمت بواجبي".
تعيد صرخة الجندي الأردني للأذهان الرواية الرسمية الأردنية بعد الحادثة، التي جاءت على لسان مصدر عسكري، وجاء فيها أن "الجندي طبق قواعد الاشتباك بعد أن رفضت المركبات (التي كانت تنقل الجنود الأمريكيين) الامتثال لأوامر التوقف".
اليوم تجد الحكومة الأردنية نفسها حائرة بين حلفائها الأمريكيين وعشائر الحويطات التي ينحدر منها عودة أبو تايه، الذي كان قد استعان به الشريف الحسين بن علي في حربه ضد العثمانيين.
تعدد الروايات
السلطات الأردنية تمسكت بروايتها حتى 6 آذار/ مارس 2017، عندما أوضحت السفيرة الأردنية في واشنطن، دينا قعوار، أسباب الحادثة في رسالة إلى عضو الكونغرس الأمريكي تيد بو، مبينة أن "الجندي سمع صوت طلق ناري بالقرب من المدخل الرئيسي للقاعدة، ثم أطلق النار بالتالي باتجاه مصدر الصوت بالتزامن مع مرور مركبات الجانب الأمريكي"، مشددة على أن "تبادل إطلاق النار توقف بسرعة؛ بعدما تبيّن أن عناصر أمريكيين ودودين يوجدون على الجانب الآخر".
بدورها، قالت قيادة العمليات الخاصة الأمريكية، في تقرير لها نشرته صحيفة واشنطن بوست، أنه "لا دليل على تعاطي الجنود الأمريكيين للكحول أو أنهم لم يمتثلوا للإجراءات المعمول بها في أثناء التوقف، أو أنهم أطلقوا النار، وذلك استنادا إلى تسجيلات كاميرات المراقبة".
وفي 17 تموز/ يوليو الجاري، نشرت المحكمة العسكرية الأردنية؛ تفاصيل الحادثة برواية مختلفة، وجاء في قرار المحكمة: "بعد التثبت من هوية رتل المركبات ومن بداخله، تم السماح له بالدخول إلى القاعدة الجوية، وفتح المقص الرئيسي وإزالة بوابة السحب".
وبحسب المحكمة، فقد عبرت سيارة الإسعاف التي تتقدم الرتل باتجاه القاعدة، "ولحظة ذلك سُمِع من قبل مرتبات القاعدة الموجودين عند المدخل صوت منخفض لطلقة نارية من مكان بعيد لم يتحدد مصدره؛ فيما إذا كان من داخل القاعدة أم من خارجها، ولم تتبين هوية مُطلق الطلقة".
وقالت المحكمة إن "المتهم الذي كان موجودا بالقرب من مكان مرور سيارات الرتل، قام بتركيب مخزن الذخيرة على جسم البندقية، وأطلق العيارات النارية مباشرة باتجاه سيارة لاند كروز التي كان بداخلها الجنود، قاصدا بذلك قتلهم بعد أن تبين له صفتهم وأنهم من أفراد القوات الأمريكية ودون تثبته من مصدر الطلقة التي سمعها".
ووفق ما كشفه قرار المحكمة، فإن "ذلك يعد مخالفا للأوامر والتعليمات العسكرية، وذلك متمثل بعدم تطبيق المتهم لقواعد الاشتباك المعمول بها في القوات المسلحة".
شك وريبة.. واحتجاجات
تضارب في الروايات؛ خلق حالة من الشك والريبة لدى عائلة الجندي حول حقيقة ما جرى، ما تسبب في اندلاع أعمال شغب وإغلاق طرق في منطقتي الجفر والقويرة (جنوب عمان)؛ احتجاجا على قرار المحكمة.
وترى عائلة الجندي أن للحقيقة وجها آخر، حيث يقول عبد الرحمن أبو تايه، شقيق الجندي، لـ"عربي21"، إن "الرواية الأخيرة للحادثة هي رواية أمريكية"، معتبرا أن شقيقه "لم يقم إلا بالواجب، عندما رفض رتل السيارات الامتثال لأوامر التوقف وكان الجنود في حالة سكر". وطالب "بإعادة المحاكمة من جديد".
ودفع هذا التضارب محللين سياسيين أردنيين للقول بأن "ضغوطا أمريكية مورست على الأردن في هذه القضية".
ويقول المحلل السياسي لبيب قمحاوي، لـ"عربي21": "المحكمة سياسية بامتياز، وتتشابه ظروفها مع ظروف محاكمة الدقامسة، إذ تم لَيُّ يد الأردن من قبل أمريكا، وانصياع المملكة لضغوط خارجية والضحية في الحالتين مواطن أردني"، وفق قوله.
وينتقد القمحاوي "الغموض الأمني" منذ وقوع الحادثة وتعدد الروايات، وأعاد هذا الغموض إلى أحد أمرين: "إما لأسباب أمنية أو بانتظار التعليمات بشأن الحادثة وكيفية إخراجها"، وفق تقديره.
وقدم وكيل الدفاع المحامي صبحي المواس، الأربعاء، طعنا لدى محكمة الاستئناف العسكرية؛ بالقرار الصادر عن المحكمة العسكرية المختصة بحق الجندي أبو تايه. وقال لـ"عربي21" إنه سيتبع "الإجراءات القانونية"، معربا عن ثقته بـ"استقلالية القضاء".
وأكد المحامي أن "ما قام به الجندي هو الدفاع عن زملائه والقاعدة التي يعمل فيها، وطبق قواعد الاشتباك العسكري"، بحسب المحامي المواس.
مواجهة مع عشائر الجنوب
وقد وضع الغموض وتعدد القصص في رواية الجندي أبو تايه الدولة الأردنية في مواجهة عشائر في الجنوب، ولم تقتصر هذه المواجهة مع قبيلة الحويطات التي ينحدر منها الجندي، إذ أصدرت ما يسمى بـ"عشائر وشباب معان"؛ بيانا انتقدوا فيه تعامل أصحاب القرار في الأردن مع العشائر، وما أسموه "تبخيس الدم الأردني، والاعتقال الذي يتعرض له بعض أبناء العشائر على خلفيات سياسية".
كما اعتبر بيان صادر تحت اسم "عشائر بني حميدة"؛ أن الحكومة "قامت بتقديم الجندي معارك قربانا لأمريكا، عوضا عن جنود أمريكان خرقوا قوانين وأنظمة عسكرية لقاعدة جوية كان يحرسها معارك، لتضرب بعرض الحائط أهم مكون للدولة على أرض الوطن، وهو العشائر الأردنية"، على حد قول البيان.