نشر موقع معهد واشنطن تقريرا حول التغييرات الأخيرة التي شهدها نظام الحكم في
السعودية، جاء فيه أن الأمير
محمد بن سلمان، رغم كونه مقربا من الولايات المتحدة، فإنه يحمل رؤية صلبة لموقع المملكة في العالم، ودوره هو في تأمين هذا الموقع.
وأكد التقرير أن التغيير الأخير في آليات انتقال السلطة في السعودية كان متوقعا منذ وصول الملك سلمان لسدة الحكم بعد وفاة أخيه غير الشقيق، الأكبر منه سنا، الملك عبد الله، في كانون الثاني/ يناير 2015.
ففي غضون ثلاثة أشهر، نجح الملك سلمان في تنصيب محمد، ابنه الأكبر من زوجته الثالثة، كخليفة له. والسؤال الوحيد الذي كان مطروحا هو متى سيحدث هذا التغيير؟ والآن ها هو يحدث، ولكنه حمل معه أسئلة جديدة: متى سيصبح محمد بن سلمان ملكا بشكل رسمي؟ وفي ظل أي ظروف؟
واعتبر التقرير أن هذه الأسئلة تصعب الإجابة عليها، رغم أن ولي العهد المتخلي محمد بن نايف لطالما كان ينظر لوجوده في هذا المنصب على أنه مؤقت. وعلاوة على ذلك، فإن بن نايف رغم خبرته الكبيرة في وزارة الداخلية كقائد للحرب على الإرهاب، فإن سمعته تلطخت بعد فضيحة تعذيب أحد المتهمين بالإرهاب بشكل غير إنساني، أثناء احتجازه لدى السلطات السعودية في سنة 2009.
وذكر التقرير أن الحالة الصحية للملك سلمان هي أيضا يلفها الغموض؛ إذ إنه في سن الواحدة والثمانين يسير باستعمال العصا، وعند لقائه مع الزعماء الأجانب يجلس أمام شاشة ذكية من أجل تذكيره بالنقاط التي عليه التطرق إليها.
وأضاف التقرير أن سلمان، الذي كان في الماضي يوصف بأنه الأقوى من حيث القدرات الذهنية في عائلة آل سعود، تبدو على وجهه الآن علامات الارتباك، كما أنه بات مستسلما بشكل كبير لتعليمات ابنه محمد، الذي ينظر إليه ربما على أنه النسخة الجديدة للملك عبد العزيز، المعروف بلقب ابن سعود، وهو والد سلمان ومؤسس المملكة العربية السعودية في 1932.
وذكر التقرير أنه على عكس أبناء سلمان الآخرين، الذين تحصل أحدهم على شهادة الدكتوراه من جامعه أكسفورد، فإن محمد لم يتم إرساله للدراسة في الخارج. هذا الشاب في عمر الواحد والثلاثين يرتدي الصندل وليس أحذية الماركات الأوروبية الفاخرة التي يفضلها أبناء عمومته، كما أنه لا يتحدث الإنجليزية بطلاقة.
وأضاف التقرير أن بن سلمان عرف بكونه يسمح للآخرين بمناقشة آرائه، لكنه لا يغيرها أبدا. وربما يكون تهوره من أبرز نقاط قوته أو ضعفه. حيث تنتشر حوله حكاية عرفت بـ"قصة الرصاصة"، رواها أحد أبناء عمومته.
وتدور القصة حول أن محمد بعد مغادرته جامعة الرياض حاول خوض غمار قطاع الأعمال، وخلال إحدى المرات احتاج إلى توقيع من أحد القضاة على عقد، وعندما رفض هذا القاضي أخرج محمد بن سلمان رصاصة من جيبه وأمره بالتوقيع. فأذعن القاضي تحت التهديد، إلا أنه اشتكى لاحقا للملك عبد الله، الذي منع الأمير محمد من دخول بلاطه الملكي لعدة أشهر.
وأشار التقرير إلى أن الشاب محمد بن سلمان أصبح منذ فترة همزة الوصل الأساسية بين بلاده والإدارة الأمريكية، إضافة إلى كونه مهندس الحرب التي وصلت لطريق مسدود في اليمن، كما أنه قاد الجهود السعودية لاستعادة جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، ويعرف بكونه يتبنى موقفا متشددا في الأزمة الحالية مع قطر.
وأضاف التقرير أن محمد بن سلمان يعرف بكونه مهووسا بالخطر الذي تمثله إيران، ويرحب في المقابل بانفتاح العلاقات مع إسرائيل في يوم ما. وعلاوة عن كل هذا، فهو صاحب القرار في السياسات النفطية السعودية، في ظل انخفاض الأسعار الذي يثير قلق الرياض، مع اقتراب موعد طرح أسهم شركة أرامكو العملاقة في السوق العالمية.
وذكر التقرير أن محمد بن سلمان، بالإضافة إلى كل هذه الأدوار المذكورة، يعد المدير الفعلي لمشروع "رؤية 2030"، وهو مخطط طموح وضعته المملكة لإصلاح الاقتصاد والمجتمع. ومثل هذه التغييرات تحتاج إلى التشجيع، رغم وجود العديد من العوائق الثقافية الكبيرة، وتراجع العائدات النفطية الذي سيسبب صعوبات في تمويل هذه الإصلاحات.
واعتبر التقرير أن حصول محمد بن سلمان على أصوات 31 من أعضاء هيئة البيعة المنتمين إلى العائلة المالكة، في مقابل ثلاثة أصوات رافضة فقط، يدل على أن معارضة عائلة آل سعود للدور الجديد الذي يلعبه هذا الشاب لم تكن واسعة النطاق مثلما كانت تشير التوقعات؛ إذ إن عددا قليلا من أعمامه لا يزالون في الهيئة، ومن لا يزالون على قيد الحياة منهم تم تمثيلهم من قبل أكبر أبنائهم، وفي حالة واحدة على الأقل صوت الابن بالموافقة على هذا التغيير بينما كان والده ليصوت بالرفض.
وأشار التقرير إلى أن سلسلة من التعيينات الأخرى الجديدة رافقت هذا التغيير، حيث تم تعيين أمراء آخرين في عمر الثلاثينات، فيما يشير إلى حصول نقلة كاملة بين الجيل القديم والجيل الجديد، في نظام الحكم الذي كان في السابق يسيطر عليه كبار السن الذين يتمتعون بالخبرة.
وأضاف التقرير أن هذه التعيينات الأخيرة تتماشى مع روابط الدم والوراثة في المملكة، حيث وزارة الداخلية مثلا تم وضع ابن شقيق محمد بن نايف على رأسها. كما تم أيضا الدفع بابن السفير السابق في واشنطن بندر بن سلطان، وهو خالد بن بندر، ليصبح سفير المملكة في ألمانيا.
ومن التغييرات الأخرى التي ينتظر وقوعها هنالك ما يتعلق بمصير الأمير متعب بن عبد الله، الذي يعتبر من حلفاء محمد بن نايف، والذي لا يزال على رأس الحرس الوطني السعودي، وهو جهاز شبه عسكري قوي وحساس أشرفت الولايات المتحدة على تدريبه وتجهيزه.
ورأى التقرير أن تعيين محمد بن سلمان جاء كتأكيد على تحسن العلاقات بين البلدين، إثر سلسلة من التوترات التي شابتها خلال عهدة باراك أوباما، خاصة حول إيران والاتفاق النووي. إلا أن هنالك خلافات أخرى حادة لا تزال قائمة بين واشنطن والرياض؛ ولذلك فإن العلاقات المستقبلية بين البلدين لن تكون بالضرورة في كنف الوئام التام.